الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2

دلور ميقري

2019 / 11 / 18
الادب والفن


الوقائع التالية لرفض عليكي آغا الصغير تزويج ابنته لابن زعيم الحي، كانت من التسارع والدراماتيكية أنه لم يعُد يأمل خيراً في وجوده وعائلته في دمشق. قراره المفاجئ، كان له وقع الصاعقة على رأس ليلو بحيث أنها بدت كمن لا يدري بواعثه. بقيت شاردة اللب، زائغة العينين، تستعيد كلمات رجلها القاطعة: " خيرٌ لنا أن نعود إلى موطن الآباء والأجداد، بدلاً عن التسبب في مزيدٍ من الشقاق بين الأهل "
" لكن هنا، في الشام، عاشَ مَن عاش من الآباء وماتَ مَن مات منهم. وها نحن، أنا وأنتَ، سنغدو قريباً جدَّيْن "، ردت ليلو بصوتٍ واهٍ. فلما أنهت جملتها، أتجه الحاضرون، المتحلقون حولها في نصف دائرة، بأنظارهم إلى نازو ذات البطن المتكوّر بأولى أشهر الحمل. كان أفراد الأسرة الكبار قد اجتمعوا في غرفة المشغل، بما فيهم الصهر وشملكان، وذلك بغيَة معرفة آخر تطورات الخلاف مع الحاج حسن. كان الوقت صباحاً، تنذر سماؤه المتخمة غيماً بمزيد من الأمطار. من حجرة النوم، تناهت أصوات الصغار وكان أكثرهم صخباً حاجي، الذي أعتاد على اللعب معهم برغم أنه في سنّ نازو.
بينما كان عليكي آغا الصغير يرد على امرأته، لاحَ صهره متململاً وكأنما يقف حافياً فوق كومة من الجمر المشتعل. وها أنه فقد صبره، ففتح فمه أخيراً: " بما أنك لن تستطيع العدول عن قرارك بالرحيل، أود أن أسألك عما سيحل بنا أنا وأسرتي؟ ". رمقه والد زوجته بنظرة مستغربة، وكأنه لم يكن قبلاً قد شعر بحضوره. قال له مع ضحكة مغتصبة، " ستأتون معنا بالطبع، إلا إذا كنتَ دبرت عملاً آخر "
" عملي لن يتغير، ما انفكّت تجارتكم تجري مع تيسير الله. غير أنني أعني نازو، وهيَ حامل لن يكون بوسعها تحمّل مشقة الطريق في هذا الشتاء ". ثم استدرك على الفور، " على ذلك، أقترح أن تسافروا أنتم أولاً ونحن سنلحق بكم بعد ولادة طفلنا "
" آه نعم، هذا أيضاً كان ينقصنا.. اللعنة! "، غمغمت ليلو الملولة. مرر رجلها نظرته بينها وبين صهرهما، قبل أن يدلي برأيه في هذا العائق. كان لم يناقشه في ذهنه، لانشغاله بأشياء أخرى في خلال الفترة الأخيرة. قال موجهاً كلامه لابنته وزوجها: " الأفضل أن تمكثا هنا في البيت، لحين أن يولد ابنكما. هذا اقتراح معقول ". ثم حدق ملياً بشيخي، قبل أن يضيف في نبرة منذرة، " إياك أن تحدثك نفسك التصرف من رأسك، بأي شكل من الأشكال! "
" سامحك الله، يا عم. كيف أفعل ذلك، وحصتك بالبيت مسجلة باسمك في الأوراق الرسمية ؟ "، رد شيخي باستياء. هز العمُ كتفيه بحركة استهانة، ثم علّق ساخراً: " ولكنني لم أذكر موضوع البيت، يا صهري العزيز! "
" وأي موضوع، إذن، يمكن أن تكون قد قصدته؟ "، تساءل الصهرُ وقد تفاقم ضيقه. لم يلتفت إليه عليكي آغا، بل خاطب هذه المرة ابنته نازو: " على أي حال، سأعود بنفسي بعد بضعة أشهر كي أصطحبك معي إلى مازيداغ. في الأثناء، يهتم بك جدك وعمك ".

***
عليكي آغا الصغير، كان لا يزال مشغولاً بحزم حقائب السفر، حينَ حضرَ حمّوكي. هتفَ الضيفُ من فوره، وكان يبدو شديد التأثر: " علمت أن قرارك بالرحيل، قاطعٌ لا راد له؟ وها أنا ذا، بدَوري، أعلمك بقراري! ". ثم أردف وهوَ يشد قامته، مثلما كان يفعل قدّام رؤسائه أيام خدمته في الجندرمة: " سأرافقك في رحلتك، كون الشوق للأهل قد برح بي حقاً "
" أسرتك هنا أبدى بالاهتمام، يا صديقي. لكنني أعدك، أن أذهب بنفسي إلى ضيعتكم كي أنقل لهم ما تريد؛ إن كان رسالة شفهية أو مكتوبة "، ردّ المضيف مبتسماً وكان نادراً ما شعر بالمرح في الشهرين المنصرمين. تقدم حمّوكي من صديقه، فشد على يده: " الرسالة أنا من سيوصلها، فلا تهتم أنت بذلك! بخصوص أسرتي، فإنها ستنتقل إلى منزل حمّاد وقد أبدى استعداده لإيوائهم ريثما أعود من رحلتي "
" وإذن، أنتَ دبّرت أمورك مسبقاً؟ "
" بلى، أنا لم أتكلم معك عن عبث بشأن السفر معاً "
" في هذه الحالة، يا عزيزي، لا أستطيع إلا أن أحيي شهامتك ووفائك "، قالها الآغا ثم عانق صديقه بقوة. شيخي، وكان حاضراً إذاك، لعله فكّر في امرأة ملاحظ النواطير؛ هوَ مَن كان قد سلا أمرها تماماً، وذلك عقبَ إنصاته خلسةً على حديث الرجل مع معلّمه بشأن شكه في خيانتها الزوجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان تامر ضيائي بسبب صفعة في مشاجرة


.. انتظروا حفل قيصر الأغنية العربية النجم كاظم الساهر في #مهرجا




.. غنائية كوميدية.. عرض مسرحية -الشهرة- ضمن فعاليات مهرجان العل


.. تغطية خاصة | هيومن رايتس ووتش تتبنّى الرواية الإسرائيلية بشأ




.. فيلم --عائدة--: عندما يتجاوز الواقع الخيال وتتحقق العودة إلى