الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلاشة

فاتن واصل

2019 / 11 / 27
الادب والفن


جلست في الحديقة المطلة على قصر عابدين، ليلة شتوية، الجو بارد مما جعل رعشة خفيفة تسري في جسدي، الحديقة نظيفة لا يرتادها الكثيرون.. مصابيحها ذات الاضاءة الصفراء تضفي على كل شئ ..الاشجار، الممرات المتعامدة، المقاعد الحجرية، أوراق الشجر وحتى ظلالها غلالة حزن شفيفة تنسدل هنا وهناك كشبح مخيم في المكان.
بعد برهة من الوقت نهضت لأمشي بين أحواض الزهور وأتلمس الدفء من الحركة.. مررت برجل يجلس على أحد المقاعد وحيدا، يضع ساقا فوق ساق وبدا لي نائما، فقد كان مطأطئا رأسه ويضع إحدى يديه على ساقه العلوية.. بعدما تخطيته سمعت صوت ارتطام جسم صغير ببلاط الممر فالتفتت خلفى ظنا مني أن هناك قلما أو شيئا من هذا القبيل قد سقط من حقيبة يدي، فلحظت مكعبا صغيرا قد سقط بجوار ساق الرجل الجالس على المقعد، فجال بخاطري أنه قد يكون سقط من يده أثناء نومه، ولذلك لم ينحن ليلتقطه.
عدت أدراجي وتناولت المكعب البلاستيكي والذي أظنه فلاشة من ذاك النوع صغير الحجم، ومددت يدي للرجل الذي لم يتحرك. إما انه أعمى أو مازال نائما على الأغلب، فلم يشعر بوجودي أصلا. ناديت وانا أمد يدي له : يا أستاذ ! إتفضل.
لم يتحرك أو يهتز كررت:
- إتفضل.
- أستاذ أستاذ..
وحين لم يستجب مددت يدي نحو كتفه أهزه برفق وبداخلي رعب وتوجس إذ ربما تكون حيلة للنصب أو السطو أو غيره. خوفي كان نابعا من كون الحديقة شبه خالية من المارة فلا يوجد سوى أم وطفلها الذي لم يتخط الثلاثة أعوام وشاب وفتاة في حالة حب وهيام ولا يشعران بما يدور حولهما.. صعقت لأن الرجل سقط علي الأرض بمجرد أن هززت كتفه .. صرخت :
- الحقوني الحقوني..
انتبه الشاب والفتاة على صوت صراخي وجريا نحوي وتبعتهما السيدة مهرولة بهلع تحمل طفلها كادت تتعثر، كما هرع آخر إلينا كان يمشي في الشارع حول الحديقة وحين بلغنا، انحنى على الرجل محاولا أن يستوضح حالته، أهي إغماءة أم مجرد سقطة ويحتاج الرجل للمساعدة لكي ينهض!!.
رفع رأسه تجاهي وسأل :
- تعرفيه ؟
فأجبته مسرعة:
- لأ
فقال بحزن:
- يبدو أنه مات.
فبادرته:
- يجب ان ننادي الاسعاف.
اتصلت بالاسعاف جاءوا بعد ساعة وعندما تفقدوه تبينوا أنه مازال حياً لكن نبضه ضعيف للغاية ونقلوه على الفور للمستشفى وطلبوا مني ومن الرجل أن نصحبه رغم أنني أكدت عليهم أنني لا أعرفه وليس لي به أي صلة، لكن أصرّوا فاستسلمت. كانت هناك حقيبة للأوراق بجوار مكان جلوسه على المقعد فحملتها كما لو كنت المسؤولة عنه أومن أحد ذويه.
في المستشفى أخرجوا حافظته وسجّلوا بياناته، يعمل بالتدريس. جلست في الممر خارج غرفة الكشف كما لو كان هناك ما انتظره.. فجأة انتبهت ليدي تطبق على شيئ، فتحت كفي فوجدت الفلاشة التي سقطت من الرجل، فتحت غطاءها بحركة تلقائية ، فلاشة عادية قد يكون مسجلا عليها دروس بحكم عمله، أغلقتها مرة أخرى ووضعتها داخل حقيبته التي مازالت معي.
تقرر إدخاله غرفة العناية المركزة وطلبوا مني أرقام تليفوناتي وعنواني، أكدوا أن هذا مجرد إجراء احترازي لحين أن يفيق من غيبوبته أوحضور أحد أقاربه.

خرجت من المستشفى أحمل حقيبته، وأتجهت لمنزلي شاردة فيما يجب أن أفعل حيال هذا الرجل، دخلت لغرفتي دون أن ألقي التحية على أمي التي مزقها القلق بسبب غيابي لساعة متأخرة من الليل دون إبداء أسباب على غير عادتي، لكنني تجاهلت أسئلتها. مر وقت لا أدري مداه، وفجأة تذكرت الفلاشة فقفزت من فراشي وقمت بتشغيل الكمبيوتر، ووضعت فيه الفلاشة . كان الفضول يجتاحني، وكأنني سوف أعرف عن الرجل المريض الذي أتحمل مسؤوليته ولو مؤقتا ما يكشف غموض ما حدث لي في تلك الليلة.
أي غموض ؟؟ رجل سقط مغشيا عليه وتصادف أني مررت بجواره في تلك اللحظة .. منتهى الحظ الطيب. كان من الممكن ألا يدري به أحد .. ماذا في ذلك؟ أنا فضولية ولا أعرف لما اجتاحني شعور بأن تلك الفلاشة تحمل بين ملفاتها سراً ما.

لم أقاوم كثيرا وفتحتها.. ملف به عشرة صور فتحتها، يظهرميدان على ما يبدو أنه في مدينة أوروبية لأن الضباب يغطي المكان، عدة لقطات من زوايا مختلفة للميدان نفسه، لا ألاحظ في الصور أي شيء غير عادي باستثناء الصورة الأخيرة، فقد زُرِع في زاوية من هذا الميدان بابا خشبيا ليس له علاقة بأي شيئ. الصورة تبدو مصنوعة، فوجود هذا الباب أمر غير منطقي على الإطلاق. انتقلت إلى ملف آخر على الفلاشة فوجدت داخله مستند فتحته، مكتوب فيه جملة واحدة يبدو أنها هي نفسها تتكرر ولكن بعدة لغات مبهمة وكان منها العربية فقرأت:

" هناك ينتظر .. مسددا ناظريه صوب الحقيقة بلا أمل ".

من هو ؟ وما الذي ينتظره ؟ أي حقيقة ؟؟؟ من هذا الرجل الراقد بالمستشفى وما الذي وراءه ؟
أسئلة حيرتني وسلبتني النوم .. فلم أغفو ولو لدقيقة في هذه الليلة.
في الصباح ذهبت إلى المستشفى لأتفقد الرجل وأطمئن إن كان هناك من عاوده من أقاربه لأسلمه الحقيبة وأخلي مسؤوليتي عن هذا الغموض. عندما وصلت إلى هناك وجدته قد فارق الحياة تاركاً إياي في ظلمة لن أنجو منها ما حييت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب