الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زرع الحياة

بولات جان

2006 / 5 / 26
الادب والفن


يا صاحبي! رأيتُ رؤيا ما رآها أحدٌ من قبل، هاك حلمي، هات لي تحليلاً لرؤياي!
- ما أنا بمفسّر الأحلام على شاكلة يوسف أبن يعقوب و لا فرّاسٌ يعلم الغيب و يعِ المستتر و لستُ من الأولياء الصالحين الضالعين بأمور العباد و أهل الألباب و ذوي الطواسين، لستُ بعالم نفسٍ لأدرك معانِ الرؤى و مغازي النفوس و أغوار الأرواح... فما أنا إلا بأديبٍ مسكينٍ أتسول الكلمات من مدن اللغة، اتسكع أزقة الأدب و بناتها من النثر و الشِعر و مضارب القصيدة... لستُ من الكبار و المردة في مدن الفكر و ممالك الأدب و العقل الراجح؛ فما أنا إلا عريانٌ لا يكسوني إلا جملٌ رقيقة و أوصاف شعرية منمقة. ارتوي ظمأي من قطرات غيث الخاطرة و بها أسد رمقي المحروم في جفاء المعمورة!
فماذا تخيلتني يا صاح؟ لستُ باب قصيدك و لا عقليّ مربض جملك! انقب عن غيري يفسر لك رؤياك العجيبة كما تزعم.

- قد أتيتُكَ يا صاحِ أصبو منك ما اصبوه و كليّ معرفة بحالك أطمع منك تفسيراً أدبياً كان أم عقلياً لرؤياي. فبالله عليك لا تردني خائباً! ما حاجتي لعقل العقلاء و تفاسير الألياء إن كانوا هم أنفسهم من لدن شريعة معكوسة أصلاً. هات، فسّر لي حلمي و أكون شاكراً من الممتنين!
- يبدو أنك لن تهجرني حتى تقضي أمرك. فهات اسرد رؤياك عل و عسى أكشف عن مغزاها.

- هاك حلمي الذي لم يراه ذو لبٍ بعد:
كنتُ قد حرثتُ فلاحةً و رحتُ ابذرها قمحاً... بذار تناثرت على اربعة: منها ما تناثرت على ارضٍ صخرية قليلة التراب و منها على الطريق و منها على شوك عوسجٍ كث و قسمٌ على ارضٍ طيبة!
ما تناثر من القمح على الارض الصخرية فرحت و لكن فرحتها لم تدم حيث لفحتها شمسُ ايلول و أحرقتها و انهتها! أما ما تناثرت على الطريق جاءت طيرٌ من كل حدبٍ و صوب فأكلتها جميعاً! ما تناثر منها على الشوك العوسج غبطت لعليائها عن أخواتها الاخريات و لكن الشوك نما اكثر و اكثر فخنُق القمحة و افنت عن نهايتها... أما ما تناثرت على الأرض الطيبة فقد احتضنتها الأرض الرطبة، اينعتها فباتت سنابل و عرانيس غنية حباً فهبت قمحاً كثيرا... منها اعطت عشرون و منها خمسون و منها مائة حبة في كل سنبلة...
هذه رؤياي يا صاح فهات ما عندك من تأويل خيرٌ كان أم شر! كليّ آذان صاغية.

- رؤياك يا صاح ذو مغزى كبير و فكُ الطلسم تدعو الحداقة و الخبرة في معرفة مكنونات النفوس و خلجات القلوب و مسارات الارواح في مدارات الابراج. ما عرفت من حلمك اشاركك اياه عل و عسى تروي ظمأك و تسد رمق فضولك و تسكّن هوجاء روحك القلِق!
فالزارع أنتَ و الأرضُ بكل ما فيها من انماط و رقع صخرية او طيبة او شوكية كانت فهي لك و هي حياتك. أو! لنقل بأن الزارع هو الانسان بطيبه و خبيثه، ابلهه و لبيبه و ماكره، شجاعه و جبانه، إنسانٌ بروحه او جسده... و الارض هي الحياة بطولها و قصرها، مصاعبها و جمائلها و آمالها و اوجادها و ثمارها... و القمح اعمال الإنسان و طبائعه.
فما زرع زارعٌ ناثرٌ قمحه على الطريق و الدروب، فهو الجاهل بجهله، لا يعنى من الحيوة سوى الوصول إلى النهاية محبذاً اختصار الدرب فلا تثمر حياته شيء و يصبح في خبر كان و لا من يعقلون. أما الزارع في الشوكِ فهو المتعالي في غير أهله و الجالس على عروش غيره و المتكبر بجهله و فخورٌ بتكبره... تعالى! لكن في غير أهله فخنقته الشوك التي رفعته فيما مضى و لم تذرف دمعاً عليه و اندثر ولا من يحزنون... أما زارع الارض الصخرية فهو كمثال المتشاطر الذي يعِ ظواهر الامور، يقضَ سطحياً و لا يضحي في سبيل الحياة. لا يرى البعيد و لا يعِ الحاضر القريب و لا الماضِ... تأتيه الشمس الحارقة و هي نوائب الزمن؛ لا يقيه تراب أرضٍ رطبةٍ طيبة، بل الصخر تعاون عاديات الزمن و لفحة الشمس في حرقه، فيموت و لا يثمر حياته شيء و يصبح هباءً منثورا.
أما الذي نثر في الأرض الرطبة الطيبة فهو المتأنِ المكافح و المثابر الفاهم الواعي لِم يريد وما يراد منه. يعِ امسه و يومه و يحسب لغده، لا يرتمي في احضان التواكل و الكسل، لا يأبى اختصار الدرب و لا اختزال الزمن والحياة للوصول إلى النهاية. يعيش حياته في العمق و يتحد مع التراب الاصل، يتغذى بغذائه و ينضج من بركته و ينبت ثماراً هي الخير كله ... هو الذي يعمل و يعطي ولا ينتظر مردوداً عجِلاً. فهو العمل الطيب و النية الطيبة و الثمار الطيبة... هذه مغزى رؤياك يا صاحِ...

- صدقتَ و الله! و اجبت خير إجابة على رؤياي اللغز. أدركتُ الآن بأن عالم الأدب أشد ساعداً من عوالم الفقه و خزعبلات السحر و نظريات العلم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة