الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انبعاث اللارجعة

يحيى نوح مجذاب

2019 / 11 / 25
الادب والفن


سرقتنا الحياة اليومية المتراكمة الخانقة.
نتحرك بدوافع غريزية يومية وآنية، وفي خطط لا تعرف حجم الساعة، ولا مسارات الغد القادم المتبرقع بحُجُب الغيب.
كل شيء يندفع نحو المجهول، والماضي يتوارى سريعاً ويمحو نفسه كلما دارت الأفلاك واهتز بندول الزمن.
نحن ننبعث في أنبوبٍ ضيّق، ونندفع من خلال صمّام اللّارجعة، فكل الأحداث المتعاقبة في مسارها الحتمي المنطلق منذ فجر الولادة وحتى لحظة الرحيل تتلاشى؛ تتآكل؛ تضمحل، ومن كانوا أبطال الحدث أذابتهم تلافيف النسيان وغطسوا في مجاهيل الوجود الأخرس واندثرت صورهم خلف الضباب.
إنه التحدي الكوني الذي اكتشفه العقل الذكي الذي ابتدأ مع أول سؤال صارخ انفجر نحو قبة السماء:
من نحن؟ وماذا نفعل هنا؟ وكيف السبيل إلى الخلاص الأبدي من ربقة المصير؟
أين هم الراحلون، أولئك الغاطسون في بواكير الزمن الأول؟
أين هم المسافرون إلى ما وراء أستار الغيب حيث العوالم التي صنعتها العقائد ورعتها أجنان البشر؟
كائنات كانت تملأ الوجود بالحياة ثم تختفي في دورات متعاقبة من الولادة حتى الموت في رحلة لانهائية متشابكة عصية على الإدراك بوعينا المحدود الذي رسمته تلافيف الأدمغة وطاقة الروح اللامنظورة.
دورات مكوكية من مُتعِ سعادة، وتأجّج مشاعر، ونوبات حزن، وضنك هموم، وإرهاصات جسد، وذهول رؤى.
مكونات الأجساد وعناصرها الأرضية ليست هي المعضلة، فمن أديم الأرض صُنعت الأجساد المنظورة المحسوسة، لكن الطامة الكبرى هي ماذا يكمن وراء هذه الأجساد؟
المحركات.. وسائل الكشف والتلقي..
المعرفة والإبداع.. الطاقة والوعي والإدراك..
المشاعر والتآلف؛ هذه الأشياء غير المرئية، غير الملموسة بحواس الجسد، أين يا ترى تختفي؟ أين تذهب؟
لو أحصينا الأعداد الفلكية الهائلة لمجموع الأفراد من الأجيال الأولى التي انقرضت من البشر؛ منذ أول الأحياء والى الآن لربما توصلنا الى حقيقة مفزعة، فالأحياء الذين يملؤون الأرض الآن لا يمثلون سوى رقماً متناهياً في الصِغر يكاد يقترب من الصفر أمام الدورات المتعاقبة لمجموع الأحياء المنقرضة منذ بداية الخلق.
إنها محنة الوجود الكبرى، والمحنة الأكبر ماذا يا ترى نفعل إذا تسلل إلينا الشوق لأولئك الذين كنا جزءا منهم عندما كانت الحياة تغني في فجر الطفولة ويفاعة الشباب!
ماذا نفعل لِنُجَمِّد الزمن، ونوقف عجلة الساعة وعقاربها؟
ماذا نفعل لنسافر إلى الماضي في رحلة حقيقية حتى نبلل أشواقنا التي اعتلجت في الصدور بعد أن استهلكتنا رتابة الأيام اللامجدية!
لا شيء يمكن أن يحدث في هذا الاغتراب الذي استوطن ذواتنا وألقانا أمام عصف الرياح العاتية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من النهر إلى البحر فلسطين حرة-.. فنان فنلندي يجوب القطارات


.. -ملكات- الفيلم الطويل الأول لنسرين بنشارة




.. شاهد كوريا الجنوبية وتونس و والمكسيك يفوزون بجوائز الدورة


.. الفنانة جورجيت صايغ تؤدي أجمل أغنياتها -دلّوني عالعينين السّ




.. الخارجية الإسرائيلية للعربية: منظمة التحرير هي الممثل الوحيد