الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -

محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)

2019 / 11 / 20
الادب والفن


خلفت رواية نجيب محفوظ المعنونة ب "أولاد حارتنا" ردودَ أفعالٍ كثيرةً، تمثلت في تحريك أقلام نقدية متنوعة بحيث شارك فيها أناس كثيرون كل من زاويته الخاصة، وبعيدا عن النقد الأدبي الذي ينقب عن الجوانب الفنية الجمالية في النصوص السردية، وكذا خصائصها ومقوماتها، فضلا عن قياس العمل السردي بمعيار مدى احترام هذه الخصائص التي غدت عرفا لدى المبدعين أم لا، نجد نقدا ذا صبغة أخرى، حيث ينتمي إلى النقد العقائدي للأدب. وخيرُ مثالٍ نستحضره هو كتاب "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا" للشيخ عبد الحميد كشك، رحمه الله. فالكتاب، كما يبدو جليا من عنوانه، وكذا صورة غلافه التي تنقل لنا الغايةَ من هذا الرد العقائدي على رواية محفوظ، سيكون ردا تفصيليا إسلاميا (علميا). ولعل قارئَ هذا الكتاب الذي يحوي مقدمةً وستةَ عشرَ فصلا وخاتمةً، سيجد أن الكاتب قد قام بجولة دينية هدفُها الأولُ، هو الرد على الرواية ثم محاولةُ تقديمِ وعظ ودرس دينيين للروائي نجيب محفوظ، ولكل من سولت له نفسُه السيرَ على نهجه. ونحن نقرأ هذا الكتابَ الذي يبلغ عدد صفحاته ثلاثمائة وخمس وخمسين صفحة، نريد أن نسجل الملاحظات الآتية:
- أشار الشيخ في بداية كتابه إلى الخطورة التي تمثلها "أولاد حارتنا" على الإسلام باعتباره عقيدة ودينا سماويا، وعلى المسلمين الذين يتلقون الصفعات تلو الأخرى من المجتمع الغربي، من عقلانية وعلمانية وحداثة... وبالتالي فالكاتب أراد أن يعيد تجديد صلة المسلمين بإسلامهم، ومن ثم نرى أن هذه النقطة لم تقمِ اعتبارا للجانب السردي الفني الجمالي في الرواية، بقدر ما انصبت على تصحيح ما أورده نجيب محفوظ، واعتقد الشيخ، من خلال فك شفرة رموز الرواية وشخصياتها، أنه طعْنٌ في الرسل والأنبياء وأتباعهم، ومن ثم طعن في الله تعالى.
- تضمن الكتاب كما هائلا من الآيات القرآنية التي تخدم غرضا كثيرا ما كرره الكاتب ولحَّ عليه، وهو أن نجيب محفوظ يدعو ويبشر بالاشتراكية العلمية عوض الإسلام، وأن هذا لا يعدو كونَه خدمةً أسداها نجيب محفوظ للشيوعية، مقابل حصول روايته عن جائزة نوبل 1988، وهذا كذلك ما جعل الشيخ يعود إلى حيثيات هذه الجائزة. لكننا نرى أن الثورات الفكرية والفلسفات العقلانية والوجودية والعلمانية التي تهب علينا من الغرب، لم تأت عبر الأدب وحده، ولكن ثمة مفكرين عديدين بشروا بهذه الثورات وحاولوا نقل جذوة منها إلى عالمنا العربي، سواء أكان هذا النقل خجولا محتشما أم جريئا واضحا. لذلك فإن رد الشيخ على الاشتراكية العلمية عن طريق تقديم آيات قرآنية تضم كلمة علم، وبعض الأبحاث العلمية التي قدمت في شأن علم الفلك والنبات والحيوان والطبيعة، والتي يهدف من خلالها إلى العودة بقارئ كتابه إلى زمن الإعجاز العلمي في القرآن، لا يستحضر خصوصية العلم الإلهي الذي ورد في آيات قرآنية كثيرة. ومن ثم، فإن من صفات الذات الإلهية القدرة والإرادة والعلم، لذا فإننا مطالبون بالحذر حين نتحدث عن العلم الإلهي، بحيث يقصد به أن الله تعالى لا يساويه أحد من خلقه في العلم، سواء أكان علما دنيويا أم أخرويا. فالله هو علام الغيوب، كما أنه يعلم الغيب ونحن لا نعلمه، والله يعلم ونحن وأنتم لا نعلم علمه الغيبي. كما أن الشيخ غاب عنه أن كلمة علم لا تدل على علم واحد موحد؛ لأن هذه الكلمة تأخذ معانيها انطلاقا من المجال الفكري والعلمي الذي تستعمل فيه من قبل جماعة أو فرقة أو مذهب ما. والعلم عند علماء الحديث ورواته، يعني الاهتمام بجمع الأحاديث واصطفاء الصحيح منها والحسن إلى الزائف. أما العلم في القرآن الكريم، فإن دلالته تبدو واضحة، ورسالته كذلك بينه، إذ أن الله تعالى يؤكد لنبيه الكريم، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه والتابعين، وإن شئنا التوضيح قلنا إنه يبين للعالمين أنه عليم، وأن علمه منزه عن الخلق؛ لأنه يحيط بكل شيء ولا يخفى عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهذا محال على الجرم البشري الضئيل أن يعلم به أو يضاهي الله فيه.
- بناء على النقطة أعلاه، نتبين أن هذا الرد العقائدي (العلمي) حسب الشيخ، لم يراع خصوصية العلم الإلهي، ولا خصوصية العلم الحديث. وذلك أننا ننبه إلى أن إشكالية العلاقة بين الدين والعلم قد طرحت قديما وحديثا، وقدمت في شأنها إجابات مختلفة، ومواطن اتفاق واختلاف هذين المتقابلين. فالعلم الإلهي قطعي ثابت، أما العلم الحديث فهو بشري يقوم على الشك والدحض، كما أنه حركي لا يفتر؛ لأن النظريات العلمية يدحض بعضها بعضا ولعل هذا ما جعل العلم الحديث في تطور مستمر استجابة لحاجات العصر. لهذا، يبدو أن أفضل رد يمكن أن يقدمه الشيخ والذين ينهجون نهجه، هو إفساح الطريق إلى باب الاجتهاد، ولن يتم ذلك إلا من خلال إعلاء منزلة العقل وتسخيره لخدمة النقل، فهما وفحصا ونقدا، وبالتي تسخير الاثنين لخدمة الحق والحقيقة، باعتبار أن الشريعة مدخل للحقيقة، والعقل نبراسا ينير طريقها. فضلا عن الاهتمام بالتأويل عوض التفسير.
- هنالك إشارة في الكتاب، تبين لنا حنين الشيخ إلى العصر الذهبي، أي عصر النبي وصحابته، وذلك عن طريق عودة دولة الخلافة التي ستحل مشاكل العصر، وستجعل المسلمين يعودون إلى إسلامهم الصحيح أفواجا أفواجا، وغير هذا من الأحلام، الممكنة نظريا والمستحيلة عمليا، التي يدعو إليها أنصار هذه العودة إلى الخلف.
فما دام الكاتب يصالح بين الإسلام والعلم، فإن خير خدمة نسديها للإسلام والمسلمين، خصوصا في هذا العصر الحالي، هي العودة بهم إلى روضة العقل عوض النقل، وإلى زمن المعتزلة عوض الخلافة، وبالتالي إلى عصر الاجتهاد لا عصر التقليد والجمود والقهقرى. إنا إسلامنا بخير، وسيظل بخير إذا نحن أعلينا من قيمة العقل ليخدم الإسلام والمجتمعات العربي، ويكون اللبنة الأساس لبناء صرح نهضتها ومجدها الذي ولى وأدبر.
- إن موت الجبلاوي في الرواية، وموت الله في نظر الشيخ، وموت إله نيتشه، يحمل دلالات متعددة. لقد أراد نيتشه من هذه المقولة أن يشحذ همم المجتمع الألماني، ويحميه من الفرنسيين، لذلك أشار إلى أن الإله، بمعنى إله الكنيسة وجبروتها، قد مات، ولم يبق غير إله النفس، وهو بناء الفرد القوي أو الإنسان الأعلى الذي يمر بمرحل متتالية: الجمل حيث يحمل التقاليد والأعراف ويتحملها، ثم الأسد حيث يكتسب الفرد قوته التي تمكن من أن يستأسد في وجه هذه الموروثات القديمة، وأخيرا مرحلة الطفل حيث يكون الإنسان صافي السريرة، لا يحمل ما يثقل كاهله. ومن ثمة، تبدأ عملية البناء الذاتي الفردي، حتى يبلغ الإنسان أرقى درجة كماله، وهي الإنسان الأعلى القوي الخير حسب نيتشه.
بناء على ما ورد أعلاه، يمكن القول إن الكاتب، نجيب محفوظ، لا يقصد موت الإله بالمعنى العقائدي، وإنما يبين أن الدين قد بدأ يتراجع فاسحا المجال إلى العقل العلمي التجريبي والتكنولوجي والأداتي، أي عصر العلم والحداثة، دون أن يظهر أن الله قد مات، حتى وإن وردت رموز قد توحي إلى ذلك، فإنه موت يدل أن على الفرد أن يتمسك بالله في نفسه، وأن يجعله اللبنة الأولى لبناء ذاته بالعلم والمعرفة. كما أنه يظهر لنا أن الدين لم يعد قادرا أن يجاري العلم الحديث في تطوراته التي تفرضها الحاجة.
ختاما، نقول إن العلم هو نبي البشرية في عصرها الحديث، وأنه خادم لها ما دامت تخدمه وترعاه، كما أن الدين باق بقاء الكائن البشري على وجه البسيطة، وأنه بات شأنا فرديا يخص الفرد (العبد) وربه، دونما وساطة أو كهنوت. فالعلم لا ينفي الدين ولا يقضي عليه، ولكنه يخدمه ويخدم المجتمع والفرد من جوانب أخرى. ولئن كان الدين يبني الفرد روحيا، فإن العلم يشيده ماديا وحضاريا. لهذا، فإن البشرية تحتاج إلى الديني للبناء الروحي، وإلى العقل والعلم للبناء الحضاري. فكل شيء يظهر وقت الحاجة، والمستقبل في حاجة إلى فرد مشيد روحيا، وقوي علميا وحضاريا. لقد آن الأوان أن نتصالح مع العلم، وأن نترك الأفراد أحرارا في تدينهم وفي اختيار عقائدهم؛ لأن لا إكراه في الدين. وإذا كانت الأديان السماوية والوضعية تحتاج إلى أنبياء ومبشرين، فإن للعلم الحديث نبيا ورسولا وهو العقل، باعتباره ملكة إنسانية تستأهل أن نضعها في قلب الحاجة ما دام العصر والبشرية في حاجة ماسة إليها. إن إسلامنا بخير، ولم يعد يحتاج إلى جنود وهميين يحمونه أو ينصبون أنفسهم خليفةَ الله في أرضه، ولا إلى كهنوت ولا إلى من يصالحون بينه وبين العصر عن طريق التلفيق، وعلمنة الدين، وتديين العلم، وإنما آن الأوان أن نترك كلا منهما يعمل في مجاله الخاص، ويخدم البشرية من زويته الخاصة. إن العلم والدين خطان مستقيمان، لا ينبغي لهما أن يلتقيا كما لا يلتقي البحر الفرات الأجاج والمالح المر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي