الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسقاط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي في ضوء قانون المرور الجديد

سالم روضان الموسوي

2019 / 11 / 29
دراسات وابحاث قانونية


إسقاط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي
في ضوء قانون المرور الجديد
إن قانون المرور الجديد رقم 8 لسنة 2019 الذي أصبح ساري المفعول من تاريخ نفاذه في 5/10/2019 قد تضمن مفهوم جديد على المنظومة التشريعية العراقية ويتمثل (تسقط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي) أي عند وقوع الصلح والتراضي بين الجاني وبين ذوي المجنى عليه، وللوقوف على هذا المفهوم الجديد اعرض له على وفق الآتي:
1. إن الجديد في الأمر ليس لعدم وجود ما يماثله في التشريعات الجنائية العراقية، حيث ورد في قانون أصول المحاكمات الجزائية مفهوم الصلح الذي ينهي الشكوى وتصبح الجريمة كان لم تكن حيث يقرر القاضي غلق التحقيق نهائيا ورفض الشكوى على وفق أحكام المواد (194 ـ 198) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل، وذلك في الجرائم التي يقبل الصلح فيها وهي الجرائم التي لا تحرك الشكوى فيها إلا بناء على شكوى المجنى عليه والتي وردت حصراً في المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ رقم 23 لسنة 1971 المعدل وهذه الجرائم الموصوفة جميعها جنح والتي لا تزيد عقوبتها عن خمس سنوات، بينما ما جاء في المواد (36ـ 37) من قانون المرور الجديد رقم 8 لسنة 2019 هو إسقاط عقوبة السجن في الجرائم التي تشكل جناية لان عقوبة الجاني في تلك المواد تصل إلى حد السجن لمدة عشر سنوات، وهذا جعل من المفهوم أمراً جديداً على المنظومة التشريعية حيث اعتبر الجناية من الجرائم التي يجوز الصلح فيها لكن بشروط سأعرض لها لاحقا.
2. إن إسقاط عقوبة السجن بالتنازل والتراضي في الجرائم التي تندرج ضمن منطوق المواد (36ـ 37) مرور والتي تتعلق بحوادث الدهس المميتة فقط، أي التي يتوفى فيها المجنى عليه من جراء الحادث، بينما التي لا تسبب الموت وإنما الأذى البدني للمجنى عليه والتي تشكل جنحة فإنها لا تقبل الصلح بالتراضي أو التنازل ولا تسقط العقوبة فيها لان نص المادة (35) لم يرد فيها نص مماثل لما ورد في المواد (36 ـ 37) مرور بإسقاط عقوبة السجن عند حصول التراضي بين الجاني وذوي المجنى عليه، كذلك إن إسقاط العقوبة قد اقتصر على الحوادث المميتة فقط عندما جاء في النص إسقاط عقوبة السجن وليس إسقاط العقوبة مطلقا .
3. إن إسقاط عقوبة السجن لا يعني غلق التحقيق ورفض الشكوى لأنها في الأصل تحرك تلقائيا ضد الجاني ولا تعتمد على تحريك ذوي المجنى عليه ، وبذلك فان إجراءات إسقاط العقوبة تختلف عن إجراءات قبول الصلح في الجرائم التي يقبل الصلح فيها المشار وإليها في المواد (196ـ 198) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث ان الشكوى ترفض ويغلق التحقيق فيها، ويكون الأثر المترتب عن ذلك هو البراءة على وفق ما جاء في المادة (198) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي جاء فيها الآتي (يترتب على القرار الصادر بقبول الصلح نفس الأثر المترتب على الحكم بالبراءة.) بمعنى أن لا وجود للجريمة ولا تجري محاكمة الجاني ولا تسجل عليه في قيده الجنائي ولا تعتبر سابقة جنائية عليه، بينما إسقاط العقوبة يتعلق في العقوبة فقط ولا يسري على التجريم والادانة بمعنى إن الجاني يبقى قيده الجنائي مسجل فيه انه ارتكب جريمة على وفق المادة (36) او (37) من قانون المرور الجديد، لكن لا يتعرض إلى تنفيذ العقوبة سواء بالسجن او الغرامة لان وقوع التراضي او تنازل ذوي المجنى عليه قد اسقط العقوبة عنه، وهذا الموضوع يتشابه مع بعض المصطلحات القانونية الواردة في القوانين الجنائية النافذة أقربها مفهوم وقف العقوبة والعفو الخاص وسأعرض لوجوه الاتفاق والاختلاف بينهم على وفق الآتي وبشكل مقتضب:
‌أ. ان مفهوم إسقاط عقوبة السجن يتفق مع مفهوم وقف تنفيذ العقوبة من حيث عدم ذهاب الجاني إلى السجن لتنفيذ العقوبة، لكن يختلف عن وقف التنفيذ لان وقف التنفيذ الذي ورد في المادة (144) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد اشترط بان تكون العقوبة المقررة والمحكوم بها المدان لا تزيد على سنة واحدة، فإذا كانت أكثر من ذلك فلا يجوز وقف تنفيذ العقوبة، بينما في إسقاط عقوبة السجن في قانون المرور تكون العقوبة أكثر من ذلك وتصل إلى عشر سنوات، كما إن وقف التنفيذ يكون مقروناً بتعهد حسن السلوك ودفع تأمينات ومن الممكن ان يلغى ويعاد تنفيذ العقوبة بحق المدان مرة أخرى إن توفرت الأسباب الواردة في المادة (147) من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، أيضاً تكون مدة إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات يكون المدان مهدد خلالها بإعادة تنفيذ العقوبة إن توفر شرط من شروط استئناف تنفيذها وعلى وفق أحكام المادة (146)، بينما في إسقاط العقوبة فان أثارها تنقضي من لحظة النطق بالحكم بإسقاطها واكتساب ذلك القرار الدرجة القطعية ولا يخضع لضوابط وشروط وقف التنفيذ.
‌ب. إن إسقاط عقوبة السجن يختلف عن العفو الخاص، لان العفو الخاص قد ورد في المادة (154) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ومن شروطه أن يصدر بمرسوم جمهوري بينما قرار إسقاط عقوبة السجن في قانون المرور الجديد يكون بقرار قضائي من محكمة الجنايات التي تنظر في الدعوى، كما ان العفو الخاص يكون بعد إيداع المحكوم بالسجن والمباشرة بتنفيذ العقوبة لان العفو الخاص يأتي بعد الحكم ويصدر عن السلطة التنفيذية، بينما الحكم بإسقاط عقوبة السجن يكون مقترن بقرار الإدانة ولا يودع المحكوم بالسجن ولا يباشر بتنفيذ العقوبة وإنما يخلى سبيله فوراً من قاعة المحاكمة، فضلاً عن ذلك إن العفو الخاص يكون بتوصية من رئيس مجلس الوزراء إلى رئيس الجمهورية وعلى وفق أحكام المادة (72/أولا) من الدستور التي جاء فيها الآتي (إصدار العفو الخاص بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري.)
4. إن إسقاط عقوبة السجن في جرائم المرور التي تتسبب بوفاة المجنى عليه المشار إليها في المواد (36 ـ 37) من قانون المرور الجديد لا يكون إلا بعد إجراء المحاكمة وثبوت ارتكاب المتهم للفعل وصدور قرار بإدانته على وفق أحكام أي من المادتين المذكورتين وكذلك صدور قرار الحكم بالعقوبة وتحديد عقوبة المدان، ومن ثم يلحق بفقرة في قرار الحكم بالعقوبة ويقضي بإسقاطها استناداً للمادتين المذكورتين في أعلاه، بمعنى ان المتهم في هذه الجرائم لا يفرج عنه ولا تسقط العقوبة حتى اذا تنازل ذوو المجنى عليه او حصل التراضي بينهم في مرحلة التحقيق لان اثر هذا التنازل أو الصلح يكون بعد تحديد العقوبة وتكييف الفعل وقرار الإدانة يجب أن يكون على وفق المواد (36 ـ 37) من قانون المرور الجديد لان اسقاط العقوبة ورداً حصرا في الجرائم الموصوفة في المادتين (36 ـ 37) من قانون المرور الجديد وهذه لا تكون إلا في مرحلة المحاكمة وأمام محكمة الجنايات.
5. إن قرار إسقاط العقوبة بموجب قانون المرور الجديد لا يمحي الجريمة من سجل المدان الجنائي فيبقى مرتكب للجريمة ويكون لها اثر عند ارتكابه لأي جريمة أخرى باعتباره من السوابق الجنائية ، كما إنه لا يؤثر في تنفيذ العقوبات التبعية او التكميلية ان وجدت ومنها سحب إجازة السوق لان تلك العقوبات ترتبط بنوع الجريمة التي أدين بها فضلاً عن النص جاء على إسقاط عقوبة السجن فقط وليس العقوبات التكميلية او التبعية الأخرى
6. إن مفهوم إسقاط عقوبة السجن لا ينهض إذا ما جنحت محكمة الجنايات إلى إدانة المتهم والعقوبة عليه بالغرامة فقط لان النص صريح يتعلق بعقوبة السجن فقط ولا يسري على العقوبات الأخرى البديلة ومنها العقوبات المالية المتمثلة بالغرامة
7. إن قرار إسقاط العقوبة بالسجن لا يؤثر في عقوبة الغرامة التي تقررها المحكمة بالتزامن مع عقوبة السجن لان النص يتعلق بإسقاط عقوبة السجن حيث أجاز القانون في المواد (36 ـ 37) مرور لمحكمة الموضوع الحكم بالسجن أو الغرامة المالية أو بكليهما ، فان قضت المحكمة بالسجن والغرامة مع حصول التنازل والتراضي فان إسقاط العقوبة يرد على العقوبة السالبة للحرية دون الغرامة المالية.
8. إن أحكام القانون الجديد المتعلقة بإسقاط عقوبة السجن تسري على الحوادث التي وقعت قبل تاريخ نفاذه ولم يصدر فيها قرار حكم بالإدانة أو العقوبة أي قبل نفاذ القانون الجديد الذي أصبح نافذاً بعد انتهاء (60) ستون يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية التي نشرته في عددها المرقم 4550 في 5/8/2019 ويكون نافذ بتاريخ 5/10/2019 وان أثاره تسري على الوقائع والحوادث التي حصلت قبل نفاذه والتي لم يصدر فيها حكم على وفق مبدأ القانون الأصلح للمتهم الوارد في المادة (19/عاشراً) من الدستور والمادة (2/2) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
هذه بعض أوجه الاختلاف والشبه مع المفاهيم القانونية الأخرى التي تتشابه مع المفهوم الجديد الوارد في قانون المرور رقم 8 لسنة 2019 مع وجود أمور جديدة أخرى لا يسع المقام لشرحها ولبرما في مباحث لاحقه.
القاضي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعة العربية تدرس خطوات عزل مشاركة إسرائيل فى الأمم المتح


.. الجامعة العربية تدرس خطوات عزل مشاركة إسرائيل في الأمم المتح




.. لحظة اعتقال القوات الإسرائيلية شاباً فلسطينياً من محله التجا


.. مع نشره أجندة معادية لأوروبا والمهاجرين في بريطانيا.. من هو




.. فرنسا.. صعود أقصى اليمين بالجولة الأولى من الانتخابات يثير ق