الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براميل متفجرة وطناجر مطبخ

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


بعد رحيل آخر القوات الحكومة عن مدينة إدلب ظهر يوم السبت 29/3/2015 أصبح نصف مليون إنسان مثل طيور حمام أضاعت اتجاهها, ترتجف خوفاً وتموت رعباً من صوت هدير الطائرات الحربيَّة, والقذائف الصاروخيَّة, وتساقط شبابيك الجيران على شبابيك الجيران.

أغار الطيران الحربي أول مرة مستهدفاً بعد منتصف ليلة الأحد 30/3/2015 مشفى الهلال الأحمر في قلب المدينة بصاروخين أحرقا المشفى بمن فيه. في الصباح الباكر ذهبتُ إلى ما كان مستشفى الهلال الأحمر وسط ساحة بازار المدينة، كان المشهد مُرعباً كيف نظرت.

في الأسبوع الأول من شهر نيسان عام 2015 أحصيتُ أكثر من خمسين غارة جوية بصواريخ مختلفة القوة والتدمير. وكنتُ أذهب في الفجر لموقع الاستهداف الليلي لرؤية هول الدمار. تساءلت حينها بماذا كان يفكر القائد العام للجيش والقوات المسلحة عندما أمر الطيران الحربي بقصف المشفى الوطني والمراكز الطبيَّة في مدينة إدلب؟

هرول الناس من المدينة-المؤيد والمعارض- إلى القرى والمزارع والبساتين حول المدينة حاملين ما تيسَّر من حاجيات ضرورية وافترشوا الأمكنة التي وصلوا إليها, أرض جدك أرض جدي لا فرق. وكان الربيع في أول تنفسه ما يزال, وبراري إدلب خالية لا فيها حياة ولا ما يؤكل. وبدأت المجزرة, كانت الطائرات الحربية تصبُّ حمم صواريخها على المدينة, ثم تبعها الطيران السمتي ببراميله وصهاريجه وحاوياته المتفجرة. ثم تبع هذا الكلّ الطيران الحربي الروسي وصواريخه الارتجاجية. وحين تجتمع كل أنواع الطائرات بكل أنواع الطائرات في سماء مدينة إدلب تكون المجزرة مضاعفة و أشلاء البشر على مدّ النظر.

في ملجئ تحت الدرج نسمع هدير الطائرة المروحيَّة على علو شاهق تأتينا على مهل من فوقنا. يا الله إلى أين نروح؟ نتسمَّر في أماكننا, ها قد وصلت فوق المدينة, وها هي تُلقي حمولتها فنسمع هديراً يشقُّ الهواء الساكن شقاً, تشطره شطراً, نسمع صفيراً كصوت عاصفة من ريح صرصر, على من ستسقط هذه الكتلة المتفجرة الهوجاء العمياء؟ وكم ثانية من الوقت حتى تصل الأرض؟ من يعرف ذلك في ليل المدينة البهيم.

كُنا نراقبها حين سقطت كتل الاسمنت تلك التي تزن أكثر من طنين, لا نراها حين سقوطها في الليل بل نسمع صوتها, ومن سمع ليس كمن رأى: كتلة اسمنتيَّة ساقطة من طائرة سمتيَّة حربيَّة تُحلِّق في سماء المدينة على علو أكثر من خمسة كيلو مترات, وأنت تحتها, يُلقيها صاحب ذلك الخيال الباذخ, فتهمد الأبنية همداً بمن فيها. ونقول من شفاه ابيضَّت من الرعب: كيف تحتمل قلوب البشر هذا التسونامي من الخيال المُرعب؟ و من اخترع هذه الفكرة الجهنميَّة؟ هل كان يشرب وسكي اسكتلنديَّة, أم هذه خيالات حشيش؟ هل نحن في محششة, في غرزة عسكريِّة على حدِّ تعبير أهل مصر؟ هل يُعقل أن جنرالاً في الجيش يقول لعناصره: استعملوا هذه الكتل الاسمنتية ضد "الارهاب" بعد أن نفذت ذخيرته من البراميل المتفجرة. كيف تفتق خياله عن هذه الفكرة الخياليَّة؟ كتل اسمنتيَّة يُسقطها على البشر, ليقتل "الارهاب". أنت لا تصدق ما أقول أيها القارئ الكريم. نعم معك كل الحق، وتسأل هل هي منصفات الشارع الأسمنية المسلحة بالحديد التي تشطره إلى نصفين يمين ويسار، نعم إنها هي، اسقطتها الطائرات المروحية فوق مدينة إدلب. إنها فكرة عصريِّة لم تحصل في التاريخ الحديث.

لي ملحوظة هُنا:

لا بد من شرح ما نعنيه بالبراميل المتفجرة -لمن لا يعرف- وهي فعلاً تحتاج إلى شرح لأنها غير الألغام البحرية التي تُسقطها الطائرات المروحية فوق رؤوس الخلق و قد انفجر أحدها في الجو قبل وصوله للأرض في منطقة "الضبيط" عند جامع الفرقان في مدينة إدلب و استُشهد بشظية منه صديقنا "حنا حكيم" بعد عصر يوم الثلاثاء 11/8/2015. أربعة أنواع من هذه البراميل ومواقع سقوطها في مدينة إدلب:

أخطرها الصهريج المتفجرة. خزَّان الماء؟ نعم هو ذاك الذي يجره التركتور الزراعي ويتسع لخمسة آلاف ليتر. يُعدَّل ويُحشا بما تيسر من متفجرات و تحمله المروحية ربطاً بالحبال وتتجه صوب هدفها في اللامكان. يقول المثل عندنا في إدلب "يا حجرة ربي وين ما طبيتي طبي" وكذلك الأمر مع هذه الصهايج التي تحمل قوة تدميرية هائلة. سقط أحدها فوق بناية "أم الياس" من أربعة طوابق فأزالها من شروشها مع جيرانها وأهلك نصف الزقاق في حي الثورة عند مكتب وردان بدلة العقاري. أما الصهريج الذي وقع في حارة بستان " آل الرَّنة" إلى الشمال من "بن الأحلام" فكان حُلُماً بقوة "سبعة" على مقياس ريختر للزلازل.

النوع الآخر برميل مصفَّح أكبر من برميل النفط بقليل يُعمل له أربع عجلات معدنية ثمَّ "يُدكُّ" بأنواع المتفجرات وبفتيل اشعال ظاهر ويُحمل في بطن المروحيَّة وقد تحمل أكثر من واحد وتتجه صوب مسرح العمليات لتولد هُناك. سقط أحدها على الرصيف الشرقي بين القصر العدلي والمحافظة ولم ينفجر ولكنه تمزق وبانت أحشاؤه. وقد كان موجوداً في المكان حين غادرتُ المدينة في رحلة الرحيل إلى شاطئ بحر إيجة آخر شهر تشرين الثاني عام 2016.

النوع الثالث حاويات الزبالة – يعرفها الجميع- تُصفَّح الحاوية المعدنيَّة من جديد بالحديد وتُحشا بالمتفجرات حتى تُغشى, ثمَّ تُحمل ربطاً بالحبال إلى مكان التنفيذ وترمى هُناك على الخلق. سقطت أحداها على كتف حارة بيت "آل عبيد" خلف المصرف المركزي في الحارة القبليَّة فأهلكتها. وكنا نشاهد من سطوح بنايات مدينة إدلب سقوط الحاويات المعلقة بالحبال في المروحيات الحربية على أختنا مدينة أريحا التي تبعد عنا عشرة كيلومترات.

النوع الرابع أنابيب جر الماء من معدن "الفونط" بطول متر أو مترين قياس عشرة إنشات أو تزيد حسب المتوفر. تُسدُّ من طرفها وتُدك بما تيسر من بارود وقطع حديد ويُختم طرفها الثاني بالحديد وتترك فتحة ليخرج منها فتيل الاشعال. يٌشعل هذا الفتيل بجمر السيجارة ثم يُرمى من الطائرة المروحية على الخلق. وهو أخطر حتى من القنابل العنقودية التي ترميها الطائرات الحربية الروسية على براري وطرقات مدينة إدلب.

براميل متفجرة وطناجر مطبخ على BBC News:
https://www.youtube.com/watch?v=Sz__WzLRPo4
تقرير قناة الجزيرة:
https://www.youtube.com/watch?v=k1nS9Aq-Zs4








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلام في أوكرانيا.. بين خطة زيلينسكي وشروط بوتين


.. زيلينسكي: مقترحات السلام ستقدم إلى روسيا بمجرد أن تحظى بمواف




.. غزارة الأهداف تتواصل لليوم الثاني في #يورو_2024 هل هي دلالة


.. محللون إسرائيليون في الإعلام يطغى عليهم اليأس لانعدام خطة تت




.. إصابة 10 أشخاص بإطلاق نار عشوائي في ديترويت