الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
يوميات الحرب والحب والخوف (18)
حسين علي الحمداني
2019 / 12 / 1الادب والفن
احتفلنا بالذكرى الخامسة لأول رسالة تصل منها،في 22 فبراير،كنت في غاية السعادة وأنا أعيد رسائلها الكثيرة،ذات مرة قلت لها لدي أكثر من ثلاثمائة رسالة،كان ردها وأنا أكثر من ذلك،كنت أعرف إن رسائلي إليها تعدت هذا الرقم كثيرا، ربما كنت أكتب إليها يوميا،كانت بيننا يوميات حقيقية،رسائل لم تكتب من قبل،كل ما ينقصنا هو اللقاء،هذا اللقاء الذي ظل حلما يراودنا،دائما كنت أقول لمحمد حلمت إننا في تونس،يضحك ويقول تصور كنا أحلم أنا ايضا،ذات مرة شاركنا مثنى هذه الأحلام.
قلت لها تخيلي معي لحظة اللقاء،ها أنذا اقف أمامك،ربما أمسك يدك أو حتى أداعب خصلة من شعرك،بعد أيام وجدت رسالة كبيرة جدا في معناها،وجدت بداخلها خصلة من شعرها،كأنها تحقق لي حلم جميل،فكرت أن اضع هذه الخصلة في زهرية وأسقيها كل يوم لعلها تكبر لتصبح حنان التي أتمنى رؤيتها.
عندما قلت لها فكرتي،ضحكت وقالت أنت مجنون مجنون جدا،لكنني واصلت جنوني وكل يوم أمشط هذه الخصلة وأجدها تنمو،ذات يوم شاهدت فيها أنفا ماسيا،وشفاه تبتسم،وعيون تنظر في الأفق لعلها تنتظر طائرة قادمة من قارة أخرى.
هي أحلامنا التي من حقنا أن نبيح بها لبعضنا البعض،ومن حقها أن لا تتحقق،ربما هي أحلام مؤجلة،تحتاج لإزالة الكثير من المعوقات،أبرزها الحصار وصدام وربما نظامهم السياسي أيضا،خاصة وإن الحكام العرب يتشابهون في أنظمتهم الأمنية.
والشعوب أحيانا تتشابه لأنها تأخذ طباع الحاكم،ذات مرة قالت لي لو تصبح رئيس جمهورية أية وزارة تسلمني؟ضحكت وقلت لها وزارة الحب،فكرت إن الرقيب قرأ هذا وأنتظر ردي عليها،فكرت بذلك كثيرا.
عندما قلت لمحمد عن سؤالها،قال لي وأنا أية وزارة تعطيني؟ضحكت وقلت له شأن كل رؤساء البلاد العربية أول شيء يقومون به هو التخلص من رفاقهم.ضحك كثيرا وضحكت معه وقال أنت لن تفعلها،قلت له طبعا لن أفعلها لأنني لن أكون رئيسا للجمهورية.
في أحدى رسائلنا كنا نتخيل كيف نقضي على ألأمم المتحدة التي باسمها تعاقب الشعوب وأحيانا تشن الحروب،سيناريو مرسوم تناولته رسالئنا،كيف نقتحم هذا المبنى الكبير ونسيطر عليه،عندما حصلت أحداث 11 سبتمبر فيما بعد كانت حنان قد انقطعت تماما تذكرت هذه الرسالة وقلت ربما تفكر الأجهزة المخابراتية في الدول الكبرى بنا.
انقطاعها تزامن مع قرب نهاية الألفية الثانية،كنت أتمنى أن ندخلها معا،لكنني ها انذا أدخلها بمفردي مع كم هائل من الذكريات،فكرت ربما هي ألآن تجلس عن حافات البحر في نهاية ألفية وتنظر للأفق البعيد،في يوم ما طلبت منها أن تكتب أسمي على رمال البحر،فعلت ذلك وأرسلت لي صورة بكامرتها،البحر يبعد عنها بضعة أمتار،وألبحر يبعد عني آلاف الأميال،يا ترى أين هي الآن،ربما تزوجت،حاولت أن أسال خصلة الشعر التي بين يدي عنها،كانت صامتة لا تعرف ماذا تقول،عندما ألححت عليها بالسؤال،قالت أنا مثلك أبحث عنها.
في سبتمبر 2001 أعدت قراءة رسالة الأمم المتحدة، حملتها بين يدي وقلت لمحمد أظنهم سيعتقلوننا،ربما نسخة مصورة منها محفوظة لدى المخابرات ألأمريكية،ضحكنا معا وقال لي من الصعب أن تنسى هذه التونسية.
رائحة الحرب بعد عام من هذا بدأت تقترب مجددا من العراق،هذا البلد الذي لم تغادره الحروب،الحشود تتواصل وبوادر الحرب تقترب،هذه المرة الهدف إسقاط صدام،هل نتحمل حربا جديدة بأسلحة مخيفة،هل يمكن أن نتجنب الحرب؟قال لي أحدهم في حالة واحدة إن رحل صدام إلى خارج العراق. صعب هذا بل مستحيل في عقلية رجل حكم بقبضة حديدية.
قالت أمي وزوجتي كيف نستعد للحرب؟ضحكت وقلت ومتى كنا مستعدين للحروب،كل ما يمكن أن نفعله أن نخزن ما إستطعنا من أكل وماء ووقود للطبخ،ماذا يمكن أن نفعل لأمريكا هذه المرة.
بوش يمهل صدام ومعاونيه ثلاثة أيام لمغادرة العراق، خبرا أشبه ما يكون بان الحرب في اليوم الرابع،لا أحد يتوقع قبول صدام بهذا،خرج في التلفاز يرتدي بدلته العسكرية ويضحك، في اليوم الرابع وقعت الحرب،الحرب التي سقط في نهايتها صدام.
لم يصمد سوى أقل من شهر،لا أحد يعرف أين ذهب،شاهدنا سقوطه من التلفاز سقط تمثاله في ساحة الفردوس بيد الجنود الأمريكان،رمزية هذا التمثال وسقوطه فتحت شهية البعض لتهديم آلاف الصور الكبير له في أغلب المدن العراقية،كنا أبناء كشكين نحمي المصرف والمستوصف،لم يكلفنا أحدا بذلك.
خالي الذي حكم عليه بالسجن أصبح في اليوم التالي لسقوط النظام مختارا للمحلة،خالي الذي وقع في ألأسر عاد لنا في اليوم الرابع لسقوط النظام،تمنيت أن يعودوا جميعا،بقينا نترقب القادمين من منافيهم.
دخل الأمريكان مدينتي ليلا،كنا نقف عند حافة الشارع نرى رتلهم شخص بجانبني قال نستطيع مقاتلتهم لكننا ننتظر أوامر السيد فلان،نظرت له وضحكت،هذا الشخص كان شيوعيا ثم تحول بعثيا،وها هو اليوم يحاول أن يتقمص فكرا آخر.
في اليوم التالي هذا الشخص كان يزور خالي العائد من منفاه،حضنه وقبله وقال له خلصنا من صدام،ضحك كل من كان موجودا،وبدأنا نهمس فيما بيننا،أحدهم قال فيما بعد هؤلاء يجيدون لعب الأدوار لكل مرحلة.
عدنا للمدارس لتكملة العام الدراسي،تسلمنا أول دفعة مالية كانت خمسون دولارا،الكثير منا لم يكن قد شاهد الدولار من قبل،الكثير منا اشترى في ذلك اليوم دجاج مشوي وببسي وموز،كنت من أولئك الذين حمل بين أيدهم هذه الممنوعات.
سألني الأطفال عن هذا ألأصفر؟قلت لهم موزا،لم يفهموا ذلك وفكروا كيف يتناولونه،هل بقشوره أو غير ذلك،شرحت لهم العملية.
لم تكن لدينا حكومة،بريمر شكل مجلس حكم،وأصبح راتبي ثلاثمائة الف دينار عراقي ما يعادل اربعمائة دولار،أشتريت ثلاجة وضعنا فيها جبن بأنواعه ومربى،بقيت الليل كله كلما إستيقظ أفتحها لأرى مصباحها الجميل.
الراتب الثاني أخذنا تلفاز وستلايت،بقينا لوقت متأخر نجلس امامه،أحد ألأطفال رفض النوم،أقنعته إن هذا الجهاز ملكا لنا يمكنك مشاهدته في الصباح أيضا.
سارت الأمور هكذا بإنتظار الإنتخابات التي وعودونا بها،لا أحد يعرف معنى الإنتخابات لم نشارك من قبل بممارسة كهذه،كنت في صيف 2004 بدأت بناء بيتي الذي طالما حلمت به،كنت سعيد جدا وأنا أنظر للبداية.
محمد أيضا بدأ ببناء بيته،آخرون فعلوا ذلك أيضا،كانت البداية لنا جيدة في هذه المرحلة، أحس الكثير منا بالتغيير.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال
.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ
.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال
.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا
.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك