الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قَصْرُ المُحافِظ

ضيا اسكندر

2019 / 11 / 25
كتابات ساخرة


كان الوقت بعد غروب الشمس عندما حسم (أبو عبد الله) قراره وتوجّه إلى قصر المحافظ، مصطحباً معه شاكوش وعدة مسامير بالإضافة إلى كرتونتين، كتب عليهما تحذيرين لطالما أرّقاه في السنوات الأخيرة.
لدى بلوغه القصر لم يلحظ وجود حراسة مشدّدة، فقط عند الباب الرئيسي يقف حارسان يمتشق كلٌّ منهما بارودة يدردشان مع بعضهما. تجاوزهما بنظرة خاطفة بعد أن سمع منهما بعض التعليقات على مشيته التي تشبه مشية السعدان حسب قول أحدهما. لم يأبه لهما وتابع سيره خبباً مستهدفاً شجرة صنوبر كبيرة ملاصقة لزاوية سور القصر. علّق الكرتونة الأولى على جذعها بواسطة الشاكوش ومسمارين. دون أن يلفت انتباه أيٍّ من الحارسين، على الرغم من أنهما لا يبعدان عنه أكثر من مائة متراً. ثم عاد لينتقل إلى الطرف الآخر من السور. وعبَرَ مرةً ثانية من أمام الحارسين اللذين توقّفا عن الدردشة وهما ينظران إليه بريبة. عندما وصل إلى مبتغاه وقف محتاراً أين يعلّقها، فلا توجد شجرة على غرار الزاوية السابقة. فكّر أن يثبّتها على حائط السور، لكنه عدل عن فكرته، لأن السّور ملبّس بالرخام ويستحيل إدخال المسامير فيه. فكّر أن يعلّق الكرتونة على خشبة ويزرعها قرب السّور. أعجبته الفكرة وطفق يبحث في المكان.
لحظات وتنشقّ الأرض فجأةً عن أحد الحارسين وهو يصيح بغضب:
- شو عم تساوي هون ولاه؟
ارتبك أبو عبد الله وأجاب وهو يرمش فَزِعاً:
- والله عم دوّر عَ خشبة حتى علّق عليها كرتونة..
سأله الحارس بتربّص وقد خبت نبرته قليلاً:
- كرتونة شو ولاه؟
- كرتونة كاتب عليها «كلب ابن كلب من يبول هنا».
- أي وين بدّك تعلّقا؟
- هون عَ زاوية القصر. هلّق من شويّ علّقت كرتونة عَ هديك الشجرة عند الزاوية (وأشار بيده إلى شجرة الصنوبر) كاتب عليها «الرجاء يا محترم عدم رمي الزبالة.. الحاوية على بعد 100 متر».
وقف الحارس مبهوتاً وقد لفّته حالة من الحيرة وعدم الفهم. وهتف بصوتٍ جَهْوَريّ:
- ولك انت مجنون شي؟ العمى بعيونك ما أوقحك! عم تتمسخر مه؟ (وأضاف بصوت ينمُّ عن وعيد) تعا لشوف معي تعا!
قبض على ذراعه واقتاده نحو المحرس وسط احتجاج أبي عبد الله الذي حاول التملّص منه عبثاً. فقد أمسكه الحارس بقوة وهو يهدّده بأنه سيطلق عليه الرصاص إذا ما حاول الهرب.
عندما وصلا إلى بوّابة القصر هرع الحارس الثاني إليهما مستوضحاً وقد تقوّس حاجباه عجباً:
- شوفي؟ شبو هالصعلوك؟
- العمى بعيونو هاد واحد أهتر عالآخر! قال بدّو يعلّق كرتونة عَ زاوية القصر كاتب عليها كلب ابن كلب اللي بِبول هون.. امْسكو تقلّك لشوف شو معلّق عالشجرة هُنيك. (قال ذلك الحارس الأول وسلّمه لزميله، وتوجّه مهرولاً إلى الشجرة وانتزع منها الكرتونة وهو يبربر).
- لازم نخبّر المعلّم فوراً عن هالجحش. (قال الحارس الثاني).
- لحظة خلّينا نحقّق معه لنشوف شو قصّته.. أقسم بالله شي بِحطّ العقل بالكفّ! (قال الحارس الأول. ثم سحبه من زميله وأدخله إلى غرفة الحراسة وتابع سائلاً): هات لشوف ولاه، شو قصّتك؟ ومين باعتك لهون؟
أجاب أبو عبد الله بضراعةِ وجهٍ كساهُ الذعر، وبصوتٍ متصدّعٍ أقرب للبكاء:
- والله سيدي نيّتي شريفة الله وكيلك. أنا ساكن بأحقر حيّ بهالمحافظة وعم عاني كتير من الزبالة..
قاطعه الحارس وأسنانه مُطْبَقَة:
- ولك شو إلْها علاقة الزبالة بلّي عم تساويه هون يا بهيم؟
- سيدي خلّيني كمّل كلامي.. الله وكيلك قلتلّك قصدي شريف. سبق وكتبت عدة مرات بجنب بيتي وبيوت الجيران نفس اللي كتبتو على هالكرتونتين وما استفدنا شي.. قمت صرت انطر بالليل وبالنهار حتى مسكت عدة رجال وصبيان بالجرم المشهود.. وكل مرّة كنت اخلعُن قتلة بعصا طويلة كسّرت عضامُن فيها.. وما عاد استرجى ابن مره يكبّ الزبالة أو يبول بالأماكن القريبة من بيتي.. بعدين قلت لحالي روح يا رجّال عَ قصر المحافظ وعلّق هالكرتونتين وانطُر، برْكي بطعْميه قتلة مرتّبة للّي بدّو يسترجي يسيء لسيادة المحافظ.. لأنّو ما حلوة يسيؤو لأهمّ رمز بالمحافظة..
- انت وين ساكن ولاه؟ سأله الحارس.
- بحيّ الخربان سيدي..
- وشو بتشتغل؟
- سيدي أنا بلمّ خبز يابس وبدوّر عَ حاويات الزبالة وبنكّش، وشو بيطلع معي من بلاستيك وقناني وهيك شغلات يعني.. بّيعون.
- وشو عندك اولاد؟
- الله يرحمُن، كان عندي مره وتلات اولاد، من سنتين بهالأزمة كانو قاعدين بالغرفة عم ياكلو قامت إجت قذيفة صاروخية وضربتن.. الله وكيلك راحو فيّا.. وهلّق عايش لحالي.. يا ريتني كنت مَعُن.. حسبي الله ونعم الوكيل.
كان الحارس الثاني يستمع إلى إفادة أبي عبد الله وقد اجتاحته مشاعر التضامن والتعاطف، فما كان منه إلاّ وقال لزميله بصوتٍ خفيض:
- اتركو يروح عَ بيته يا عمّي.. والله مبيّن عنّو رجّال درويش.. (متوجّهاً بكلامه إلى أبي عبد الله) رُح ولك عمّي رُح.. وإيّاك ثم إيّاك تقرّب لهون مرّة تانية.. مفهوم؟ يالله لشوف!
أذعن الحارس الأول لرأي زميله، وقال لأبي عبد الله بعد أن فرك عينيه وكأنه صحا لتوّه من كابوس:
- متل ما قلّك زميلي.. هالمرّة عفينا عنك. بس إذا بشوف خلقتك مرة تانية، غير الله ما بيعرف شو رح نعمل فيك.. يالله لشوف انقلع من هون!
أجاب أبو عبد الله ببراءة:
- طيب والكرتونتين، بتركهن عندكن أنتو تعلّقوها، واللا باخدُن معي سيدي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تتحدث عن معاناتها مع مرض نادر وتعد بالعودة إلى ال


.. الفنان الليبي الطارقي أماكا جاجي يحدثنا عن ثقافة وموسيقى الط




.. فيلم ولاد رزق 3 يتخطى 12.5 مليون جنيه خلال يومي عرض بالسينما


.. نجم الغناء الأمريكي كريس براون يعلق في الهواء على مسرح أثناء




.. طرد كوميدي شهير وصف نتنياهو بـ-النازي- في فرنسا.. ما القصة؟