الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الشعر والتصوف
كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .
(Karim Alwaili)
2019 / 11 / 22
الادب والفن

لا أحسب إن التصوف مجرد طقوس يؤديها أفراد في عزلة عن الواقع .. بل إنها تجليات مجتمع ينزع نحو الإتصال بالمطلق , أما بنزول اللاهوت إلى الناسوت..أو بإتحاد الناسوت باللاهوت والحلول به ومعه ..إن فهما ً خاطئاً يجعل التصوف مجرد ظاهرة عابرة في التراث العربي الإسلامي وعلى يد مجموعة من المتصوفة , كالحلاج المصلوب والسهرودي المقتول .. واضرابهما , وليس الأمر كذلك فالتصوف ليس حكرا ً على حضارة أو دين أو مذهب .. بل تنتشر أنساقه في العالم كله .. إن التصوف ضرورة في المجتمع وتجلياته تمتد عمقا ً في حفريات المعرفة تمتد من بكائيات العراقيات على عودة تموز من العالم السفلي إلى الحياة كي تدب الحياة من جديد ومرورا ً ببكائيات معاصرة تمتد جذورها إلى قرون في إنتظار المنقذ والمخلص ..
إننا دون شك نلتقي بنزوعات صوفية نجدها في حضارات أخرى .. وديانات متعددة .. ونأخذ هذه النزوعات ملامح تأدية الطقوس الجمعية .. بمعنى إنها ليست مجرد طقوس فردية لاحظ معي طقوس التعميد على ضفاف الأنهار .. ترمز لحركة صوفية تمتد في جذورها إلى أعماق التاريخ..وكذلك السير على الأقدام ضمن طوفان بشري لزيارة أضرحة الأئمة وشكل من أشكال إتحاد الجموع للتوحد بالمنقذ والمخلص كما أشرت .. وكل هذا يتدفق ويتلفع بروح إنسانية مشبعة بوجع الخلق وتمتد آثاره نحو الآتي .جماعات تريد الإنفلات من أسر العجز إلى حرية المعجز .. تتوحد بالمطلق عبر فك أسر القيد الذي تصنعه معيقات الحياة .. والتماهي مع الذات المطلقة.
إن الديانات السماوية كلها تمتح من روح التصوف بطرائق مختلفة وتعبر عنها بطقوس حسية ظاهرة ليست هي المقصودة وإنما المقصود الباطن العميق , خذ مثلا ً طقوس التعميد تبدو في الظاهر طقوسا ً شكلية ولكنها ذات أبعاد باطنية ورمزية عميقة ..ومن الغريب إن المتصوف يحاول أن يعبر عن اللاهوت بأدوات الناسوت .. وهذا مشكل .. ومن المؤكد أن يعجز لأن اللغة محدودة لا تستطيع حمل عبء التعبير عن المطلق .. وبذلك فإن المتصوف أمام أحد أمرين : أما الصمت وهو الغالب .. ومن ثم يحافظ على حياته , وأما الشطح .. بمعنى ( الفعل ) الذي يقوده إلى النبذ أو التكفير .. أو القتل !!
وإني لأعجب كيف لا يكون السياب متصوفا ً من الطراز الأول من حيث حياته المحزنة وعذاباته المتكررة وإنعتاقه عبر الموت نحو آفاق المطلق .. وبذلك كان السياب والصوفـي يمتحان من معين واحد لاينضب من الأعماق .. ويحفران معا ً تذوقا ً في حد الموت , السياب ( يشعر ) كما ( يشعر ) الصوفـي , ويتحول شعورهما وجدا ً عبر الكلمة العاجزة , فيستعين الصوفـي بالشطحات وبتعالي الناسوت نحو اللاهوت , ويستعين السياب هو والبياتي و أدونيس بالتقنع للتعويض عن شطحات الصوفـي ..الصوفـي يتوحد مع اللاهوت .. والسياب وأدونيس والبياتي يتوحدون عبر التقنع مع المطلق عبر فتح من أعماق الداخل , وكذلك كانت اللغة عاجزة من الإبانة عن هذه الأعماق لديهم حميقا ً .. بوطنهم متصوفة كبار .
إن حركة الجموع على ضفاف الأنهار للتعميد .. أو المشي على الأقدام نحو أضرحة الأولياء تشبه تماما ً انساق وجدان أدونيس .. توحد الجموع مع الآتي .. الكائن في رحم الماضي .. وتوحد أدونيس مع ( علي ) في ديوانه مفرد بصيغة الجمع .. الآتي من عمق التاريخ (علي) هو الإمام .. الولي .. الفرد / بصيغة الجمع , يتماهى مع الشاعر أدونيس , وإسمه (علي ) .. فكأن (علي الإمام ) الماضي / المستقبل , هو علي / أدونيس المستقبل المضمخ بعبق الماضي , وقد جمع أدونيس بين الصوفية والسريالية إذ إن كليهما يتوجه نحو الخلاص دينياً عن الصوفية وتجاوز الإبحار عند السريالية .. فالجذور واحدة وإن كانت الوسائل والنتائج متباينة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شكل امتحانات القدرات في كليات التربية الفنية .. اعرف التفاص

.. القسام تعرض مشاهد تعارض الرواية الإسرائيلية وخطط تهجير تحت م

.. مواقف غير متوقعة في مسرح الحجرة مع أبطال العرض المسرحي -يمين

.. -الأنا العليا- تمنع عودة العلاقة بين ترمب وإيلون ماسك... وكا

.. إزاي أبطال العرض المسرحي -يمين في أول شمال- بيقدروا يمثلوا ف
