الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر أبو عرب في ميزان النقد

عمر عتيق
أستاذ جامعي

(Omar Ateeq)

2019 / 11 / 16
الادب والفن


أدركت قيادة الثورة الفلسطينية مبكرا أن الأغنية الشعبية وقود للثورة ، تحرض الجماهير على المقاومة ، فطلب الشهيد ماجد أبو شرار من الشاعر أبي عرب العمل في إذاعة فلسطين لتسجيل الأغاني الشعبية والأهازيج الوطنية انطلاقا من العلاقة التكاملية بين الرصاصة والقصيدة والكلمة والبندقية . واستمر أبو عرب في العمل في إذاعة فلسطين منذ عام 1978 – 1982 فسجل 160 أغنية .
ولا تخفى أهمية الأغنية الشعبية في توجيه العمل الثوري وتعزيز ثقافة المقاومة ، لأن الأغنية الشعبية خطاب سياسي قادر على التأثير على الجماهير أكثر من قدرة بيان سياسي يُلقيه مسؤول على منصة أو عبر وسائل الإعلام المرئية ، وأكثر تأثيرا كذلك من بيان سياسي مقروء . وتعود القدرة التأثيرية للأغنية الشعبية إلى الموسيقى التثويرية التي تهز المشاعر الوطنية ، وبساطة الكلمة ، وسهول تركيب الجملة في الأغنية الشعبية التي يتفاعل مع الناس باختلاف مستوياتهم العمرية ، وتعدد مشاربهم الثقافية .
وتشكل أغاني أبي عرب سجلا تاريخيا لأبرز الأحداث الوطنية ، نحو الأغاني التي واكبت انتفاضة يوم الأرض في فلسطين التاريخية المحتلة عام 1948 ، وخاصة أغنية " كرمالك يا أرض " التي خلّدت الموقف البطولي للجماهير التي هبت للدفاع عن الأرض التي صودرت عام 1976 ، وارتقى فيها ستة شهداء ، فالاستماع للأغنية يًفضي إلى استدعاء تفاصيل الحدث التاريخي ، فالأغنية ذكرى وذاكرة .وتعد أغنية " من سجن عكا طلعت جنازة" وثيقة تاريخية تسجل استشهاد الأبطال الثلاثة عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم .
وتجسد الأغنية الشعبية خريطة جغرافية وطنية تتجاوز تتجاوز التقسيمات السياسية القائمة في فلسطين ، نحو الأغنية التي يذكر فيها أبو عرب مدن فلسطين وقراها التي تؤكد على الوحدة الجغرافية الفلسطينية ، فلا تعترف بما يسمى اسرائيل المقاومة على الجزء المحتل عام 48 ، ولا يعترف بما يسمى ضفة غربية وهي الجزء المحتل عام 1967 ، فالوطن في أغاني أبي عرب فلسطين كلها من فائها إلى نونها . ويشعر المستمع للأغنية التي يعدد فيها أبو عرب المدن والقرى الفلسطينية أنه سائح في ربوع فلسطين ، تتوهج ذاكرته لتاريخ المكان ، وينشرح صدره لمشهد ربوع فلسطين بجبالها وسهولها وديانها وطبيعتها الخلابة .
وتُسهم أغاني أبي عرب في أسطرة البطل الفلسطيني فيبدو إنسانا خارقا للمألوف ، مثاليا ، مخلّصا ، منتظرا ، محققا للخوارق والمعجزات ، ومحبوبا تتشكل صورته في مخيلة الناس شخصا لا شبيه له ، نحو أغنية " يا ظريف الطول " التي تتحدث عن بطل لا مثيل له ، سواء كانت شخصية ظريف الطول شخصية خيالية أو شخصية حقيقية كما تقول بعض الروايات أن ظريف الطول وصف جمالي لشاب ثائر لا يُعرف اسمه على وجه التحديد ، فأصبح رمزا لكل مناضل.
غنى أبو عرب للثوابت الوطنية التي تشكل مفاصل القضية الفلسطينية ، نحو حق اللاجئين في العودة التي كانت من أبرز الرسائل الوطنية في أغانيه الشعبية ، وخاصة في أغاني " هدي يا بحر " و" ما نسيتك يا دار " و " يما في دقة عبابنا" . ولكن عودة الشاعر أبي عرب إلى فلسطين كانت عودة ناقصة كما هي حال عودة الذين سمح لهم بالقدوم مع مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية ، فالكتاب والشعراء والفنانون عادوا إلى الجزء المتاح سياسيا ولم يعودوا إلى مدنهم وقراهم الفلسطينية التي نزحوا عنها ، فأبو عرب من قرية الشجرة قضاء طبريا ، وهي قرية مدمرة لا سكان فيها ، وليس فيها سوى أطلال شاهدة على الوجود الفلسطيني ، وحينما زارها بتصريح من سلطات الاحتلال |أنشد على أطلالها أمام شجرة التوت بالقرب من آثار بيته : " توتة الدار صبرك على الزمان إن جار م لا بد نعود مهما طوّل المشوار " . وحينما عاد أبو عرب بعد زيارته مسقظ رأسه الشجرة إلى حمص حيث كان يقيم في سوريا ، سأله صحفي : خرجت من فلسطين وعمرك سبعة عشر عاما ، ماذا تقول بعد زيارتك لمسقط رأسك ؟ أجاب أبو عرب : عدتُ إلى عمري سبعة عشر عاما .
ويناظر مشهدُ عودة أبي عرب إلى قرية الشجرة مسقط رأسه مشهدَ عودة الأديب يحيى يخلف إلى قريته سمخ في طبريا ، وعودة الشاعر أحمد دحبور إلى حيفا " واد النسناس " تلك العودة التي انتهت بدقات الساعة التي أعلنت السابعة مساء حينما انتهى الوقت الذي حددته سلطات الاحتلال . فأبو عرب غنى للعودة للوطن طوال حياته ، وحينما حان وقت العودة الحقيقية كانت عودة ناقصة مشروطة محددة بأوامر الاحتلال .
جمعت أغاني أبي عرب بين الفضاء الوطني والفضاء القومي انطلاقا من الفكر القومي الذي تربى عليه أبو عرب الذي كان يؤمن أن وطنه الكبير من لؤلؤة الخليج إلى مرجان المحيط ، فلم تكن ثقافته إقليمية . وأول أغنية عبرت عن الفضاء الوطني " كانت عام 1966 بعد انظلاقة الثورة الفلسطينية حينما رثى في الأغنية الشهيد سعيد الحوتري الذي نفذ عملية فدائية في تل أبيب ، ومنها قوله : (يا اختي دموع عينك كفكفيها - كفاك نفْس أخوك تجرحيها - أنا ماشي ياختي ودعيني / امسحي بارودتي يللا هاتيها ) .
وأول أغنية قومية كانت عام 1956 التي مجدت الشهيد جول جمال الذي دمر البارجة الفرنسية التي كانت تُسمى " جان دارك" في أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، يقول أبو عرب في مطلع الأغنية :
طوربيدك يا جول - بيّن قوة أمتنا - مال الغرب علينا مال - ارتد بقوة ضربتنا
وتأسيا على ما تقدم ليس غريبا أن تتعدد مسميات وألقاب الشاعر أبي عرب ، فهو شاعر الثورة الفلسطينية - وشاعر المخيمات - والذاكرة الحية للتراث الغنائي الفلسطيني - وصوت الثورة - ومطرب الثورة الأول - والمقاوم بالثورة - وأبو العربان - والعروبي - وأبو عرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس