الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.. والنووية أيضاً تكافح تغير المناخ

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2019 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في مقال مهم للرئيس التنفيذي للجمعية النووية الكندية "جون جورمان"، الذى شغل قبل ذلك منصب الرئيس التنفيذي للجمعية الكندية لصناعات الطاقة الشمسية، كتب يقول بأن " الطاقة المتجددة يجب أن تتضافر مع الطاقة النووية لتأمين مستقبل منخفض الكربون"، وتحدث بأنه عندما كان الرئيس التنفيذي للجمعية الكندية لصناعات الطاقة الشمسية كان يعتقد أن الطاقة المتجددة لها مميزات تنافسية عدة من حيث التكلفة، بحيث يمكنها تلبية احتياجات الطاقة، حتى باتت من بين أرخص أشكال الطاقة في العديد من الدول حول العالم، ولكن على الرغم من النمو الكبير للطاقة المتجددة، فإن نسبة الكهرباء الخالية من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم اليوم لم تزد منذ عشرين عامًا، وهي متوقفة عند حد 36 ٪، وفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة IEA الأخير، بما فيها الطاقة المائية، والحرارة الأرضية، وطاقة المخلفات، ولا تزيد فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على 4%، وذلك لأن الطلب العالمي على الكهرباء في زيادة مستمرة، وغالبًا ما تحتاج مصادر الطاقة المتجددة إلى الدعم من مصادر الوقود الأحفوري. وفى وجود توجه لبعض الدول الآن لإغلاق المنشآت النووية القائمة قبل أوانها، أصبح علينا أن نواجه حقيقة واقعية وهي أن الطاقة المتجددة وحدها لا تكفي ببساطة لمعالجة أزمة المناخ، وخفض غازات الدفيئة خفضاً دراماتيكياً يتوقف عليه إنقاذ كوكب الأرض.

إن النظرة مفرطة التفاؤل بشأن مصادر الطاقة المتجددة قد أثرت على القرارات الرئيسية المتعلقة بمصادر الطاقة الأخرى، لاسيما الطاقة النووية، مما تسبب في إحالة بعض المحطات النووية الموجودة الي التقاعد في وقت مبكر، وايقاف الاستثمار في عديد من المشروعات النووية الجديدة، كما ساهم في منح الناس شعورا زائفا بعدم الحاجة إلى الطاقة النووية، وذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة.

ويتعين على العالم ألا ينسى أن الطاقة المتجددة، لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، هى طاقة متقطعة ومترجحة (لا تنتج الكهرباء إلا عندما تهب الرياح أو تشرق الشمس، ولا تنتجها في كل الأوقات بنفس القدر)، ولذا فهي يجب إقرانها بمصادر أخرى للطاقة لدعم الطلب، وهذه المصادر المكملة دائمًا ما تكون من أنواع الوقود الأحفوري. وفي ظل عدم وجود طاقة نووية كافية، تعمل الطاقة المتجددة على إطالة عمر المحطات القائمة التي يمكنها إنتاج الطاقة على مدار الساعة.

المسألة الحاسمة هي أن الطاقة النووية غالبا ما يساء فهمها إلى حد كبير من قبل صناع السياسة والجمهور العام، كما أنه لا يزال هنالك أشخاص يصدقون المغالطات والمفاهيم الخاطئة، يصدقون حتى الترويج الخائف المذعور من الطاقة النووية، بما في ذلك الادعاءات بأنها مكلفة، وخطيرة، وتنتج كميات كبيرة من النفايات المشعة.

لكن الحقيقة الساطعة التي يجب أن تصل للكافة هي أنه عندما تفكر في دورة حياة توليد الطاقة الكهربية النووية بالكامل، فإن الطاقة النووية هي واحدة من أقل مصادر الطاقة تكلفة. ذلك لأن اليورانيوم رخيص ووفير، والمفاعلات النووية - رغم أنها مكلفة في مرحلة البناء - تدوم لعدة عقود أطول من سائر أنواع المحطات، يضاف إلى ذلك أنها مصدر آمن للطاقة: الوقود النووي المستخدم صغير الحجم، ويتم تخزينه تحت أعلي درجات الامان، ولا يشكل أي تهديد لصحة الإنسان أو البيئة.

يخفق الناس في إدراك أن الطاقة النووية هي التكنولوجيا الوحيدة المؤكدة التي استطاعت أن تقلل على نحو كبير جداً من انبعاثات الكربون في دول عظمى، مثل فرنسا والسويد. ويمكننا دمج مصادر الطاقة المتجددة وطاقة الفحم مع الطاقة النووية، والبدء في تحقيق مستهدفات الطاقة لمستقبل أقل جداً في انبعاثات الكربون. لكن الأمر يتطلب بشدة تغييرا في الذهنية السائدة، والاستثمار الجديد في الطاقة النووية، وإعادة اكتشاف الطاقة النووية كحل للتكنولوجيا النظيفة للحد من الكربون الناتج عن نُظُم الكهرباء التقليدية، وحل أزمة المناخ حلاً نهائياً.

الحق أن العالم بحاجة ماسة إلى إطالة عمر المحطات النووية الموجودة بدلاً من إغلاقها قبل أوانها، وبحاجة إلى الاستثمار في التقنيات النووية الحديثة الجديدة، بما في ذلك المفاعلات الصغيرة، وبحاجة كذلك إلى استخدام الطاقة النووية إلى جانب تنمية مصادر الطاقة المتجددة، والتوسع فى طاقة الفحم، لتشغيل الشبكات الكهربية. وهذا هو المزيج السليم للطاقة لأي دولة في العالم!

ولقد استطاع قطاع الكهرباء المصرى - رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها مصر في توفير الطاقة خلال الفترة السابقة - اتخاذ العديد من الإجراءات والمبادرات والسياسات الإصلاحية لإحداث تحولاً ملموساً فى مستقبل الطاقة من أجل تأمينَ إمداداتِ الطاقة الكهربائية واستدامتها، وذلك ما تأكد في توجهات قطاع الكهرباء عند الإشارة إلى مشروع المحطة النووية بالضبعة، الذي سيؤدى دورًا جوهريًا فى تنويع مزيج الطاقة فى مصر، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، كما يضعها على عتبة تكنولوجية متقدمة تختزل سنينًا طويلة على طريق التقدم العلمى والتكنولوجى، ويؤدى دوراً خطيراً في الوقت ذاته في التضافر مع محطات الفحم الكهربائية لإحراز انخفاض دراماتيكى في انبعاثات غازات الدفيئة.

إن التغيرات العالمية التي من شأنها أن تؤدي إلى التحول فى منظومة الطاقة، التي سوف تتطلب تغييرا في شكل إنتاج واستهلاك الكهرباء، تعد من أهم التحديات التي تواجهها الدول كافة كنضوب البترول والغاز. يضاف إلي ذلك الطموحات الكبيرة للحد من ظاهرة الدفيئة العالمية، وتفعيل الأهداف 17 للأمم المتحدة للتنمية المستدامة. ويأتي على رأس هذه التحولات الانتقال من استخدام الشبكات التقليدية إلى الشبكات الذكية، والامتداد بالربط الكهربائي الإقليمى إلى الربط الكهربائى العالمى، ومن السيارات التقليدية إلى استخدام السيارات الكهربائية، ومن توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على النفط والغاز إلى الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، مدعومة وَمُسَاَنَدَة ومُقَوَّاه على نحو هائل بالمصادر النووية والفحم.

ويتعين على الجميع أن يتحركوا قبل فوات الأوان، حيث لن يمكننا ايجاد الحلول الحقيقية والعملية عن طريق الاستسلام لحلم مستحيل تمامًا يتمثل في الاعتماد كليا على الطاقة المتجددة، دون النظر إلى الوراء حينئذ والندم الكبير لأننا اتخذنا القرارات الخاطئة، فقد حان الوقت الآن للمتجددات مدعومة على نحو هائل بالنووية والفحم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع