الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في خيانات بنهكة فرنسية لندا خوام

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2019 / 11 / 18
الادب والفن


خيانات بنهكة فرنسية
لا زلت اذكر حديثنا الطويل قبل ان نلتقي ، وكيف كنت تفتحين شهيتي للثرثرة حتى ساعات الصباح ، كنت واثقة من إنك ساحرة بأستحضار جن الرواية ، وإلا كيف كنت تنجحين في أقناعي بالسهر كل هذا الوقت عبر التواصل الافتراضي ، مع فارق الوقت الكبير ، وحين اختفيتي لوقت طويل ، ثم عدت للظهور في بقعة جغرافية اخرى ، ضحكت من كل قلبي لجنونك، وصفقت لشجاعتك ، عرفت عندها أننا متاشبهتين في هذا التحدي يا صديقتي .
لم يكن بوح عاشقة تهرب سرا محبوبها في كتاب مدرسي ، ولا متمردة اختلطت عندها مفاهيم القيم الانسانية فعبثت على صفحة الكترونية تبحث عما لا تستطيع ان تجده ، هنا بين هذه الصفحات وجدتني ووجدت أخريات يشبهني ويشبهن الكاتبة في تطابق تام ، ندا خوام سعت لان تحفر نفق ليس تحت الارض وإنما تحت الذاكرة ، فأستحضرت ببراعة مصغيا غير تقليدي ووهبته أسما غير مألوفا في محيط البوح النسوي العراقي ، هو لم يكن من بنات افكارها ولكن كان من صنع كلمتها التي أرادت لها ان تخرج بوقع قاربت فيه التحفظ حد الترميز المشفر، وفِي لحظة أستغراق كاملة قذفت بكل ثقل رأسها إليه فأنتجت هذا الكم الهائل من السرد الذي بدا لوهلة مذكرات سيرة ذاتية أقتطعتها الكاتبة على عجل من تربة حياتها لتهديها لأحبة تفرقوا هنا وهناك في أرض شتتهم عن ذواتهم قبل أن تذوبهم في عناوين المدن التي لمتهم من أنفجارات المدن التي غادروها ولم تغادرهم.
وأنا اقرء كتابك الاول صديقتي في صالة مطار بيروت وانا انتظر الطائرة التي ستحلق بي في ظلام ليل إلى الاراضي التي لا تشبه أرضنا ، كنت اتسائل لو لم تكون بيروت مدينتك الان هي الحاضنة ترى هل كان سيكون أستحضارك للماضي بهذا الشكل المفعم بالدهشة والاستغراب ، هل كانت علامات سؤالك المطروحة أرضا في أرض كل مافيها ينبت الشك حتى بأنفسنا.
كنت أقرء بشغف وفِي كل مرة يفلت منك خيط الحكاية كنت أواصل أكثر لأعرف أين أكملتيها وفِي أي جزء من الكتاب عدت إليها ورغم أنك لم تصلي إلى نهاية في كل الحكايات التي حدثتني عنها في هذه الرواية لكنك خلقتي عالما مقصيا عن حقيقة ما نعيشه وأعدتني بحيلة ساحر إلى عمر السلام الذي كان لنا يوما ، رغم كل القيود التي خاطوها على أصابعنا وشفاهنا وحتى كتبنا ، كنّا تعرف كيف نحلق بحرية دون ان يلمحنا قناص او يردينا إلى سفالة المر الذي كنّا نتجرعه موعظة من صديق قد تقال بحسن نية وقليل ماكانوا يفعلون .
الماضي الذي كان حاضرا رغم أشباعك للحكاية بالوقت الحاضر ورغم انك أطرت محبوبك بثقافة مغايرة ، لكن ثمة حبل سري لم تحسني قطعه بفنية قابلة متمرسة ، او ربما تركته عمدا يا صديقتي ، كان يعبر إليك خلسة من ثغرة بحجم ثقب رصاصة هي ذاتها كانت مصوبة إليه غير أنه لم يكن ليموت بهذه السهولة .
في بداية كل نص شيئا من السرد يبدو متماسكا للوهلة الاولى ثم يبدأ بالذوبان لتقفز الكاتبة بِنَا إلى حكاية أخرى وتنسينا ببراعة ماكنا نحث القراءة لأكتشاف مصيره ومن ثم تقطع علينا المشهد بحوارية بينها وبين هذا ال بودلير الذي لعنته مرات عديده فلولاه لربما أشبعت الكاتبة فضولي وأتمت علي حكايتها كي أنام ، هنا وجدت ندا سليلة لشهرزاد بحرفية مطلقة فأستوت تتوالد الحكايات فتغرقني بقصص كثيرة تشابكت علي ولولا انها تعود لبودلير هذا لخيل لي أنها دست نصوص غير مكتملة من روايات كثيرة في هذا المطبوع ، انها تترك ثمة عطش وحرقة حين لا تكمل روايتها لقصة معينة وتخلق شغفا أكبر حين تقضم مثل طفلة عنيدة تفاحة الحكاية وتستبدلها بسرعة بتفاحة اخرى دون ان تأبه ان كانت تفاحتها تلك مازالت غير مكتملة ، وجدت هنا امرأة تحلق كنحلة بين عوالم كثيرة لا لتخرج علينا بشهد كما هو مألوف ، كانت تجمع رحيق الحكايات من نساء حقيقيات مررن بها صدفة فتركت كل واحدة منهن جرح مفتوح حرصت الكاتبة ان تجد ثمة صلة قرابة بينها وبين كل هذا الكم من النساء ، المجهولات المصير ، جميعهن عاشقات ، هاربات ًومهزومات بشكل ما ، لكنهن شجاعات جدا حين عبرن سُوَر المِحنة من اجل حياة لم تعدهن بالكثير وهذي هي شخصية الكاتبة انها شجاعة جدا كما اعرفها رغم ان الحياة لم تعدها بالكثير ، هنا وجدت حبلها السري وعرفت ان قابلتها التي لم يكن مقصها حادا بمافيه الكفاية ليقطع حبل الماضي، ذاك الماضي الذي للحظة قادني إلى أكثر من عشرين عاما مضت يوم قامت الأكوان بمحاربة بلادي لتبدأ بعدها رحلة السنين العجاف ، ولحظة سقوط الانسان ليورثنا هذا الجحيم الأرضي كانت ندا تحفر على غير هدى في ذاك الجدار المثقوب برصاصة موجهة إليها وإلي وإلى كل نساء البلاد لتحاكي عبر تلك الفوهة الصغيرة سر رجل لمسته في أمعانها بالتفكك والتحرر من سيرة تلك المرأة التي كانت هناك ، كانت تنجح في كل محاولة للتحليق إلا انها لم تشأ ان تحلق بعيدا، خافت مثلي ومثل كل الذين غادروا السرب خافت ان يضيع درب العودة رغم يقينها انه ما من عودة لكنه حنين المنافي الذي يدب كضعف في أجسادنا العارية من الوطن .
ندا وخياناتها كانت وفية جدا ، أكثر من كل الذين خلعوا على أنفسهم ألقاب الوطنية والقومية والدين والله ، ندا في خياناتها كانت حاضرة بعمق في عقل كل امرأة صادفتها ، لم تشوه تلك الصور ، لم تلعن بخل الوطن ، ولا الله ، كان يكفيها شبحا مخبولا مثل بودلير وبوظة مسروقة من حادة طريق لتسترخي كطفلة أنهت جميع فروضها المدرسية وخلدت إلى دميتها تحدثها عن أحلامها التي ستكون ، غير ان ندا حدثتنا عن أحلامها التي كانت .

فلسطين الجنابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو