الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4

دلور ميقري

2019 / 11 / 22
الادب والفن


من جانبها، شعرت شملكان بالقنوط لمجرد ذكر مستشفى الطليان، أينَ عولج فيه رجلها في أواخر أيامه في الحياة. مع ذلك، رأت في صباح اليوم التالي أن من واجبها الذهاب مع نازو إلى المستشفى، دون حاجةٍ لإخبار السيد نيّو: " لا ينقص المسكينة سوى عدم الإذن بالكشف عند النصارى، وفق فتوى الحاج حسن! "، خاطبت نفسها بوجود امرأة هذا الأخير.
وهيَ ذي أرملة أوسمان، تجلس في حجرة الانتظار بالمستشفى. الجدران، ذاخرة بلوحات لها أطر فخمة، وكان أكثرها ذات مواضيع طبيعية وقلة منها مع ملائكة وقديسين ومسوخ وشياطين. الأثاث أيضاً، كان على غير شيمة مثيله الشرقيّ، الذي ألفته الأرملة سواء في ماردين أو الشام. وحدها الخزانة، وكان لها باب زجاجي لحفظ الكتب من الرطوبة، ذكّرت شملكان بشبيهتها في مضافة زعيم الحي. لعلها كانت تتسلى بملاحظة ما حولها، كي تسلوَ هواجسها فيما يخص سبب وجودها في المستشفى.
بينما هيَ كذلك، جاءت إليها امرأة متوسطة العُمر عليها مسوح الراهبات، لتمد يدها النحيلة مصافحةً: " الأخت ماريا، مساعدة الطبيب "، قدّمت نفسها بعربية عسرة. شملكان لم تكن بالطبع تعرف طريقة التعارف الأوروبية، إلا أنها تمتمت: " أهلاً! ". تحفظ هيئة الأخت، لم يمنعها أن ترمق بإعجاب ملامحَ المرأة ذات الشعر القرمزيّ، المتوردة بالصحة والفتنة برغم أنها من سنّها تقريباً. إلا أنها لم تكن صريحة تماماً، لما تعيّن عليها الإبلاغ عن حالة المريضة: " نتيجة الفحص، طابقت ما صرحتْ به قريبتك، من أنها تعاطت أعشاباً بهدف إسقاط الجنين. لقد أعطيناها دواءً، نأمل أن يساعدها لحين أن تضع الجنين "
" الجنين، إذن، ما زال حياً؟ "
" نعم، وعلى الأغلب سيبصر نور الحياة في نهاية هذا الشهر "، ردت المساعدة. ثم أضافت بنبرة مطمئنة نوعاً ما، " إذا لم تسوء حالة الأم، فإننا ننتظر حضورها بعد أسبوعين وربما نبقيها لدينا لإجراء عملية قيصرية ".

***
حالة نازو، تدهورت بشدة بعد بضعة أيام. ثم جاءت الخاتمة بشكل غير متوقع، وذلك على أثر نزفٍ مفاجئ عند منتصف إحدى الليالي. أفاقت وقتئذٍ، لتجد الدم يلوث رجليها وفراشها. امرأة العم، أيقظها صراخٌ باسمها في تلك الساعة المتأخرة وكانت قد حسبته، لوهلةٍ، من أضغاث الحلم. كان كابوساً، حقاً لا مجازاً؛ بيد أنه بقيَ ماثلاً على أثر اليقظة. شملكان، المواكبة إلى القبر سلسلة من الأبناء، بعضهم لم يكن أكثر من مضغة لحم، قرأت في المشهد المتمدد قدام عينيها أحرفَ الفناء والعدم. على عكس أم الزعيم، التي تشبثت بالحياة ليلة كاملة مع كونها أقرب للمستحاثة بأعوام عمرها المتجاوزة المائة، لم يدم احتضارُ طفلة العائلة المدللة سوى دقائق معدودات.
اتفاقاً، أن موعد نازو في المستشفى كان يومُ الغد بالذات. هذا الاعتبار، أخرج امرأة العم عن طورها، وكانت تردد نادبةً أمام النسوة، اللواتي هُرعن من الجوار على أصوات الصراخ والعويل: " كم كانت رقيقة وهشّة، يا عباد الله، لتموت أسرع من شرارة الشهاب في سماء الليلة؟ ". ثم ما لبثت شملكان أن فاجأت الحاضرات بترتيلٍ شجيّ، سالت مفرداته الكردية فوق جثمان الطفلة الراحلة ـ كما شلال نور، انهمرَ فوق مرج من أزهار الأقحوان البيضاء.
في اليوم التالي، كان هذه المرة دورُ رجال العائلة كي يعبّروا بدموع ساخنة عن فداحة خسارة قريبتهم بينما أسرتها بعيدة عنها لا تعلم عن المأساة شيئاً. الضربة الكبرى، أصابت السيد نيّو. لقد لاحَ أثناء التشييع تعساً، فاقداً رباطة جأشه؛ هوَ من سيطر على نفسه، قبلاً، سواءً أثناء توديعه لزوجتيه أو لامرأة ابنه، سلمى، وكانت هذه قريبة لقلبه. كون مسجد سعيد باشا يقعُ بمقابل مدخل الزقاق، كان على عاصفة العويل والندب أن ترتفع من صفوف النسوة أشد وقعاً. موت نازو، بحَسَب الحوليات المروية جيلاً وراء الآخر، فتح جرحاً في ضمير العائلة وبقيَ ينزف طويلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ