الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كش ... وداعا يا حمامه ؟

احمد مصارع

2006 / 5 / 25
الادب والفن


أحن إليك ما بقيت حمامه ...
الحمام ليس حرا ليحط كما يشاء حيثما يشاء ...
أينما كان ؟ لا... فعليه أن يطلب الاستئذان في المكان والزمان في كل لحظات الطيران ؟!...
ليلتقط الحب , ويستمتع بسيمفونية الهدوء , فمن كان قد قرر في جهل مقيت بأن الحمام السلام يحط إلا على الأبراج الخاوية , مخطئ جدا .
الحياة الافتراضية في التصور الذهني أقوى بما لا يقاس من الواقع الفعلي الحاضر , الذي أعيشه حاليا لحظة بلحظة , وهو منقرض حقا , اليوم أو غدا , وفقا لحسابات موت كل من أعرفه يوميا , لااستطيع نكران حقيقة احتراق أجسادهم , تحت أكوام من التراب البليد , يهيله عليهم مجموعة من الممثلين البلهاء , والأهم , حين يكون الذكاء والغباء في الحياة الوقتية المنقرضة , جميعا سواء ..
لو أبكي أو أضحك , سيان ..
كما يتساوى الحين مع بعض الأحيان ؟
كنت حزينا تقليديا , بل ومرغما على التعايش مع ضيق الأفق , وضرورة الاستسلام بقدرية تامة لل( غوانين ) البليدة , القديمة منها والجديدة , والانتظار السلبي للحظة هداية قد لا تأتي أبدا , من الله وحده , فهو وحده الباقي بعد أن نموت جميعا , نعم , جميعا ...
تذكرت حياة سابقة , وحينها , كنت أذوب لحظة بلحظة متفاعلا مع الطبيعة , في حديقة مجهولة للغاية , ولكنها كانت قد وجدت على سطح الأرض , وكان فيها الماء والبركة والشلال واخضرار زاه عتيق , يضج سلاما من هديل الحمام, بحيث لا صلة وصل للغافي الساهم والشارد في بؤرة العيش النكد في حياة ليست افتراضية وليست واقعية ؟!.
لقد كانت الحمائم من شتى الألوان , تتنافس بروح طائرية عجيبة لكي تردم الحفر بالهديل بدل النحيب والزغاريد المتباعدة , حتى تلتحم الحياة من أي نوع كان وتتواصل ؟.
رغم سوء النقل والبريد , فستبقى الحمامة خير من يصل الأحبة من قريب بعيد .
أنا مجرد إنسان , وكمثل الشرفة الخفية , المجهولة وغير المطلة على الضوضاء , التي أعيش فيها مصادفة , ليس إلا ؟
ما ا لعمل ؟
لابد من حياة ولو كانت من درجة المتحول الزحاري أو البارامسيوم مثلا , فيها الهواء والماء , وأفياء النبات والأزهار , وهي لوحة لن تكتمل أبدا بدون تغريد الطيور , هكذا خبرت الحياة فيما مضى وقد لا اذكره , من زمن سابق .
الحمام ليس حرا ليحط كما يشاء حيثما يشاء ...
أينما كان ؟ لا... فعليه أن يطلب الاستئذان في المكان والزمان في كل لحظات الطيران ؟!...
ليلتقط الحب , ويستمتع بسيمفونية الهدوء , فمن كان قد قرر في جهل مقيت بأن الحمام السلام يحط على الأبراج الخاوية , مخطئ جدا...
لقد عرفت قيمة السكون , بدون طنين الصمت , فالوحي مجرد طائر يصفق في علياء السماء فرحا ,لاصمت فيه وحي من غير طيور , والهديل كما عرفت وخبرت فيه السكينة والاطمئنان , والشرفة المنعزلة عندي لن تكون أبدا , هدوء يتبعه الهدوء , بدون تغريد الطيور, لكن الشرفة المنعزلة لم تزل بعد تبحث عن مجرد حياة غير منقرضة , ولكنني أنا الكائن اللحظي المنقرض حتما في لحظة ما , ومن حقي أن أعيد كل شكل يعيد سيرة حياة , مجرد حياة ؟
الآن أجلس منعزلا هاربا من الصخب الموتور طيلة النهار , ومن الحلم المبتور طيلة الليل والظلام ...
كيف أحس بطبيعة الأشياء , ولماذا سأبقى فيها مستغرقا بلا حدود ؟!..
خلال فترة قصيرة من بضع جلسات , تمكنت كالعادة , من الانتصار على كل موحش وقاتل , فمن السهل جدا علي تنفيذ بعض وهم أو حلم مما عشته من ذكريات تمر بصعوبة بالغة بدون وحي وهديل جميل ؟!.
الأمر بسيط للغاية , مجرد بركة ماء , يسمع خريرها , واخضرار ندي , وصمت فلسفي عميق يشحذ الحواس في صلاة التأمل ؟!..
وفجأة حطت حمامة ؟!...
كانت الحمامة ببيضاء فوق كلمة جدا , أسلس من غيمة بيضاء , بل وأكثر ضوءا من نيون أبيض , بل وأكثر ازدهاءا من الزئبق الحي المتلامع , وذات ملمس بض طري , كالقطن المندوف , تتهادى في مشيتها بهدوء واثق , وحين تتعجل تلقي بجناحيها أمام رأسها وكأنها تتمرخ , وبالضبط كما يفعل السباح عند الغطس من عل , ويحتضن رأسه بيديه .
ظلت الحمامة البيضاء ولعدة اشهر خلت خليلة الشرفة المنعزلة , تمضي عدة ساعات يوميا ضيفة عزيزة وخفيفة الظل ؟ وحين أغيب عن الوعي , تعود الى منزلها القريب المجاور .
كنت وحيدا معها في الشرفة المنعزلة أتأملها مليا , هائما مع سحرها وجمالها الأخاذ ..
اللحظات الطويلة تمر , فلا تحس بذاتها بدون صدمة اللقاء المجهول ..
من يقرع الجرس ؟!.
حين فتحت الباب الموصد من العهد القديم , من حياة الوحدة والتوحد ..!.
قال - مرحبا جار ؟
أعرفه حقا , وهو كما قال وادعى , تأملت نظرته الطفولية المتضرعة وغير المفهومة .
قلت له : تفضل .
وحين أدرت ظهري لدخوله وجدته قد تسمر في ذات المكان , تأدبا , أم استعدادا لمطلب صعب من يدري ؟ !.. كل شئ يتغير ويجري , حتى أنا ؟ نعم حتى أنا ؟!..
قلت له : ليس بالدار أحد , تفضل بالجلوس ؟ .. ماذا تشرب ؟
فرك رأسه , ونظر باستحياء ,ثم قال : جئت إليك مشتكيا عليك ؟
قلت له : شكايتك مقبولة , وأنت الحكم , وليس هناك من حكم سواك ..
قال : بل هو عتب على جار ..
قلت: اعتب كما تشاء لأنك محق في طلبك .
سال : هل تحب الحمام ؟
أجبت : نعم وكل الطيور ..
سأل : هل تحب تربية الحمام ؟..
أجبت : لا, بل أحب مشاهدتها عن كثب .
سال : ولكن على ما يبدو فأنت تطعمها حبا ؟..
أجبت : نعم , من باب إكرام الضيف .
ضحك كطفل صغير, وسأل : أين هي الآن ؟
سالت : تقصد الحمامة البيضاء ؟
قال : نعم , حمامتي البيضاء , الغالية علي , والغالية الثمن , والنادرة ..
قلت له : هل تبيعها ؟
أجاب على الفور: لا أفكر ببيعها هذه الأيام ..
قلت : هي في الشرفة المنعزلة , ألا تسمع هديلها وسرورها في اللعب ؟!.
قال : تلك حمامة نادرة الوجود , لأنها غريبة الطباع , وهي تساوي الملايين ..
قلت له مرحبا : أنا متأكد أنها ستكون مسرورة بلقائك هنا في الشرفة المنعزلة ..
ابتسم وقال : إنني أصبحت أشتاق لرؤيتها في النهار , وهي تغيب عني طويلا ..
سألته : هل تريدها أن تعود الآن للمنزل ؟
قال بدون تردد : يا ليت..
سألني بود : هل ستكشها من الشرفة ؟
قلت بحزم : لاابدا .. تفضل أنت وقم بذلك فهو من حقك ..بعد أن تكتمل ضيافتك ..
قدرت انه ينتظر بحرقة لحظة اللقاء بحمامته البيضاء , وحين سمعته يعاتبها بأدب بالغ , خرجت من الشرفة المنعزلة ولم تعد إليها أبدا , بينما ظلت طيور أخرى تملأ الشرفة تغريدا , وطمأنينة ساحرة , بدون الحمامة البيضاء الغالية والنادرة الوجود ..؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو اكثر ما يتعب نوال الزغبي في مهنتها ؟ ??


.. اكتشف مدينة الصويرة: من ملعب جولف موكادور إلى زيت الأرجان وا




.. عام على الحرب في غزة: أولويات الإغاثة الثقافية في المناطق ال


.. فيلم تسجيليا يعنوان -جيش النصر- من اصطفاف تفتيش حرب الفرقة




.. المخرج رشيد مشهراوي من مهرجان وهران بالجزائر: ما يحدث في غزة