الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بعض خصال ثورة تشرين العراقية

صادق الازرقي

2019 / 11 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما انطلقت الاحتجاجات العراقية في مطلع شهر تشرين الاول الماضي، كان لدى الحكومة قرار صارم مسبق بوأد الانتفاضة في مهدها وإطفاء جذوتها بأسرع الطرق واقصرها وأقساها. اما الحديث عن عدم صدور اوامر من الجهات العليا بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين فانه محض هراء ومجاف للحقيقة. كانت أوامر القتل متواجدة وتواصلت طيلة أيام الاحتجاجات ولم تزل تفعل فعلها، واذا كانت قد تغيرت اساليبها ووسائل اللجوء اليها فبفضل صمود الجماهير وشجاعتهم الأسطورية واستقبالهم الموت من دون خوف وبرحابة صدر.
لقد جرى إطلاق نار حقيقي ومن دون رحمة على رؤوس وصدور الناس باعتراف الحكومة نفسها أسفر عن قتل مئات وجرح الوف في غضون ساعات من اجل تحقيق الهدف الاوحد للنظام الحاكم: اسكات الانتفاضة وادامة حكومات الخراب وتقاسم المغانم من قبل الاحزاب السياسية الفاسدة؛ ولربما رأى البعض من هؤلاء الحكام الفاسدين ولن نستثني أحدا ان الاعداد المذبوحة من المتظاهرين الابرياء قليلة وكان يتوجب ابادتهم جميعا؛ ليتسنى لطبقتهم السياسية مواصلة الحكم واللصوصية.
لقد جرى ذلك في ظل تحريض مسبق شيد على اساس واه حاول تحجيم الحراك وربطه بـ "بعثيين" او سفارات دول اجنبية وان ما يؤكد تصميم الحكومة على اجهاض الانتفاضة التي تحولت فيما بعد الى ثورة، هو مسارعة وزير الداخلية الى المجيء الى ساحة التحرير في مساء اليوم الأول من الاحتجاجات التي تصور فيها النظام انه قضى عليها؛ وكذلك مسارعة الفضائيات التي تمثل اعلام الحكومة الى ساحة التحرير ايضاً في مساء اليوم الأول للانتفاضة للحديث عن الامن المستتب!
اعطت الدماء التي سالت واحزان العائلات التي فقدت رجالها زخما كبيرا وسرعان ما تضخم حجم التظاهرات وغدت بمنزلة رأي عام عراقي.. شارك فيها الجميع برغم ان الشباب كان عنصرها الأساس، واسهمت المرأة بهمة وشجاعة منقطعة النظير وانتفض المسن والصبي وحتى الأطفال وابدى المسعفون المتطوعون من الأطباء الشباب والشابات وابطال سيارات "التكتك" من السواق نخوة كبيرة؛ وتحولت اهداف الانتفاضة من المطالب العامة بالخدمات والوظائف ومكافحة الفساد الى المجاهرة بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب واقالة الرئاسات وتغيير نظام الحكم؛ وهي مطالب غيرت طبيعة الاحتجاجات الى ثورة شاملة، اذ وبحسب التعريف المعاصر للثورة على وفق ما جاء في الموسوعات، فانها تمثل "التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع.." وهو ما تحقق في مطالب الحراك العراقي.
من نافلة القول اننا لن نستطيع ان نتحدث عن الثورة العراقية ونعطيها حقها في هذه العجالة والمقال القصير، لاسيما ان احداثها لم تزل تتفاعل بقوة كما انها بحاجة الى دراسات معمقة لمتابعة نهضة الشعب الباسلة واستكشاف تجلياتها وتأثيرها، ولكن لنا ان نحدد بعض الخطوط العامة التي نستطيع تلمسها في خضم انبثاق الثورة وتصاعدها.
أولها يتمثل بموت النزعة الطائفية التي حاول سياسيون وحكام وجهات دولية وإقليمية تكريسها في العراق لإضعاف وحد الشعب وبالنتيجة اضعاف العراق كبلد وشعب. لقد جمعت ساحات الاحتجاج على امتداد معظم رقعة العراق جميع العراقيين بشتى تنوعهم في وحدة متماسكة الروح والاهداف بالشكل الذي فاجأ الجميع حتى ذوي الشأن من العراقيين أنفسهم؛ فأحيا روح العراق والعراقيين واستعيدت اعتبارات المواطنة وشعر الجميع بفخر مريح واخاء اجتماعي عميق وانساني لطالما افتقدوه طيلة عقود بسبب الاستبداد والطائفية والمناطقية والعشائرية والفساد وغيرها من الدوافع التي لا تنسجم اثارتها لدوافع سياسية مع نزوع الانسان الراسخ نحو الحرية والانعتاق والكرامة والاخوة البشرية؛ وقطعاً فان السياسيين الفاسدين سيسعون الى محاولة احياء جثة الطائفية سلاحهم الوحيد في الخداع ولكنهم لن يفلحوا ازاء وعي الجماهير لاسيما من ابناء الجيل الجديد الذي يرى العالم ويتطلع الى بناء حياته وتحقيق رفاهه ورخائه.
كما كشفت الاحداث وتضحيات الناس وتنامي مطالبهم الوجه الحقيقي لقوى سياسية حاولت ان تزعم انها في خلاف مع الحكومة وانها في صراع معها، وسرعان ما تبدل موقفها الى موالاة الحكومة بعد ان احست بالخطر على مصالحا امام الهبة الشعبية الهائلة التي تريد محاسبة جميع الفاسدين. والمفارقة هنا ان القوى السياسية التي تصنعت المعارضة سرعان ما حاولت تمرير مرشحيها لما يسمى بالدرجات الخاصة بطرق خسيسة برغم ان من أولى مطالب الشعب، انتخاب تلك الدرجات على أسس النزاهة والكفاء مع تخفيض او الغاء الامتيازات الممنوحة لهم؛ وضمن هذا الاطار تراجعت القوى التي طالبت في بداية الأحداث بإقالة الحكومة عن مواقفها وحاولت ان تجد المسوغات لإبقاء رئيس الوزراء وعدم اقالته؛ بدعوى الفراغ السياسي وعدم تواجد البديل وهي مزاعم واهية مخالفة حتى للدستور الذي وضعوه الذي يوجب اقالة الحكومة كإجراء رئيس واولي في مثل تلك الظروف.
الامر الآخر المثير للاستغراب هو موقف معظم قطعات الجيش العراقي الذي يجد كثيرون انه متخاذل اذ لم يتخذ دوره الوطني امام المجازر التي تركب يوميا بحق العراقيين ومحاولة ابادة اكبر عدد من المتظاهرين ما القى بظلال من الشك على طبيعة الجيش العراقي وتركيبته، اذ يذهب البعض الى القول انه جيش غير وطني وينطبق ذلك أيضا على الشرطة والقوى الأمنية الأخرى التي لم تؤد دورها في انقاذ أبناء الشعب من الهلاك؛ وذلك بخلاف ما فعلت النخب الوطنية في جيوش مصر والسودان والجزائر مثلاً كنماذج معاصرة التي انقذت اوطانها من الهلاك بالوقوف الى جانب الشعب ومساندة مطالبه في التغيير ما أدى الى استقرار دولها؛ وبالتأكيد فان موقف الجيش العراقي جدير بالدراسة لفهم الأسباب التي حالت دون تدخله لصالح المتظاهرين ومن ذلك سحب الحكومة الأسلحة من قطعات مهمة لاسيما في بغداد فضلا عن أسباب أخرى تستوجب مناقشتها في مجال آخر.
لقد حاولت الحكومة ومؤسسات السلطة في العراق ان تحرف الأنظار عن مطالب الشعب الحقيقية في التغيير بطرح إصلاحات ترقيعية مفتعلة هي على ضعتها وقلتها لم تجد مجالا للتطبيق، كما حاول السياسيون خداع الجماهير التي لن تخدع بعد الآن بحسب المراقبين بطرح شعارات واقتراحات جوفاء من قبيل ما اسموه بالحوار الوطني وهو في الحقيقة امر غير منطقي اذ ان الثورة اسفرت عن طرفين لا ثالث لهما يواجه أحدهما الآخر، الأول جبهة الشعب بأغلبيته السلمية بل بأجمعه، وجبهة النظام الحاكم التي خربت البلد وافقرت واذلت الناس. وان الحل واضح اقالة الحكومة وحل البرلمان واللجوء الى انتخابات جديد مبكرة بقانون انتخابي جديد وبمفوضية انتخابات مستقلة حقا؛ يضاف الى ذلك تعديل الدستور بل حتى سن دستور جديد. من دون ذلك وغيره لن يتحقق السلام ولن يسكت الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ


.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية




.. Socialism the podcast 131: Prepare a workers- general electi