الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تصدّقوا...
هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث
(Hashem Abdallah Alzben)
2019 / 12 / 3
حقوق الانسان
في التعاليم الدينية الصدقة تُطفئ غضب الرب وتجلب الحسنات العظيمة لصاحبها الذي يتنازل بطيب خاطر عن جزء يسير من ماله لصالح الفُقراء والمساكين، بإختلاف درجات حاجاتهم وفقرهم، من المُشردين والمُعدمين والمُتسولين إلى الذين يقتربون من خط الفقر، ويكادون يلمسونه، لكنهم يبقون كذلك لا هم من هؤلاء ولا من هؤلاء، فما نقص مالٌ من صدقه!
"خط الفقر" وهو الحد الفاصل بين طبقتين رئيسيتين؛ فقراء، أغنياء، هذا الخط يختلف من مجتمع(بلد) لآخر،
وكذلك "حتماً" لا تتماثل الطبقتيّن في التعداد، ففي طبقة الأغنياء القليلة أصلاً، هُناك طبقة خاصة تُعتبر "أقليّة"، هذه الأقلية مُترَفة وغارقة في النعيم والبذخ، وهي في المُجتمع ترتفع عن الآخرين، وتنعزل عنهم خلف أسوار القصور الفخمة، وفي تلك القصور يعيش أولئك الأفراد حياة خاصة وغريبة جدًا،
وغالباً تلك الأقلية تحكم الأغلبية الفقراء وأغنياء على مضض، أو أغنياء مع عدم الاستقرار.
في مجتمعات الإستهلاك، الجميع يتأثر بثقافة "الظهور بمظهر الغنيّ المُترف"، ويتسابق الأفراد في تنافس سطحي ومظهري، يتمحور حول المُقتنيات المادية،
الفقر جوهري داخلي، بينما الترف والغنى سطحي خارجي، فتجد من لا يمتلك تكلفة غداءه يقتني أحدث هاتف ذكي، وسيارة حديثة بالطبع وملابس إن لم تكن من ماركات عالمية فهي أنيقة جدًا ولابد أن تكون من الموضة الدارجة... وهكذا يعيش الفقير عيشة الغنيّ، مع شعوره العميق بالفقر والحاجة!
هذا الشعور يُخففه إقتناء "أشياء الأغنياء" ولو القليل منها. ويتراجع الشعور بالفقر للوراء، لكنه يبقى موجود وحيّ.
وهُنا سأتحدث عن جُزئية ترتبط بهذه الثقافة الإجتماعية التي تجذرت وتعمّقت في وجدان الإنسان الحديث، والذي يرزح تحت وطأة الإستهلاك وقيمة المادة والمظاهر، جُزئية الحاجة العاجلة والدائمة لصدقة الناس وإحسانهم؛ من ذوي الحاجة المادية الدائمة(مُشردين، ومُتسولين) وهؤلاء أقلية من طبقة الفقراء، إلى الأغلبية المُعرضين دائماً لإنكسار مادي يرتبط بحاجات أساسية، كطالب جامعي لم يستطع تأمين تكلفة فصل دراسي، ومريض بحاجة عملية جراحية عاجلة باهظة التكلفة، وعائلة تعرض منزلها لخراب مُفاجئ... الخ.
بات من المألوف والعادي جداً، مشهد رجل كهل يتوسد الرصيف على قطع من الكرتون، وشاب فقد إحدى أعضاءه الجسدية، ويبيع علك أو أي شيء على رصيف في سوق شعبي، أو امرأة مع وليدها تجلس على درجات نفق مُؤدي لمجمع باصات، وتستعطي المارة، وعلى إشارات المرور لابد ستجد "مُنقبة" بهت لون نقابها الأسود، تتوسل السائقين إعطاءها ما تجود به نفوسهم...
والألفة مع هذه المشاهد اليومية، هي مُؤشر خطير لتبلّد في المشاعر الإنسانية نتج عن تكرار للمشهد، مما يؤدي لقبول ضمني لهكذا واقع صار "عادي وطبيعي"!
المجتمعات الحديثة مثلما أسلفت تخضع لثقافة إستهلاكية عنيفة، تتفاوت في درجاتها بين البلدان، ويبدو بأن عالمنا العربي قد غرق تمامًا في هذه الثقافة، أولًا؛ لأننا نعيش في دول نامية/مُستهلكة، وثانياً، لأن السياسة الإقتصادية في بلادنا لا تقوم على أساس الإنتاج الوطني والإكتفاء الذاتي، بل على سياسة تبعيّة لمانحين وداعمين وجهات إقراض دولية، تجعل من المواطن مُجرد قيمة إستهلاكية تُستخدم لسداد فواتير المُقرضين، ومن سيادة الدولة - التي هي صورة المواطن - ثمن لإملاءات المانحين والداعمين،
لن أغوص في واقع السياسة الإقتصادية للأنظمة الحاكمة، والتي يرزح المواطن العربي تحت أثقالها، بل سأبقى في دائرة تبدو صغيرة، ولكنها ترسم ملامح واقع الحياة التي يعيشها الإنسان الذي هُدرت قيمته الإنسانية مُقابل... لا أدري على وجه الدقة ما هو المُقابل؟
قبل أيام توفي شاب كان يحتاج بصورة عاجلة لعملية جراحية مُكلفة، وفي تغريدات تضمنت هاشتاق عالجوا محمد، طالب المُغردون الجهات المعنية بعلاج محمد، تُوفي محمد قبل أن تُلبي الجهات "المعنيّة" نداءات المُغردين، وبقي السؤال البسيط: كم من مُحمد سينتظر دفع تكاليف علاجه؟
كلنا مُحمد في وقت ما، وإحتمال أن نكون مُحمد مُمكن جدًا.
رحل مُحمد تاركًا وراءه، نحن الذين نعيش على حافة الإنهيار، وربما في أي لحظة سنكون "حالة عاجلة" بحاجة ماسة لصدقات المُحسنين،
نحن الذين ضعنا في متاهات القروض، لغايات الدراسة، الزواج، شراء سيارة أو ثلاجة أو صوبة أو مُكيف، ونستدين لنعيش اليوم بقلق الغد الذي سيأتي حاملاً معه، مطالب سدّ الديون والقروض، وما أجمل المنح التي تُعطى بلا مُقابل، ولكن هل هناك شيء بلا مُقابل؟،
قبل أيام قرأت تقرير نشرته "حبر" بعنوان:"التمكين المتوحش: كيف أنهكت القروض الصغيرة حياة النساء وعائلاتهن"، وفي أثناء قرآئتي كنت أرى المشاهد المُؤلمة، وألمح النساء اللواتي "خُدعن" بخُطط تمكين زائف وقروض سجنت أولئك النسوة في سجون تبدو أبدية. هذه إقترضت من جهة إقراض تدّعي التمكين ودعم المشاريع الريادية، لسداد قرض آخر من جهة إقراض تدّعي كما تدّعي الأولى، وأخرى لحاجاتها الماسة في ترميم بيتها إقترضت مبلغ ألف دينار، يُقتطع من دخل الأسرة البسيط، ذلك الدخل الذي لا يكفي بالأصل لسد حاجات الأسرة الأساسية، ويتضمن التقرير الذي إستهدف مجتمع الأغوار الأردنية، الكثير من الأمثلة على الإقتراض في سبيل العيش فقط، وإستغلال حاجات الناس وفقرهم وحتى جهلهم لإيقاعهم في حلقة مُفرغة من السداد والاقتراض وخطر السجن والملاحقة القضائية!،
قد يقول قائل: وما حاجتهم للإقتراض؟
الواقع يُجيب، وببساطة لولا الحاجة الماسة لما إقترض الناس، لولا أن أصبحت أساسيات الحياة تتطلب مجهودات عظيمة ومُستحيلة لتحصيلها، لما أقدم أيُّ مواطن على دخول أبواب الإقتراض وعالمها المُظلم!
بالطبع الحل لا يكمُن في التصدق والإحسان، وليس القضاء على الفقر بأمر مُستحيل وخيالي.
الطبقية وإعتبارها طبيعة إنسانية لا يُمكن تغييرها، هي التي سوغت الفقر وجعلتهُ "مقبولاً" بل وحتمياً، كل فقير هو مُؤشر دامغ لإنعدام العدالة الاجتماعية والإقتصادية، تلك العدالة التي تقوم عليها الدول والحضارة،
كل فقير ينام ليلهُ جائعاً لا يشعر بأمان هو دليل خلل في نظام المُجتمع ككل، والخلل حتماً يُؤدي للإنهيار إن عاجلاً أو آجلًا.
ومشاريع التمكين الإقتصادي والمؤتمرات الإقتصادية والخُطط الخمسية والعشرية للتنمية والتي لا تتجاوز القاعات الفاخرة، وتموت على أعتاب مُغادرة آخر الحضور، وإطفاء الأضواء بعد النهاية، ما هي إلا "إمعانٌ" في الفشل سواء الحكومي أو الإجتماعي،
ففي كل مكان ثمة جمعياتٌ خيرية مدعومة من وزارة التنمية الاجتماعية والمنظمات الدولية، وهذه الجمعيات تبذل الجهود، لكنها جهود ضائعة "سرابية"، فما فائدة تقديم طرد خيري لعائلة ما، وهي تحتاج أبسط ما يحتاجه إنسان اليوم؟ ماذا سيفعل الطرد الخيري أو الملابس التي جُمعت لأن مجموعة تطوعية قامت بجمعها بما يُصطلح عليه بـ"بنك الملابس"، في مقابل حاجات كثيرة مفقودة أبسطها رغم عظمتها "كرامة الإنسان"؟!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. خطر المجاعة في غزة يزداد
.. القضاء الإيطالي يحيل قضية المهاجرين إلى محكمة العدل الأوروبي
.. منظمات ا?غاثة تتهم إسرائيل بتجاهل الإنذار الأمريكي بشأن المس
.. أحوال النازحين في تدهور متواصل منذ انطلاق الحرب الإسرائيلية
.. الأمم المتحدة تندد بـ-وحشية يومية- في غزة -تذكر بأخطر الجرائ