الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستحمار الإيراني

جعفر المظفر

2019 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لا أدري من إخترع كلمة (الإستحمار) لتوضيح كيفية إستلاب عقل الإنسان وتحويله إلى مجرد حيوان أقرب للحمار منه إلى الإنسان, لكن الذي أدريه أنها ترِد حينما يكون هناك حديث عن كيفية إستعمار الإنسان لنفسه وذهابه إلى مسح ذاكرته وبرمجتها بما يكفي لتحويله, وهو (خليفة الله على أرضه) إلى مجرد دابة بليدة.
بكل تأكيد الشيعة ليسوا وحدهم من يعاني من هذا المرض الخطير. الوهابيون على الجهة السنية أظهروا قدرات لا توصف لتحويل, خليفة الله على أرضه, إلى مجرد بهيمة مبرمجة حرفيا للقتل البشع, فكانت القاعدة وكانت داعش, وسيظل المعمل الوهابي الحنبلي مفتوحا لإنتاج المزيد من البهائم القاتلة.
بشكل عام يسجل لرجال الأديان أنهم أول من أسس لعلم البرمجة وأنظمة البرمجيات حينما عطلوا عقل الإنسان وحولوه إلى مجرد آلة تتحدث بما يريدوه وتعمل لمايريدوه.
ولسوء حظ للعراق أن تكون إيران جارته.
لكن تذكروا أن الإيرانيين هم الذين كانوا قد إشتكوا بدايةً من هذه الجيرة.
فبعد أن حطم المسلمون إمبراطورية فارس العظمى وألحقوا أرض فارس بأراضي الدولة الإسلامية العربية, أتوقع أن ثمة إيراني قد قال وقتها (لقد إستحمرنا العرب) بدلا من أن يقول (لقد إستعمرنا العرب).
وقد كان بمقدور ذلك الإيراني أن يشرح كيف أن الإسلام قد مسح العقل الوطني والقومي الفارسي ثم قام ببرمجته إسلاميا بشكل جعل (الإستحمار العربي) لبلاد فارس يبدو وكأنه إرادة ربانية.
وأتخيل أن الإيراني الوطني أو القومي, وهو يرى إمبراطوريته العميقة تنهار على يد (العرب المسلمين "البرابرة") قد تمنى في تلك الفترة لو أن العراق لم يكن جاره.

لقد دخل العرب المسلمون والعراقيون إلى إيران من باب الإسلام, أما الإيرانيون فقد دخلوا إلى العراق والعرب من نافذة المذهب, ووجد الشيعة بشكل خاص أنفسهم (مُستَحْمَرين) من قبل إيران.
كان المذهب الشيعي بكل تفرعاته عربيا في الأصل, لكن إسماعيل الصفوي كان ذكيا بما فيه الكفاية لكي يعلن نفسه خليفة للشيعة في صراعه مع الخليفة التركي الذي إدعي إنتسابه للمذهب السني.
وواحدة بواحدة يا سيدي الثعلب, بالأمس إستحمرتمونا بواسطة الدين واليوم نستحمركم بواسطة المذهب.
أما الفرق بين الإستعمار الإنكليزي والإستعمار الإيراني للعراق أن الآول كان (إستعمار) أما الثاني فهو (إستحمار).
في الأول كان هناك إحتلال للأرض أما في الثاني فصار هناك إحتلال للعقل والروح والإرادة.
ربما يقول لي أحد قيادي النظام المُسْتَحمَر في العراق .. عن ماذا تتحدث يا رجل. تعال إنظر بنفسك. الإيرانيون لا يملكون قواعد عسكرية إيرانية في العراق مثلما يملكها الأمريكيون, وبإمكانك أن تحاسبنا لو رأيت جنديا إيرانيا واحدا على أراضينا, لكني سأرد عليه .. إن إيران يا رجل لا تحتاج إلى جنود ومعسكرات. جند حزب الله وجند عصائب الحق وقوات بدر وما شابه من أسماء غير حسنى, كلهم جنودا إيرانيين. إن إيران ليست بحاجة إلى أن (تستعمر) العراقيين لأنها (إستحمرت) السياسين من شيعته فصار العراق كله لها, ودونما حاجة إلى جنود ومعسكرات.
(الإستحمار) هو أقصى أشكال الإستعمار تأثيرا, إذ حين يستعمر الأول الأرض فإن الثاني يستعمر الإنسان. وفي السابق خاض العراقيون نضالا طويلا من أجل أن يخرجوا المحتل الإنكليزي من أراضيهم وكانت هناك معارك طويلة وعنيفة أهمها ما حدث أثناء ثورة العشرين.
اليوم المعركة الأشد للعراقيين من الشيعة هي ضد الإستحمار الفارسي للنفس العراقية.
وقد قلت في مقالة سابقة .. لا تهتموا فقط بالنتائج المنظورة التي تتطلع ثورة تشرين لتحقيقها بل إنظروا للنتائج غير المنظورة التي حققتها بالفعل.
الواقع أن شباب التحرير في بغداد والبصرة وذي قار وكل مناطق الجنوب والوسط الشيعي يخوضون معركتين في أن واحد ..
معركتهم الآنية ضد النظام والتي تستهدف تغييره بآخر يمكن لبنيته أن تنتج العدالة والكرامة ولقمة العيش والإستقلال والتطور.
ومعركتهم التاريخية ضد الشيطان المذهبي الطائفي الذي سكن عقولهم ونفوسهم لفترة قرون طويلة وجعلهم مشروعا سهلا للإستحمار.
وربما لا تستطيع معركتهم الأولى تحقيق النصر الناجز للتحرر كاملا من نظام العار.
لكن معركتهم الثانية قد مشت خطوتها التاريخية الأولى بإتجاه الخلاص من الإستحمار الإيراني لإنساننا العراقي.
أما العراق فخلاصه يبدأ من ذلك. وحينما ينادي شباب الشيعة إيران برة برة فإن عليهم أن يدركوا أن ذلك يبدأ حقا بإخراجها من نفوسهم أولا.
وليست هذه دعوة لخروج الشيعي على شيعيته ولكنها بكل تأكيد دعوة لكي يتخلص الشيعي من كل فكرة مذهو سياسية ومن كل مؤسسة دينية تتعارض مع فقه الدولة الوطنية العراقية المستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة تشرين
نضال إسماعيل محمد ( 2019 / 12 / 3 - 13:25 )
عاش قلمك أستاذ جعفر على هذا المقال
دائما تصيب الهدف الحقيقي

شكرا وارجو الاستمرار بكتابة هذة المقالات القصيرة والمركزة والهادفة والبسيطة بأسلوبها ولكنها عميقة بمحتواها مما يجعل تأثيرها أوسع على الجماهير


2 - ثورة تشرين
نضال إسماعيل محمد ( 2019 / 12 / 3 - 13:35 )
عاش قلمك أستاذ جعفر الذي دائما يصيب الحقيقة

شكرا