الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان والعراق، ومشكلة المخّ التهويشي وعمى الألوان

حسين شاويش

2019 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية




الصحافة الخليجية، بل والعالمية إلى حدّ ما وصلت إلى "يقين ثوري" من الحجم الكبير: اللبنانيّون والعراقيّون ثاروا أخيراً على العدوّ نفسه وللسبب نفسه وهكذا سنصحو غداً على عالم خالٍ من آيات الله، العظمى منها والصغرى دفعة واحدة. وستنتهي كل المشاكل و"حتبقى العيشة زلابية".
المشترك بين الوضعين اللبناني والعراقي، كثير ظاهرياً فالحالة المعيشية المتردّية للطبقات الدنيا والنفوذ الإيراني المباشر أو غير المباشر واضحان لكلّ ذي عينين. ولكن هل هاتان الحقيقتان تختصران سبب المشاكل التي أخرجت الناس عن فضيلة الصمت؟ وهل يمكن لأي عاقل يعرف تاريخ البلدين القريب والبعيد أن يوافق مثلاً بناء على هذا الربط الظاهري على عنوان من نوع "الهلال ينتفض" الذي يحتلّ العنوان الرئيسي الأول ل"اندبندنت عربية"؟
المخ التهويشي المتمكّن من الرؤوس الخليجية والمتسلّل إلى "البصلات السيسائيّة" المستفيدة في كل مكان من الوطن العربي الحزين غير قادر أصلاً، بحكم بنية تشكلّت في التاريخين الحديث والقديم، على رؤية ما هو أعمق من جبل الثلج الصغير الواضح حتى للفقمات وطيور البطريق.
نعم أنا مع أولئك الواقفين في ساحة التحرير وأولئك الذين حرّروا الناصرية وذي قار كلها تقريباً، وحوّلوا النجف من فاتيكان هادئ إلى ما يشبه معبد النار القديم. كما أنني أساند الشباب والصبايا الذين يصرخون "كلّن يعني كلّن" وإن كنت أراهم لم يعودوا يعرفون ماذا يقولون بعد ذلك الشعار الصحيح. بل وبدأوا يقبلون ب"نصّن يعني نصّن"..
لكنّ أولئك وهؤلاء ليسوا "هلالاً منتفضاً" أيها السادة.
أولاً: إعلان وجود هذا "الهلال" الشكلي" تمّ على حدّ علمي -من الناحية التأريخيّة المحضة- من قبل الملك الأردني من باب التحذير. وما يدعم فكرة وجوده من الناحية المادّية الشكلية -أي الشيعيّة السياسيّة- اشترك في إيصالها إلى السلطة البيت الأبيض أيام جورج بوش الإبن وخامنئي. وما زلنا على صعيد التحليل السطحي الظاهري.
أمّا إذا أردنا تعداد المشاركين في إنشائها -أقصد الشيعية السياسية- بشكل غير مباشر فعلينا إن توغّلنا في التاريخ أن نبدأ بالدولتين العثمانية والصفوية اللتين أرستا نظام الملل ثم فرنسا التي أعادت صياغته في لبنان لصالح ملّة معيّنة تعتبرها أمها الحنون، ثم إسرائيل التي أرست نظام دولة الدين الواحد في المنطقة.
أمّا ان أردنا أن نقتصر على التاريخ القريب فستكون اسرائيل هي المتّهم الأول عندما طردت المقاومة الفلسطينية من الجنوب ثم من بيروت ونظام حافظ الأسد الذي قضى على الحركة الوطنية اللبنانية وحلم تغيير النظام الطائفي في لبنان والذي يخرّب كل ما هو جميل فيه منذ مائة وستّين سنة على الأقل. إذ أن نشوء حزب الله هو بهذا المعنى جاء لتعبئة "فراغ وظيفة المقاومة" بهذا المعنى والفراغ الذي شكّله لدى مستضعفي الجنوب ليس الفقر فحسب، وإنما عودة الطائفية بجيوب مليئة بمال الحريري الأكبر ليس لهم منها إلاّ التأمّل من بعيد. كان ذلك بعد أن خاب أملهم بأن تملأ حركة أمل ذلك الفراغ. وهذا ليس كلاماً خشبيّاً. إنه علم التاريخ القريب.
أما على المستوى العراقي فعلينا قراءة مذكّرات بريمر ومتابعة ما جرى في السنوات العشر التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق لنستطيع توزيع المسؤوليّات على إنشاء "الشيعية السياسية" العراقية وسنجد الترتيب التالي: المسبّبون المباشرون: الصحوة الإسلامية التي يشترك في المسؤولية عنها الخميني مع الملك فهد وأمراء الخليج وضياء الحق وأنور السادات وغيرهم كمسؤلين والإخوان المسلمون كمثال للتقليد (حزب الدعوة كاد أن يكون النسخة الشيعية للإخوان، لولا دور المرجعية في تلك الأيام، كما نعلم) ومنظّمتا التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي (وكان الأخوان يمثّلون المثقّفين العضويين لهذه الأخيرة)..الخ. أمّا من سلّمهم السلطة فقد كان جورج بوش بالتعاون مع الحزبين الكرديين الكبيرين في العراق. وبوش نفسه -من خلال سفيره بريمر- كان هو من أدخل الميليشيا الطائفية الشيعية -قوات بدر- إلى القوات الأمنية العراقية الرسمية..الخ الخ الخ.
لفهم ما يحدث يجب أن نرى ما تحت جبل الثلج. يعني أن علينا الخروج من المستوى الظاهري. أي الخروج من "اللغة الهلالية" تلك. علينا أن نبحث البنى الاجتماعية-السياسية العميقة. وأن نفعل ذلك على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
في العراق دولة غنيّة الموارد الطبيعية وبدأت في الستّينات تصنيعاً ثقيلاً وسياسة تعليمية شاملة. لقد كانت وماتزال قادرة على لعب دور الدولة المستقلة اقتصادياً، بل وحتى دور القوّة الإقليمية. لكنّ الحروب الكثيرة والحصار الظالم الطويل والتفتيت الاجتماعي الناجم عن عمل الأحزاب الطائفية وعن عدم حل المشكلة القومية الكردية أدّت إلى الثورة الحالية التي لن تتلاشى دون أن تؤثّر جذريّاً ولو على المدى البعيد، فيما أرى.
أما لبنان فالدور الذي ارتضاه لنفسه منذ فترة طويلة، أي أن يكون اقتصاده اقتصاد خدمات وأن يمارس دور فرع بنك سياحي صغير في النظام المالي الامبريالي وأن يغلق أبوابه على مفهوم المواطن الحديث الذي يستنبط ولاءه السياسي من قناعاته ببرنامج اجتماعي ما وليس من قياداته الطائفية، كل ذلك يجعله يحتاج إلى انقلاب كامل في كل شيء.
إنني إذن إذ أفرح لرؤية المنتفضين في بيروت وبغداد، فذلك لأسباب أخرى مختلفة تماماً عن فرح أولئك الذين يكتبون في الصحافة التي تحدّد موقعها السياسي على أساس "داخل الهلال أم خارجه"..

برلين 4/12/2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء ومعاناة نفسية وذكريات جميلة.. تفاصيل مراحل مختلفة عاشته


.. فرنسا تدعم مسعى الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قاد




.. ما رمزية وتداعيات طلب مذكرة توقيف بحق نتنياهو؟


.. إيران تبدأ تشييع رئيسي.. ومجلس خبراء القيادة يعقد أول اجتماع




.. الحوثيون يعلنون إسقاط مسيرة أمريكية في محافظة البيضاء| #الظه