الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قول حول الانتخابات الأخيرة في تونس: الصدمة و الحقيقة التي تأبى النكران

عمران مختار حاضري

2019 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


قول على هامش الإنتخابات الأخيرة في تونس :
الصدمة و الحقيقة التي تأبى النكران... !
... هناك حقيقة يجب أن نعترف بها وهي أن الأشرار دائما يتحدون، ويقفون صفا واحداً، رغم ما في نفوسهم من أنانية و كراهية لبعضهم البعض، أما دعاة الخير فهم عادة متفرقون متنافرون وهذا سر أساسي في ضعفهم ...
و هذا ما يمكن استخلاصه كذلك في ميدان السياسة أيضا حيث نجد يمينا بمختلف تمثلاته ، أكثر وحدة وتماسكا رغم ما يضمره من عداء للشعب والوطن... !
و يسارا اغلبه يعاني التشتت و التشرذم و التنافر و الانعزالية و المكابرة ، رغم تنوع تجاربه ومسار نضالاته و تضحياته الجسيمة انتصارا للشعب والوطن و القيم الإنسانية العادلة في كافة مفرداتها... !
و هذا راجع لعدة أسباب بأبعادها الفكرية و السياسية و التنظيمية... لكن ربما أبرزها يعود إلى الترهل الفكري و اللبرلة و الاكتفاء باللعب في المربع المتاح حسب شروط اللعبة الديمقراطية الشكلية دون الحرص على توفير شرطها الاجتماعي و من ثمة الانحسار في الجانب السياسي و إهمال الجانب الاقتصادي والاجتماعي الذي بفضله يتقلص الانفصام على الواقع وتعزز الروابط مع الطبقات الاجتماعية التي تعاني القهر و الظلم و الحيف الإجتماعي ... و ربما لعدم القدرة على فهم الواقع و أولوياته و من ثمة التأخر في اقتناص اللحظة التي تصنع التاريخ و التقدم و ترك باب السماء مفتوحاً ، ليتسلل هذا الكم من الظلام و التخلف و العدوانية في جميع المستويات ... !
فالشعوب تصنع أمجادها و تضرب موعداً مع التاريخ و التقدم و تصنع أجيالا جديدة ... إلا نحن نعيد إنتاج القديم منتهي الصلاحيه من كهنة المعبد و كهنة السوق على حد سواء ، في نسخ رديئة بالية متكلسة مشوهة، معادية لتطلعات الشعب و الوطن، كالتي افرزتها على سبيل المثال الإنتخابات الأخيرة في تونس... !!! والتي خلفت صدمة في أوساط اليسار خاصةً بمختلف أطيافه و مشاربه الفكرية... و هو ما يتطلب من اليسار الثوري و التقدمي الناهض بوجه عام كي ينهض و يتقدم، أن يعي الصدمة و يتحصن باليقظة و الإنتباه على الدوام و رفض الانسياق وراء أنصاف الحقائق و أنصاف الحلول و الأفكار ذات المنحى التبريري و الشائعة باستمرار... ! و هذا لا يحدث دون توسيع المعرفة و التقييم الجريء و البنناء ... و إعادة طرح الأسئلة و تنقيح و ترتيب المواضيع الحارقة وصولا إلى إجابات قد تقود إلى اسىءلة جديدة و حلول جديدة من أجل التقدم و النهوض لأن عدم القدرة على قراءة اللحظة يرتب فشلا جديداً و يفضي إلى صدمة جديدة... !!! العديد من الأسئلة تفرض نفسها منها أساساً :
* لماذا لا يتقدم اليسار رغم إخفاقات اليمين المتوالية !؟...
* لماذا سبل التوحيد أكثر يسرا في ظل الديكتاتورية منها في مناخ الحرية النسبية و العمل العلني !؟
* لماذا يرهن اليسار نفسه للصندوق على أهميته فيما تكون الأولوية للشارع في ظل ظروف ناضجة موضوعيا !؟
* لماذا عدم تخطي العفوية و المرور من ردة الفعل إلى الفعل و من الدفاع إلى الهجوم !؟ و قيادة الحراك الشعبي صوب التغيير الجذري المنشود الذي يطال كلية المنظومة القديمة...! هذه المنظومة القديمة التي تسعى إلى السيطرة على مفاصل الحكم من خلال " التوافق" بين الإسلام السياسي و حلفائهم من المنظومة القديمة المرسكلة والتي ثار ضدها الشعب و انتهت برحيل بن علي و هذه " الأيديولوجية التوافقية" التي يجري اعتمادها و الترويج لها منذ سنوات و الممعنة في إعتماد نفس السياسات والخيارات المازومة العدوانية التي تذبح المقدرة الشرائية للمواطنين و تعتدي على أسباب عيشهم و تتوخى سياسة" تقشفية" مقيتة، طبقا لاءملاءات صندوق النقد الدولي و تتوغل في المديونية الخارجية و تضرب مؤسسات الدولة المنتجة عبر الخصخصة و تفكك ما تبقى من بعض مكاسب الرعاية الاجتماعية و الصحية... الغرض الاساس من هكذا توافق هو العمل على إجهاض الثورة و مطالبها و تلويث الوعي بشعارات شعبوية تظليلية خاوية من أجل إخفاء الصراع الاجتماعي و تجاهله خدمة لاستراتيجية سيطرة راس المال حيث تسعى إلى نقل الصراع و التناقضات الاجتماعية الحقيقية من مجالها الحيوي إلى مجالات أخرى هاشمية و ثانوية ذات بعد ثقافي عابر للتاريخ مثل الصراعات " الهووية" و التفتيش في ضمائر الناس و غيرها من المساءل الثانوية المتنوعة والتي لا تستجيب لمطالب الشعب و تطلعاته المصيرية في الشغل و التعليم و الصحة و المواطنة والمساواة و السيادة و في مقدمتها السيادة على الثروة... لذلك يتوجب على اليسار المناضل و التقدمي الناهض بشكل عام و اليسار الثوري تحديداً الاستعداد الفكري و السياسي و التنظيمي جعل مسألة التقييم الجاد على رأس جدول الأعمال و الإستفادة من التجارب بسلبياتها و إيجابياتها من أجل وعي ارهاصات الواقع و التحديات الراهنة و تحديد استراتيجية واضحة و تكتيكات و بداءل مناسبة و التهيؤ لقيادة الحراك الشعبي الذي لا مفر منه و توجيهه صوب التغيير الجذري المنشود...
لأن منظومة قطبي اليمين الليبرالي لا تملك الحلول للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المزرية للطبقات الشعبية باعتمادها نفس المنوال التنموي القديم منتهي الصلاحيه و نفس الخيارات القديمة الفاشلة التي اكتوى الشعب باثارها التدميرية لعقود و أن الشعب لن يستكين و يهدأ و لن يكون هناك إستقرار إلا بتحقيق المطالب الشعبية الإقتصادية والإجتماعية أولاً و أخيراً ... و أن الشعب لما يحتج و ينتفض محركه الأساسي هو أوضاعه المعيشية المزرية والأزمة الحادة التي لم يعد يحتمل التعايش معها و هو لا يملك ترف النزول إلى الشارع و لن يهدأ مهما كانت نتائج الصندوق التي تحمل شبهة التزوير في ظل هيئة إنتخابية على المقاس و غياب محكمة دستورية و إعلام موجه و مال سياسي فاسد متدفق و تغول في الجهاز الإداري... لكن باعتقادي المتواضع هناك عوامل أخرى أكثر خطورة و عمقاً جعلت اليسار يتردى في هكذا وضع لا يتناسب و حجمه و تجاربه و نضالاته و تضحياته لعقود...! لكن ومع هذا يبقى اليسار الثوري و التقدمي الناهض طوق النجاة و الامل المشرق للغد الأفضل ... !
المهم أن نطرح الأسئلة دون عقد و نفكر بعمق و جدية و نعترف دون مكابرة و تبرير بعدم القدرة على كسب تحدي الإنتشار و كسب قاعدة شعبية قادرة على كسر الاستقطاب الثنائي بين قطبي اليمين الليبرالي بوجهيه الاسلاموي و الحداثوي الشكلاني المشوه...
و أن هناك اخلالات و صدمات و الإعتراف أول طريق للعلاج... !

عمران حاضري
30/11/2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل