الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - سيد الغربان

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 

اليوم التاسع عشر، الاثنين 07 نيسان، 2003

سيد الغربان:

سقط البارحة، رأيته يسقط، يتحطم، فرحت، لكن فرحي كان ناقصاً، كنت أتمنى أن يتحطم بأيدينا، أيدينا نحن الذين عانينا من يديه الظالمتين، بأيدينا فقط.

أضخم تماثيل “المقبور بأمر الله”، كان في "فلكة" دوار المنصور، تمثال طويل، ضخم، بعلو أربعة أو خمسة طوابق، من البرنز، ينظر جهة الغرب، حيث اكتشفت مواهبه العبقرية، من قبل سيئ الصيت عفلق، فوضع أول خطوة له على طريق الرعب، والقتل والإبادة.

لأنه ينظر جهة الغرب، فقد كانت أشعة الشمس الغاربة تصفع ملامحه قبل حلول الغسق، فيخضر، ويصفر، ويحمر، ويزرق، يتلون حسب ألوان الغروب المختلفة! فتشع في وجهه قسمات وحشية، مرعبة، تصور سخط الله أبشع صورها عليه، قسمات تجفل من ينظر إليه مرة واحدة، فيشيح وجهه كي لا تلتقي عيناه بالنظرات الميتة من جديد.

لست أدري من صمم التمثال؟ أو من نفذه! أ هو عراقي، أم أجنبي؟ لكن المقبور بأمر الله، كان دائماً، يستعين "مع الأسف" بالفانين العراقيين، الذين مسحوا أنفسهم بالأرض، عندما مسحت أيديهم هباته اللعينة الملوثة بالقذارة، بالسحت، والدم.

المهم جاء التمثال العملاق "لعبقرية" المثال العتيد رمزاً للتشويه، ومبعثاً للتقزز، لكنه بقي في مكانه لأن أحداً ما لا يتجرأ أن ينظر إليه من قرب ليرى كيف سخط الله عليه.

التمثال قريب من بيت سكنته مدة سنة، في الحارثية، كنت أرى التمثال في الصباح، يومياً، ولأن شمس بغداد الحبيبة، دوماً ساطعة، أسطع من أي مكان على وجه الأرض، ولأن وجه التمثال إلى الغرب، فيبدو أسود، لمن يأتي من هناك والشمس تصفع قفاه!

لكني رأيت في أحد أيام الشتاء، ومن بعيد شيئاً يغطي كل رأسه، كتفيه، ذراعه الممدودة، وعندما اقتربت رأيت مئات الغربان، متراصفة، واقفة ترتاح، هناك، فحسدتها على جرأتها!

ظننت ذلك منظراً طارئاً، لكنه تكرر كل يوم، أصبحت أراه، طيلة ثلاثة أشهر مدة بقائي في بغداد، وعندما عدت بعد بضعة أشهر، رأيت الغربان مرة أخرى! وتعجبت كيف لم يرها أحد؟ فينقل الخبر إليه! فانشغل بالي، لماذا اختارت الغربان سيدها؟ أ لتتملى من ملامحه الجميلة؟ أ لتشاركه آرائه العبقرية في الحكم، في السيطرة من الأعلى؟ أم لترتاح، أم لتذرق عليه وعلى كل شيء فيه! لا أدري؟ لست عالماً بشؤون الحيوان!

والآن، وقد سقط التمثال، وتحطم، فمن ستختار ليكون سيدها من جديد، وأين ستلجأ؟ وعلى من تذرق؟ هل فكرت دول التحالف بذلك؟ أين جماعات حقوق الحيوان، وتنظيماتهم؟ أين برجيت باردو؟ أين عبد الرزاق عبد الواحد؟ أين عبد الأمير معلا؟ أين أمير اسكندر؟ أين جمال الغيطاني؟ نريد أن نسمع من أحدهم أو من كلهم رثاءً لسيد الغربان.

شعارات:

قرأت شعاراً في موقع عراقي، شعاراً غير مسؤول، غير واقعي، غير منطقي:

خاب ظننا بالعرب فأنصفنا الأجنبي!

هذا يعني أننا كنا ننتظر مساعدة من العرب، وعندما خذلوننا، لم يساعدونا، لم ينقذونا، تبرع الأجنبي "وكان شهماً قدر ما نتمنى" فقدم المساعدة مكانهم.

هذا يعني أننا سنقطع علاقتنا بالعرب، أو سنجمدها، أو سنبقيها على أضعف ما يكون، أ ليسوا هم من خذلوننا؟ فتعساً لهم.

الشعار متشنج، غير مسؤول وإلى حد بعيد، لأنه لا يبين أي عرب خاب ظننا بهم؟ أهم شعب أم دولة؟ أن كانوا شعباً فكل شعوب العرب مغلوبة على أمرها، لا حيلة لها، لا تمتلك تقرير مصيرها، تتمنى أن تتخلص من جلاديها كما تخلصنا نحن! ولو لم يكونوا كذلك لفعلوا ما فعل الأجانب! أما كانوا دولة فكل الدول العربية عدوة لشعوبها، كما كانت دولة المقبور بأمر الله، بدرجة ما؟ وكل الدول العربية نتاج الأجنبي، وجميعها تنتظر مصيراً مماثلاً لمصير المقبور بأمر الله، وحكومته! وطلب شيء ممن لا يملكه تفاهة، وسخف، ولذلك فلا حاجة لطرح هذا الشعار الآن!

ولست أدري هل فكر الموقع عندما رفع شعاره غير الواقعي هذا، وغير المنطقي قط، ولماذا يثير عداء من ليس بعدو، لماذا يريد القطيعة مع العرب الطيبين، ويجعلهم في شك من أمرنا بعد التحرير، ونحن في موقف سنكون فيه بحاجة لمن يقف معنا بالكلمة، باليد، بالعمل، بأي شيء، مهما كان قليلاً، فقليل من التفكير أيها الإخوة!

جثث:

ضحايا الحروب ثلاثة أنواع:

شهداء، أسرى، مفقودون.

لا يوجد عذاب يعادل عذاب أهالي المفقودين قط، حينما تسمع العائلة بمقتل أحد أبنائها في الحرب، تسلم أمرها لله، تقيم جلسة عزاء، تخفف عنها آلامها، ثم يبدأ الألم بالتضاؤل يومياً، حتى يصبح كالدبوس يخزّ القلب حينما تحل الذكرى، ولا أظن أن هناك عائلة لم تنكب بشهيد طيلة فترة حكم التعذيب التي تسنم ذروتها المقبور بأمر الله! أما أهالي الأسير، فحالهم أفضل بكثير، عندهم أمل كبير، عذابهم أقل، يعيشون على توقع صدور قرار من الحكومتين، قرار دولي، بشيء أشبه بالمعجزة، كثيراً ما يحدث! ويحلمون بيوم تكتحل بهم أعينهم برؤية أسيرهم طليقاً، يمشي على طوله! أما أهل المفقود فيعيشون حالة عذاب دائم، وعزاء لا ينتهي، وبهذا يكون عذابهم عذاباً أبدياً لا يزول إلا باقتراب أجلهم!

تتفاخر قوات التحالف وبدون خجل بأنها قتلت مئات، بل آلاف من منتسبي الجيش العراقي، التفاخر بالقتل وارد حتى بالكتب المقدسة! لهذا يبدو الأمر، بكل قذارته، طبيعياً في الحروب، مع الأسف الشديد، لا حاجة للقول بأن هؤلاء المقتولين أبرياء، لأن “المقبور بأمر الله”، أجاعهم، وأذلهم، ثم أغراهم بعد حرمان طويل، براتب ضخم، دغدغ مشاعرهم بالرفاهية، والعيش الكريم، فالتحقوا بهذا الجيش التعس، ليساهموا بمعاركه التي لا تنتهي، والتي لم يخططوا لها، ثم دفعوا دماءهم وقوداً لها.

في نفس الوقت الذي تتفاخر قوى التحالف بالأرقام التي ذبحتها، ترفع عقيرتها، صارخة، غاضبة، متألمة! عن مشاعر صادقة، أم عن نفاق مبعثه الدعاية، لا أدري، تصرخ، يحترق قلبها ألماً على بضع مئات من ضحايا معارك الجيش العراقي مع إيران، الضحايا لجنود قتلوا، وسبب الغضب عدم تسليم الحكومة العراقية جثث هؤلاء الجنود العراقيين لأهاليهم! تركت الجثث في توابيتها تتعفن، وتركت أهلهم في عذابهم الأبدي يعانون بلا أي سبب، ويذوبون!

يا للأوراق المخلوطة!

يا لنفاق الطرفين المتحاربين!

كلاهما يقتل الشعب العراقي ويتباكى عليه! فما العمل؟

 









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة