الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة بنس نائب الرئيس الأمريكي .... ما وراء الأكمة وما وراءها

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


قام نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بنس بزيارة مفاجئة وغير معلنة إلى العراق قبل أيام , خلافا لكل الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في زيارة المسؤولين بين الدول, حيث لم تطلب الإدارة الأمريكية موافقة الحكومة العراقية على هذه الزيارة أو حتى أخذ رأيها فيها , أو التشاور معها حول هدف وبرنامج الزيارة التي عادة ما يتم الإتفاق عليه مسبقا , وبما في ذلك إعداد بيان ختامي لهكذا زيارة سلفا يعلن في وسائل الإعلام عند إنتهاء الزيارة . والغريب أن الحكومة العراقية إكتفت بالإدعاء بعلمها المسبق بالزيارة من باب حفظ ماء الوجه لا أكثر ولا أقل . لم تتم الزيارة عبر مطار بغداد الدولي أو أي من مطارات العراق ومنافذه الحدودية في الدخول أو الخروج, ولم يكن هناك أي إستقبال رسمي حيث تشير الأنباء إلى أن دخول نائب الرئيس بنس عن طريق قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار.ويذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول أمريكي رفيع المستوى العراق بهذه الطريقة , فقد سبقه إليها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترامب وآخرون.أن هكذا زيارات تثير حولها الكثير من الشبهات والتساؤلات والمخاوف المشروعة على أمن وسيادة وإستقرار العراق.
المعروف أن العراق يرتبط بإتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 2014 لتأمين أمنه وإستقراره طبقا لبنود تلك الإتفاقية وتجهيزه بالأسلحة والمعدات وتقديم الخبرة والمشورة وتدريب قواته المسلحة. تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية حاليا قواعد عسكرية متعددة منتشرة في مدينة بغداد ووسط العراق وشماله. كما وقّعت واشنطن، عام 2014، اتفاقية عسكرية مع حكومة إقليم كردستان شمالي العراق, وكأن إقليم كردستان دولة مستقلة عن العراق تتصرف حكومته المحلية على هواها دون الرجوع إلى الحكومة المركزية , في حالة غريبة وشاذة لم نشهد لها مثيلا في الدول الفدرالية , ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يمكن أن تسمح لأية ولاية من ويلاتها عقد أية إتفاقية أمنية مع أية دولة خارجية , ناهيك عن السماح لها بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها , ذلك أن عقد هكذا إتفاقات من مسؤولية الحكومات المركزية حصرا . نصّت الإتفاقية الكردية الأمريكية على بناء (5 ) قواعد عسكرية: قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير،و قاعدتين في مدينة حلبجة بمحافظة السليمانية قرب الحدود الإيرانية، وقاعدة في التون كوبري التابعة لمحافظة كركوك. وتكمن خطورة عقد الأقاليم إتفاقات عسكرية مع الدول الأجنبية وإقامة قواعد عسكرية على أراضيها , بتهديد أمن بلدانها الوطني. فيا ترى ماذا سيكون عليه الحال لو أن البصرة او بعض المحافظات الجنوبية عقدت إتفاقية أمنية مع إيران وسمحت لها بإقامة قواعد عسكرية على غرار ما هو حاصل الآن في إقليم كردستان تحت أية ذريعة كانت ؟ وكذا الحال فيما لو قامت محافظة الموصل بتحويل المحافظة إلى إقليم ودعت تركيا إلى إقامة قواعد عسكرية على أراضيها في إطار إتفاقية أمنية فيما بينها, أو محافظة الأنبار وسواها قامت بالمثل بدعوى الإحتماء بالمملكة لعربية السعودية أو دول أخرى مثلا. ألا يعني ذلك تمزيق العراق شذر مذر .
أسّست الولايات المتحدة الأمريكية بموجب الإتفاقية المعقودة بينها وبين الحكومة العراقية قاعدة كبيرة لقواتها في مطار "القيارة" العسكري، جنوبي مدينة الموصل, وقاعدتين أساسيتين في محافظة الأنبار غربي العراق، والتي تحاذي سوريا والأردن, هما قاعدتي عين الأسد والحبانية. كما اتخذت واشنطن من قاعدة بلد الجوية الواقعة في محافظة صلاح الدين مقرّاً لها للتحكّم بطلعات طائرات "إف 16"، وقاعدة في معسكر التاجي شمالي بغداد، توجد فيها قوة لأغراض التدريب. وفي بغداد اتخذت القوات الأمريكية من قاعدة "النصر" داخل حدود مطار بغداد الدولي مقراً لها، تستخدم للقيادة والتحكّم والتحقيقات والمعلومات الاستخبارية. وبرغم هذا الوجود العسكري الأمريكي الكبير لم يحقق العراق أمنه وإستقراره,والأدهى من كل ذلك أن الرئيس الأمريكي ترامب يطالب العراق بدفع مليارات الدولارات بدعوى تحريره في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني , أنها دمرت العراق دولة وحضارة وأعادته إلى عصر ما قبل الحضارة . ولو أن هناك قدر ولو بسيط من العدالة في إطار ما يطلقون عليه " الشرعية الدولية " لوجب عليهم الإعتذار من الشعب العراقي أولا, واعادوا ما دمرته آلتهم الحربية الفتاكة وانصفوا ضحايا عدوانهم ثانيا .
وإذا كان مفهوما صمت الحكومة العراقية عن هذه الزيارة ربما لعجزها أولقلة حيلتها أو لعدم رغبتها بإثارة مشاكل مع راعي منظومتها السياسية لاسيما في هذه الظروف التي تواجه فيه تحديات مصيرية لا تهدد وجودها فحسب , بل ومجمل نظامها السياسي ومرتكزاته الأساسية , ولا يختلف موقف مجلس النواب عن حال الحكومة حيث إالتزم جميع أعضائه الصمت ولم ينبس أي منهم ببنت شفة على غير عادتهم وضجيهم الصاخب في وسائل الإعلام , إلاّ أن ما يثير الإستغراب حقا صمت متظاهري الإنتفاضة التشرينة المندلعة في الوقت الحاضر في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب إزاء هذه الزيارة المريبة في هذه الظروف , وإستهانة الإدارة الأمريكية بالعراق دولة ووطنا وشعبا , والتعامل مع العراق كولاية أمريكية تسرح وتمرح فيها على هواها . كان يمكن أن توفر هذه الزيارة فرصة للتعبير عن غضب العراقيين تجاه الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تسببت بدمار العراق ونهب ثرواته عبر حكومات فاسدة ومفسدة حظيت بدعمها ورعايتها, وحرمت شعبه من أبسط حقوقه بالتمتع بحياة حرة كريمة , ومزقت وطنا حرا وفتت مجتمعا آمنا ومستقرا , وزرعت فتنا تسببت بإزهاق أرواح بريئة . كان في الأقل المطالبة بإجلاء هذه القوات من أرض العراق . ليبقى العراق حرا سيدا في أرضه ووطنه دون وصاية أي أحد , خاليا من أية قواعد عسكرية وتأثيرات أجنبية وتدخلا بشؤونه الداخلية .
وثمة مسألة أخرى جدير بالملاحظة هنا , تأكيد نائب الرئيس الأمريكي من أربيل , دعم الإدارة الأمريكية للكرد بعامة وسلطة إقليم كردستان بخاصة في الوقت الذي تتمتع فيه سلطة الإقليم بصلاحيات واسعة جعلت منه دولة فوق الدولة العراقية , لها دستور ورئاسة وحكومة ومجلس نواب وعلم وقوات مسلحة, لها قوانين خاصة بها فوق القوانين العراقية حيث لا تسري في الإقليم سوى قوانينه, ويتمتع الإقليم بثروات الإقليم بمفرده في الوقت الذي يشارك العراق بثرواته بوصفه جزءا من العراق , كما يشارك الكرد في تولي مناصب حكومية رفيعة في الدولة العراقية وتصريف أعمالها بموجب نظام المحاصصة الطائفية والأثنية سيئ الصيت ويتدخلون في كل شاردة وواردة من شؤون العراق , بينما لا يستطيع أكبر مسؤول عراقي من إبداء أي مشورة أو تقديم رأي يتعلق بشؤون الإقليم فلا يستطيع نقل أو محاسبة ولو موظف بسيط في الإقليم . فأي قسمة ضيزى هذه , وهنا نقول أن العراق هو من يستحق الدعم والإسناد لوضع الأمور في نصابها الصحيح لبناء وطن حر ومستقل. وبرغم كل ما غنموه الإقليم من الدولة العراقية, ما إنفك بعض القادة الأكراد يهددون بالإنفصال عن العراق إذا لم تدفع الحكومة العراقية لهم هذه الجزية التي يرونها مستحقة لهم مقابل بقائهم ضمن الدولة العراقية,على الرغم من علمهم اليقين بإستحالة إنفصالهم عن العراق, لا الآن ولا في المستقبل المنظور لأسباب محلية وإقليمية ودولية . ولعل تجربة الإستفتاء الذي أجرته سلطة الإقليم قبل مدة والذي لم يستطع الإقليم المضي بتنفيذ أي من نتائجه وسط معارضة دولية واسعة عدا إسرائيل التي شجعته ودعمته ووظفت كل إمكاناتها لإنجاحه من منطلق سياستها الرامية لتفتيت دول المنطقة إلى دويلات وكانتونات طائفية وأثنية تكون لها الهيمنة عليها. وأخيرنقول لا يجدي نفعا الإتكاء على الأجانب مهما بلغت قوتهم بتحقيق المطالب الوطنية المشروعة , ذلك أن الشعب وحده هو مصدر القوة وأساس الشرعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة رائعة
طلال الربيعي ( 2019 / 11 / 26 - 11:57 )
شكرا جزيلا على المقالة الرائعة التي اتفق مع كل كلمة فيها!

اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص