الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5

دلور ميقري

2019 / 11 / 23
الادب والفن


شيخي، كان قد نال حُكماً مخففاً؛ كونه أفشى بمكان مال الرجل، الذي كان ضحية احتياله. على أثر خروجه من القلعة، بعد قضائه عامين بين جدرانها الأثرية، عدّ نفسه الوارث الشرعيّ لامرأته الراحلة. برغم شخصية شملكان القوية، لم تستطع لوحدها رد هذا القريب، المعرَّف من لدنها ب " الحقير المحتال والقاتل ". إنها مثل كثر من العائلة، كانت قد نَحَتْ باللائمة عليه في موت نازو، وكانت هذه ما تفتأ طفلةً بعدُ. لكن بدا أن السجن لم يكن سوى مكان راحة للشاب المستهتر، المنحرف المسلك، وأنه على استعداد للعودة إليه راضياً. لقد قالها بقحّة لمَن صار يدعوها متهكّماً، " حماتي الكريمة "، وذلك منذ اليوم الأول لوصوله إلى الدار عقبَ انتهاء مدة العقوبة: " يقيناً، إن السجن أرحم حالاً من الحرية ما لم تكن مشفوعةً بحياة الرغد والدِعَة والكسل! ".
كيلا يؤثّر وجودُ الرجل الدخيل على مشغل الخياطة، قامت شملكان بنقل أعمالها إلى حجرة في جهة مسكنها، كان قد اتخذها الراحلُ أوسمان كمأوى في أيام مرضه الأخيرة. في نهاية الأمر، فكّرت المرأةُ الملولة، ستتخلص من وجود هذا الدخيل حينَ يشعر بالجوع ولا يكون أمامه سوى العودة لحياة التشرد. لم يفقد عمله، حَسْب، في خلال فترة مكوثه بالسجن، بل وأيضاً والدته. وكانت هذه قد فارقت الحياة، مرددةً اسمَ الابن الوحيد بصفة العاق والملعون دنيا وآخرة. بيد أنّ صبرَ شملكان نفَدَ أخيراً، برؤيتها ذات يوم لشيخي وهوَ داخلٌ إلى الدار برفقة رجل معفّر الهيئة بالغبار.
" سترفع الجدارَ بمكان هذا الدرج تماماً، ولا عليك إذا ضحّيتَ في سبيل ذلك بشجرة المشمش "، قالها شيخي للرجل بصوت جهير كي يسمعه الآخرون. عند ذلك، ندهت أرملة أوسمان على ابنها صالح ثم طلبت منه أن يسرع بالذهاب إلى السيد نيّو كي يحضر في الحال.

***
رابطة الصداقة، بين السيد نيّو وزعيم الحي، كانت فيما مضى أقوى من صلة القرابة. لقد عادت المياه لتجري بين الطرفين، وكان ذلك على أثر رحيل نازو، المفاجئ المفجع. فلما استنجدت شملكان بجدّ الراحلة، فإنه فكر قليلاً وما عتم أن قرر اصطحاب الزعيم معه. حين وصل الرجلان إلى الدار، كان بعض النسوة والأولاد متجمهرين أمام الباب بينما الصراخ تصاعد من الداخل.
" أرجوكم، أنقذوا ابني من يديّ المجرم! "، صاحت أرملة أوسمان بالقريبين المبجلين مشيرةً بيدها إلى مشهد مغبرّ على طرف الحديقة. إذاك كان حاجي وشيخي يتصارعان بوحشية، متشبثين بتلابيب بعضهما البعض وقد تقلّبا على الأرض الندية. عندما لم يأبها بصراخ جد نازو، ما كان منه إلا الانهيال عليهما ضرباً بعصاه. توقف العراك، وما لبث طرفاه أن وقف كل منهما خافض الرأس، لاهث الأنفاس ومدميّ الوجه. خاطبَ السيد نيّو أولاً ابن شملكان، آمراً إياه أن يذهب إلى أمه. ثم التفت إلى الآخر، " أما أنتَ، فامش معنا إلى غرفة الضيوف ". برغم خلقه العصبيّ، ومسلكه كعسكريّ منضبط، حاول جد نازو التكلم بلباقة مع أرملها. عابه منذ البدء، كونه دخل في مشادة مع غلام قاصر عقلياً. فهتف شيخي بنبرة حاقدة، قاطعاً كلام الرجل: " هوَ من تهجّم عليّ، بمجرد أن بدأ الفاعل عمله في بناء الجدار "
" ما قصتك مع هذا الجدار؟ ألم يكن سبباً في زجك بالسجن لعامين كاملين؟ "، سأله السيد نيّو بهدوء. نذر الشر المنبعثة من عينيّ الشاب، اختفت ليحل محلها تعبيرٌ ساخر. أجاب بقحته المأثورة عنه، " أعرف أنك قدمت للجندرمة أوراقَ الطابو الحقيقية، والتي استعملت ضدي عند القاضي. مع ذلك، أنا أسامحك كونك جد المرحومة "
" دع المرحومة بسلام وهيَ بين يديّ خالقها، وتكلم عما نحن فيها الآن؟ "
" الآن، أنت تعلم يقيناً أنني الوارث الشرعيّ لحصة امرأتي في منزل أبيها "
" لا، بل أعلم أن الحشيش قد أفقدك صوابك تماماً! وإلا، فكيفَ سترث بيتاً ما زال صاحبه على قيد الحياة؟ وأصلاً، هل لديك خلفٌ من نازو كي تتكلم عن ميراثها؟ "، صاحَ الجد وقد خرج عن طوره. بقيَ الشاب للحظات مأخوذاً، ولعله كان يحاول استيعاب ما سمعه للتو. ثم إذا به يكشر عن ابتسامة ذئب، ليعلّق بعدئذٍ في نبرة منذرة: " أنا صاحبُ حق، ولن أفرط به حتى لو اضطرني ذلك لارتكاب جريمة ".
تسعون عاماً تقريباً انقضت على ذاك الموقف العاصف، لما كرر نفسَ الجملة حفيدُ شيخي، المشنَّع في الحارة بلقب " قربينة ". كان يتكلم، أيضاً، عن ميراثٍ مزعوم؛ وهذه المرة عن حصة جدّته لأبيه في منزل شقيقها، الحاج حسن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ