الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطورة بيئة الإرهاب في غرب إفريقيا

عمر سعلي
كاتب

(Omar Siali)

2019 / 11 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


بإحصائيات لا تكذب تؤكد تقارير إخبارية وبحثية بشكل دوري على تمدد الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا ووسطها ،وتؤكد ذلك ميدانيا اختراقاتها المتكررة وأعمالها الإرهابية المتزايدة كمّا ونوعا في عدد من الدول الإفريقية خاصة في مناطق الساحل والصحراء ،إذ قتل تنظيم بوكو حرام النيجري التابع لداعش منذ سنة 2009 حسب الأمم المتحدة نحو 30 ألف شخص، وتسبب بنزوح مليوني شخص عن ديارهم ،وذكر بحث نشره المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتجية أن العمليات الإرهابية أودت في مالي في السنة المنصرمة وحدها بحياة نحو 800 شخص، منهم نحو 300 شخص مدني حسب هيومن رايت ووتش وذلك في مائة حادث إرهابي أغلبها في شمال ووسط البلاد ،ونصف هذا العدد سجل في الربع الأول من العام 2019 ، وفي الشهر الماضي قتل أو اختطف أكثر من 100 جندي مالي حسب تقرير لفرانس24 منهم 53 وجندي فرنسي قتلوا في هجوم تبنته داعش السبت قبل الماضي 2 نونبر 2019، وفي بوركينا فاسو التي بقيت حتى عام 2015 في منأى عن أعمال العنف التي شهدتها مالي ومن ثم النيجر، أسفرت أنشطة المتطرفين فيها عن مقتل نحو 600 شخص ،وتشير مجموعات المجتمع المدني إلى أن الحصيلة تجاوزت ألف قتيل وفرار نحو 300 ألف من منازلهم وإغلاق حوالي 3000 مدرسة ، وفي الشهر الأخير أيضا أحصي مقتل نحو 130 شخص معضمهم من المدنيين جراء العمليات الإرهابية آخرها هجوم قبل أسبوع على مصنع للتعدين أودى بحياة 37 قتيل مدني .

وتشير إحصاءات حديثة منشورة في أبحاث وتقارير إعلامية أن عدد العمليات الارهابية التى تنفذها الجماعات المتطرفة فى منطقة الساحل والصحراء الكبرى ارتفع من 90 عملية فى العام 2016 الى 194 عملية فى العام 2017 ثم زاد العدد الى 465 عملية فى العام الماضى 2018 ، وكذلك ارتفعت اعداد الضحايا جراء هذه العمليات من 218 قتيل فى العام 2016 الى 529 قتيل فى العام 2017 ، وإلى 1110 قتيل فى العام الماضى ، واتسع نطاق هجمات الجماعات الارهابية على المدنيين خلال الاعوام الثلاثة الماضية من 18 عملية استهداف للمدنيين فى العام 2016 الى 39 عملية فى العام 2017 والى 160 عملية خلال العام 2018 ، وبذلك شكلت العمليات الارهابية الموجهة ضد المدنيين نسبة 34 فى المائة من اجمالى العمليات التى نفذتها جماعات الارهاب فى اقليم الساحل والصحراء الكبرى حتى نهاية العام الماضى.

ونتيجة ذلك بلغ عدد النازحين أرقام مقلقة ، أكثرهم نزحوا في الداخل ،وبلغوا نحو 100 ألف شخص في مالي. ومن جهتها، تواجه بوركينا فاسو نزوحاً غير مسبوق، حيث غادر أكثر من 100 ألف شخص منازلهم في النصف الأول فقط من العام 2019.

وبدت أنشطة التنظيمات والخلايا المبايعة لداعش الأكثر نشاطا مؤخرا،دعاية على الأقل ، تزامنا مع الهزائم التي مني بها التنظيم الأم في الشرق الأوسط ، فبدت داعش من خلال الميدان والدعاية كأنها تحاول حسب الباحث في الجماعات المتطرفة حسن أبو هنية أن تعوض انحسارها في سوريا والعراق بتكثيف أنشطتها في الشمال الإفريقي والعناد الكاذب على كونها دولة خلافة متماسكة كما حاول إظهاره البغدادي في آخر ظهور له عبر تصفحه لملفات تحمل عنوان ولايات وسط وغرب إفريقيا وتذكير ناطقه الرسمي بكون التنظيم يقف على أبواب أروبا قاصدا بذلك الوجود التنظيمي لداعش جنوب البحر الأبيض المتوسط .

وقد تحدث مراقبون مختصون في الإرهاب عن نشوء نوع من التنافس بين داعش والقاعدة والمزايدة على بعضها البعض بدموية العمليات التي يقمن بها ، على عكس تنافسهما في الشرق الأوسط الذي غالبا ما يتخذ شكل المواجهة المباشرة واستنزاف بعضها البعض ، وهذا عائد إلى استقرار الموارد المدرة للمال في مناطق محددة هناك مع أهمية الإستيلاء على المدن والى كون المنطقة مركز خلافة مزعومة تعتبر وجودها لاغيا لكل التنظيمات والجماعات الأخرى ،إلى جانب أسباب أخرى فكرية بالأساس.

وهذا التدقيق الإيديولوجي غير موجود بين التنظيمات الإرهابية في غرب ووسط افريقيا فيقل بالتالي الصدام العسكري والإستئصال وتعلوا المصلحة والعلاقات البراغماتية والإنكفاء والتقرب من السكان بدل البحث عن الصراعات المأصلة ايديولوجيا والمبنية على اختلاف طفيف في مفهوم الولاء والبراء أو في تنزيل الأحكام الفقهية على الواقع أو ما قد يسمى مراتب التطرف والغلو كما يحدث بين داعش والنصرة وتنظيمات أخرى حيث يكفر بعضها بعضا في مسائل فرعية.

والبيئة الإرهابية في وسط وشمال أفريقيا تشبه نظيراتها في أفغانستان وشبه القارة الهندية ،كونها من خلال تتبع محركاتها ومجتمعيتها تجدها غير طارئة على واقع وإنما تمثل أو تحاول أن تمثل شئيا محتبس أو تفجر مظلومية تختفي تحت شعار الدفاع عن الإسلام أو أهل السنة أو التصدي لما تسميه هذه الجماعات صلبيين ومتردين ،ومثال التحالف الجهادي الأخير في مالي المسمى " نصرة الإسلام والمسلمين" الذي بايع القاعدة ويرأسه إياد أغ غالي أحد القيادات التاريخية للطوارق وهو نال شهرته ومكانته الإجتماعية بنضاله على مطالب الطوارق منذ أكثر من ثلاثين سنة وليس بالدين وفهمه للتوحيد والولاء والبراء،ومثله كثير من القيادات والتنظيمات الأخرى كأنصار الإسلام في بوركينا فاسو و"أنصار التوحيد والجهاد" في مالي الذي يقوم على العنصر العربي في منطقة أزواد ، و"جبهة تحرير ماسينا" التي أعلن عن تأسيسها في بداية عام 2015، على يد "أمادو كافو"، وهي واحدة من التنظيمات الإرهابية التي تتبنى استراتيجية وعقيدة تنظيم القاعدة لكنها تستمد اسمها من امبراطورية "ماسينا الفولانية"، التي تواجدت في القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت امبراطورية شاسعة شملت كلا من دول "مالي والسنغال ونيجيريا"، ومعظم عناصرها ينتمون إلى قومية "الفولان"، الواقعة في المنطقة الوسطى من مالي،ويقدر عدد المسلحين التابعين لها ما بين 1000 إلى 4000 مقاتل ،يقدمون أنفسهم بجانب الشعار الديني حماة لعرق ومصالح الفولان في حروبهم على الرعي والزراعة والتجارة والصيد والترحال ،وبالمقابل تتحدث تقارير عن قيام الحكومة المالية بدعم وإنشاء بعض المنظمات الإرهابية القائمة على الإثنية والقبيلة بغية تفكيك تمرد الطوراق وأعراق أخرى والتصدي للارهاب بإنشاء نوع من مليشيات الدفاع الذاتي مثل الجماعتين البارزتين دوجون وبامبارا..وأعداد أخرى من التنظيمات التي تسعى إلى استخدام العنصر القبلي لصالح أهدافها أو حتى تقوم على إثنية أو قيبلة أوقومية على غرار حركة طالبان الباشتونية في أفغانستان ،وهذا مؤشر لابد أن يقود المعنيين بقضية الحرب على الإرهاب في افريقيا إلى مسارات أخرى غير عسكرية صرفة في معالجة الإرهاب، ولا يعني هذا على كل حال ربط أي قبيلة أو جماعة إثنية أو عرقية بالإرهاب فهو تنوع جميل عمره آلاف السنين.

ومن نتائج تغول هذه البرغماتية في التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا ظهور سردية إرهابية فيها تواري للخطاب الإيديولوجي الأصولي،حتى تكاد سرديتها تقترب من النكهة اليسارية كما جاء في الكلمة الأخيرة لما يسمى "أمير القاعدة في المغرب الإسلامي" التي تناول فيها الإحتجاجات في فرنسا من زاوية تحليلية اقتصادية وسياسية تكاد تتوافق مع من انتهل من الفكرة اليسارية ،وهذا أيضا تجلي لأحد جوانب خطورة هذه التنظيمات كونها تحاول بذكاء ملئ فراغ اندثار القوى المعارضة التقليدية ،وهذه توصية سبق أن طرحها كبير القاعدة أيمن الظواهري ومثلها بث في أحد كتب الأردني أبو قتادة منظر الجماعات المتشددة في ورقاته عن الربيع العربي.

وتحاول هذه التنظيمات الإرهابية كذلك الظهور بين السكان المحليين كمدافعة عن الثروة القومية والإستقلال مستثيرة المجتمع المحلي الفقير وخلفياته النفسية والإجتماعية المنغلقة والتي ترى في الأجنبي وجيشه أداة نهب وغزو تذكره دائما بالماضي الإستعماري القديم وهذه منفعة متبادلة بين النفوذ الأجنبي والإرهاب،حيث شعار محاربة الإرهاب يستخدم في مرات عديدة ذريعة للتوسع وإنشاء القواعد العسكرية الدائمة بالقرب من الموارد الثمينة في الساحل والصحراء كما تحاول أمريكا مؤخرا تكثيف مشاركتها في قوات الأفريكوم وتعتزم إنشاء أكبر قاعدة عسكرية في دولة النيجر.

كل هذا يؤشر على تميز التنظيمات الإرهابية في الساحل والصحراء عن نظريراتها في الشرق الأوسط ،في فروق تجلعها أكثر خطورة وأقدر على استخدام ما يمكن من عناصر بيئاتها وتفجيرها لصالحها ، فقد رأينا استخدامها للإثنية والقبيلة وسرقة شعارات اليسار والصراع الطبقي وإلى دفاعها الزائف عن السيادة وتأميم الموارد ،إلى جانب سرديتها الدينية القديمة ،التي تظل في عمقها متناقضة مع كل شعاراتها الأخرى ، فلا صميم فهم هذه التنظيمات للدين يسع لمفهوم وواقع الوطنية ولا الدين نفسه يحرم الملكية الخاصة ولا فقه هذه الجماعات خاصة التي انتهلت من الوهابية تستوعب خصوصية المجتمعات وتراثها وقيمها وتعبيراتها الثقافية التي تصفها في أوراقها بالبدعية والشركية .

وكل هذا في الختام يحتم على مؤسسات الحرب على الإرهاب أن تستوعب على قدر الإمكان جميع ما يريد السلوك الإرهابي استخدامه، وفهم بيئاته، منها ما تكون في الأصل بيئات عنيفة شهدت تراكما قديما للسلطوية كما ذهب إليه ثلة من الباحثين في كتاب "النظم التسلطية العربية حاضنة للإرهاب"،أو تنموا بين أطلال المجتمعات المفككة وتستهدف شعور الشباب بحالة اللاّنتماء أو الإنتماء المهدد ،أو لسوء فهم بعض الأنظمة العربية والإفريقية لمفهوم الدولة القومية وفشلها في إدارة التنوع الثقافي والعرقي كما أشارت ورقة تحت عنوان "الحركات الإرهابية في افريقيا-الأبعاد" لمركز المسبار للدراسات والبحوث ،وقد أوردت الورقة تنويها بالشوط الذي قطعته التجربة المغربية في مجال إدارة التنوع(إدارة التنوع بلا تقسيم النظام على أساسه )،أوالطائفية التي وضعها الباحث الأردني حسن أبو هنية في مقدمة مغذيات التطرف في الشرق الأوسط، ولا بد للجرأة أيضا على طرق أبواب الإصلاح الديني والإقتصادي والسياسي ،ودعم الجهد العلماني شعبيا ومؤسساتيا وتحمل المسؤولية في إرساء التنمية والديموقراطية، وإعطاء الآمان للجميع عبر تكريس المواطنة ،وذلك حتى تنتفي الحاجة للعسكريتارية والتحالفات الدولية الإبتزازية في الحرب الإرهاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زهله لَنهٍ ïî يًàâَ ‎ٍî
NBBrett ( 2022 / 1 / 7 - 12:14 )
ًàçًàلîٍêà ïًèëîوهيèé android -

اخر الافلام

.. هكذا اعترف عمار لريم بحبه لها ????


.. مصر: طبيبات يكسرن تابو العلاج الجنسي! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. كندا: حرائق تحت الثلج! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مارين لوبان: بإمكاننا الفوز بهذه الانتخابات وإخراج فرنسا من




.. أكثر من 3 تريليونات دولار.. لماذا هذه الاستثمارات الضخمة في