الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومات عراق ما بعد 2003

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


إتسمت الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد غزوه وإحتلاله عام 2003 وحتى يومنا هذا بميزة غريبة عن سابقاتها من حكومات تعاقبت على حكمه منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921 ,برغم تباين نظمها السياسية من ملكية دستورية , وأخرى جمهورية إستندت إلى ما أسمته بالشرعية الثورية . كان لجميعها نظرتها وفلسفتها السياسية ومصالحها ,بكيفية إدارة شؤون الدولة العراقية وتصريف أمورها وتنظيم علاقاتها الدولية بما يحفظ أمن وإستقرار العراق. كانت جميعها حكومات مدنية جامعة شاملة لجميع أطياف وألوان الشعب العراقي بدرجات معينة ,ممن يتوافقون مع نظمها السياسية بصورة أو بأخرى , بخلاف ما إتسمت به حكومات ما بعد الغزو التي تشكلت أولى حكوماتها تحت سلطة إدارة الإحتلال وحسب توجهاتها ومقاساتها وإشرافها , لتؤسس فيما بعد لحكومات جامعة وشاملة لجميع ألوان وأطياف الشعب العراقي من منظور المحاصصة الطائفية والأثنية تحت مسمى الديمقراطية التوافقية .
كانت السمة البارزة لهذه الحكومات أنها تشكلت من وزراء لا خبرة سابقة لمعظمهم بإدارة شؤون العباد والبلاد , وأغلبهم من حملة الجنسيات المزدوجة ممن تركوا العراق منذ سنيين طويلة ,وإنقطع تواصلهم مع العراق وأهله ,ولم يعيشوا حروب العراق وصراعاته وما نجم عنها من حصار شامل مدمر طال كل مفردات الحياة , لم تكن لهم أية معرفة حقيقية بأحوال الناس والمتغيرات التي طرأت في حياتهم وما عانوه من مصاعب وأهوال طوال هذه السنين , بل أن هؤلاء الوزراء ومن آلت إليه أحوال البلاد والعباد,عاشوا في بلدان الغربة بأمن وسلام وتنعموا بحياة كريمة نسبيا ,وفرتها لهم نظم الرعاية الإجتماعية المعمول بها في تلك البلدان بحدها الأدنى , لمن لم تتوفر لهم فرص العمل المناسبة لهذا السبب أو ذاك أو من فضل التسكع والعيش على أكتاف دافعي الضرائب .
توهم البعض منهم بأنهم قادة سياسيين ورجال دولة لا يشق لهم غبار, بينما هم في الحقيقة لا يفقهون أبجدية السياسة ومبادئ الإدارة والعلاقات العامة, والأدهى من ذلك كان البعض منهم ينظر بدونية لغالبية الشعب العراقي الذين تمسكوا بوطنهم العراق ولم يغادروه على الرغم مما كانوا يعانوه من ضيق الحال وشظف العيش, وشتى أنواع القهر والظلم من نظم الحكم الإستبدادية وإنعدام الحريات, وإنسداد الأفق نحو حياة أفضل . أطلقوا عليهم عراقيي الداخل ليميزوهم عن القادمين من بلدان المهجر الذين أغدقوا عليهم أموال العراق دون حساب , تارة بعنوان الخدمة الجهادية , وأخرى بمجاهدي مخيم رفحة الذين فروا من بطش الدكتاتورية عام 1991 بعد إنسحاب القوات المسلحة من الكويت وتعرضها لمجازر القصف الأمريكي على الرغم من إنسحابها وإعلان وقف إطلاق النار وتوقف العمليات الحربية , حيث أعلنت هذه المجاميع تمردا مسلحا بدعم الحكومة الإيرانية التي وجدت فيه فرصة مناسبة لتصفية حساباتها مع الحكومة العراقية التي خاضت معها حربا ضروسا لمدة ثمان سنيين , حصدت ارواح آلاف العراقيين , وأخرى حقوق السجناء السياسيين , بينما يعرف القاصي والداني أن لا وجود لسجناء سياسيين في زمن النظام السابق الذي كان يعتمد سياسة الإعدام لكل من يشتبه بإنتمائه لأي من أحزاب الإسلام السياسي .
توهم الكثير من الناس أن هذه الحكومات التي تشكلت برعاية سلطة الإحتلال تحت شعارات براقة التي بشرتهم بالحريات والديمقراطية وبالخير الوفير الذي سيدخل كل بيت عراقي, سرعان ما إنكشف زيفها وإنقلب حال الناس من سيئ إلى أسوء , بإستثناء فئة قليلة أثرت على حساب الشعب ونهب المال العام جهارا نهارا دون حسيب أو رقيب . تدهورت الدولة العراقية وفقدت سطوتها وهيبتها , تفشى الفساد في جميع مفاصل الدولة , وضرب الإرهاب الذي لم يكن له وجود سابقا في جميع ارجاء العراق, لدرجة بات فيه يهدد وجود العراق كبلد عرفه العالم منذ بدء التاريخ , بلدا عريقا ومهدا للحضارة , وتفتت نسيجه الإجتماعى وبرزت فيه ممارسات لا أخلاقية لا تمت بصلة لموروثه الديني ومنظومته الأخلاقية وأعرافه الإجتماعية.
جعلوا من العراق مسرحا لتصفية الحسابات بين القوى الدولية والدول الإقليمية من جهة , وبين الدول الإقليمية بينها وبين البعض الآخر من جهة أخرى , جعلوا منه وكرا للمخابرات وشبكات التجسس الأجنبية بما فيها المخابرات الإسرائلية التي باتت تسرح وتمرح في أرض العراق على هواها . ويذكر أن هذه الدول لم تتمكن من إختراق منظومة العراق الأمنية في عهد النظام السابق برغم كل محاولاتها المستمية , حيث لم تتمكن من تجنيد عميل واحد لها من عراقيي الداخل بأي مستوى أو بأي شكل كان , على الرغم مما لحق بالعراق من وهن وضعف جراء الحروب المتكررة والصراعات المستمرة وحرمان شعبه من ابسط مستلزمات حياته .
حاول ويحاول البعض خلط الأوراق وتشويش المواقف بوعي أو بدونه , عن قصد أو دون قصد , وصف هذه الحكومات بحكومات الشيعة وكأن هذه الحكومات قد شكلها الشيعة بمفردهم , ولدرجة إتهامهم دون سواهم بالتعاون مع القوات الغازية التي إحتلت العراق ودمرت دولته . نرى في ذلك اجحافا بحق أتباع هذه الطائفة الكريمة , ولا نقول ذلك جزافا , إنما إحقاقا للحق والحقيقة التي عايشنا وعشنا فصول أحداثها وليست روايات تقرأ في الكتب كتبها من تلقى المال السحت الحرام ولا يهمه إن إحترق العراق وشبت فيه نار الطائفية البغيضة. نقول لو كانت هذه الحكومات شيعية لأنصفت محافظاتهم في وسط وجنوب العراق التي ما زالت حتى يومنا هذا تعاني من الفقر والعوز والبطالة والحرمان وتردي الخدمات أكثر من سواها , بينما تنعم محافظات إقليم كردستان بحياة أفضل كثيرا , متمثلة ببنى تحتية متطورة وخدمات تعليمية وصحية جيدة , وإستقرار امني لدرجة باتت فيه وجهة سياحية للعراقيين والأجانب, ويتمتع الإقليم بنفوذ سياسي متميز داخل العراق وعلاقات دولية واسعة مع الكثير من الدول جعلت منه دولة شبه مستقلة لا تخضع لسلطة الحكومة المركزية وقوانينها .وهذا ما يفسر سكوت هذه المحافظات حكومة وأحزابا وشعبا إن لم يكن إجماعا شعبيا , فهو بالتأكيد غالبية الكرد. وها هي الإنتفاضة التشرينية جاءت لتؤكد هذه الحقيقة الساطعة لمن فقد البصر والبصيرة وكال التهم الباطلة جزافا تجاههم .
إذا لم تكن هذه الحكومات حكومات الشيعة , فحكومة من يا ترى ؟ هنا نقول أن هذه الحكومات حكومات المحاصصة الطائفية والأثنية الجامعة الشاملة لجميع اطياف الشعب العراقي والوانه القومية والدينية بحسب ثقلها السكاني , ممن إرتضوا لأنفسهم أن يكونوا مطايا للأجنبي تحقيقا لمصالحهم على حساب بلدهم العراق الذي وجدوا فيه غنيمة لتحقيق مطامعهم . وجد هؤلاء الحكام جميعا أن ديمومة سلطتهم تقتضي منهم الإحتماء بطوائفهم بدعوى حمايتها والدفاع عن مصالحها , وهذا يتطلب إثارة العنعات الطائفية التي يمكن أن تثير المخاوف الطائفية لدى الطوائف الأخرى التي قد تصل أحيانا إلى تعكير صفو الأمن وربما الإحتراب وإلقاء كل طرف اللوم على الطرف الآخر . ولا يعني ذلك عدم تحميل الجماعات الإرهابية التكفيرية التي دخلت العراق من شتى بقاع الأرض من المسؤولية في المقام الأول التي جاءت بدعم وتشجيع بعض الدول العربية وبعض دول الجوار لإشغال العراق بصراعات دامية لا تبقي ولا تذر.
ومرة أخرى تثبت الأحداث فشل أحزاب الإسلام السياسي في إدارة بلدانها ليس في العراق فحسب , بل قبلها في الجزائر ومصر والسودان والصومال وأفغانستان وليبيا , وها هي سورية تعاني اليوم تمزقا داخليا وحربا أهلية لا هوادة فيها وتدخلا أجنبيا بسبب تهور الجماعات الإرهابية التكفيرية التي سخرت نفسها لخدمة الأجنبي وتنكرها لمصلحة سورية الوطنية.
أن وصف هذه الحكومات بحكومات الشيعة فيه ظلم كبير وإجحاف بحق الشيعة الوطنيين العراقيين الذين كانوا دوما المحرك الأساس لثورات العراق وإنتفاضاته ضد حكامه الجائرين المستبدين على مر العصور والأزمان وبخاصة كادحيه الذين كانوا دوما قرابين هذه الثورات. لذا نهيب بكل الوطنيين الأحرارالشرفاء في العراق وخارجه وبخاصة المثقفين والمفكرين والمتعلمين منهم , الكف عن قرع طبول الطائفية الجوفاء بعامة وضد شيعة العراق بخاصة , إذ بدونهم لا تقوم قائمة للعراق ولا ينصلح حاله , ذلك أنهم بناة العراق وأهم دعائمه ومرتكزاته التي تؤمن وحدته وحريته وإستقلاله وإزدهاره, فلا تفرطوا بهم وتجعلوا من بعضهم طرفا للصراع الطائفي الذي يخدم أحدا ولن يكون حتما بمصلحة العراق .
بارك الله بكل جهد يصب في مصلحة العراق والعراقيين , وحفظ الله العراق جمجمة العرب وطنا آمنا ومستقرا ينعم فيه جميع العراقيين بخيراته وبركاته








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم