الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (185) الاستخبارات في الحرب العالمية الثانية

بشير الوندي

2019 / 12 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
------------
تعتبر الحرب العالمية الثانية ابرز واضخم صراع استخباري صاحَبَ الصراع العسكري.
فان الاستخبارات جربت كل ما يمكن من الحروب السرية في المجالات الدفاعية والهجومية والتضليل والاختراق والمراقبة والتعقب والتجنيد بالاضافة الى العمليات بانواعها كسرقة المعلومات والتنصت والتخابر وفك الشيفرة. والاغتيالات والخطف والقتل والحرب النفسية .
--------------------------------
حرب استخبارية شاملة
--------------------------------
كانت الحرب بين محورين , قوات المحور وتشمل (المانيا , ايطاليا , اليابان , فنلندا , رومانيا , بلغاريا , المجر, اسبانيا) , وقوات الحلفاء وتشمل (بريطانيا , فرنسا ,بولندا , استراليا , كندا , الهند , نيوزلندا , جنوب افريقيا , اليونان , الاتحاد السوفيتي , امريكا , الصين).
كان دوي المدافع وازيز الطائرات يجري خارجاً في كل مكان ولم يقتصر على الجبهات , فيما كانت حرب صامتة من نوع آخر تنتشر كالنار في الهشيم بين الجميع وضد الجميع , وتباينت ارقام واعداد الجواسيس الذين اعدموا من قبل الدول المتحاربة , فأضخم تلك الأرقام التقديرية يصل الى اكثر من ١١٠٠٠ شخص , بينما يرى الباحثون ان عدد الجواسيس التقريبي المنطقي من الذين اعدموا هو حوالي ١٨٠٠ جاسوس.
--------------------------
جيوش استخبارية
--------------------------
لم يكن عمل الاستخبارات محدد بمسرح العمليات العسكرية وأماكن القتال , بل امتد الى كل انحاء العالم , فكانت المؤامرات والتجسس والتمويه والخداع والحرب النفسية والدعاية في كل مكان وبكل لغات العالم , وكان الجميع يراقب الجميع .
ولعل ما جمع من معلومات عن الاعداء في حرب دامت ستة سنوات , لم يجمع في ٦٠ عام , حيث اصبح العالم منقسم الولاء بين جبهتين , وتغولت الاستخبارات مستخدمة جيوش سرية متنوعة ومختلفة , كجيوش لحرب العصابات وجيوش من المخربين وجيوش من ناشري الاخبار والاشاعات ودعم لأحزاب في البلد المعادي وتجنيد مرتزقة , ولانستغرب من اعتقاد البعض من ان هنالك مليون شخص من بين مائة مليون اشتركوا في الحرب كانوا فاعلين في الجانب الاستخباري او على هامشه , فأغلب اساتذة الجامعات والعلماء استخدموا في مجال الاستخبارات , واغلب علماء النفس والاعلاميين وعلماء الاتصالات والرياضيات وفك الشيفرة.
وتماهى الخط الفاصل بين الاستخبارات الداخلية والخارجية في الحرب العالمية الثانية لكثرة التداخل بين الاراضي المحتلة وتراكم المهام , وتضخم عمل الاجهزة الاستخبارية وهيكلياتها بشكل كبير لاسيما في الجبهة الغربية للعدوان الالماني حيث كانت الحرب البرية فيها اقل وطأة من الجبهة الشرقية , فالاستخبارات البريطانية مثلاً توسعت الى 49 قسم في مختلف التخصصات والتوجهات والقيادات المسلحة .
--------------------------------
جواسيس في كل مكان
--------------------------------
من ابرز مشاكل الاستخبارات المكافحة للتجسس كانت , طرق الاتصال مع العدو عبر اجهزة الاتصال , فكانت وحدات جوالة تجوب شوارع المدن والقرى والارياف يوميا وليل نهار للبحث عن اية اشارة بث على مدار الوقت بلا انقطاع , حيث كانت اجهزة اتصال الاجهزة الاستخبارية المعادية ترسل برقياتها الى كل قصبة وبلدة , فيما كانت اجهزة التعقب والتنصت تكشف وتعتقل وتحقق وتعدم .
-----------------------------
بين المتابعة والاهمال
-----------------------------
كان هتلر وستالين من بين الاربعة الكبار الاقل إهتماماً بالتقارير الاستخبارية بسبب دكتاتوريتهما , فكان هتلر قليل الإهتمام بالناتج الاستخباري , وفضل إستخدام الإستخبارات كاداة قمع وقتل بدلاً من الاستماع الى نتاجاتها وتحليلاتها , ولم يكن ممن يهتم للتقارير الاستخبارية حيث لم تشكل الاستخبارات اولوية له في وضع الخطط العسكرية , ولعل عدم اهتمام هتلر بالمعلومات احد اسباب خسارته للحرب والنظام وحياته , وكذا الحال لدى ستالين الذي ادى اهماله للاشارات والانذارات الاستخبارية الى تدمير هائل وخسائر كبيرة لدى الاتحاد السوفيتي .
على عكس هؤلاء , كان تشرشل قارىء نهماً ومهتماً جداً بالتقارير الاستخبارية ويطلب المزيد من المعلومات باستمرار , وكذا روزفلت , فكان قارئاً جيدا للتقارير الاستخبارية وكان يتحرى -شخصياً - عن معلومات من خلال اصدقاءه الشخصيين من تجار وصحفيين ليضيف تصوراً واضحاً عما يحدث في اوروبا .
وكانت من السذاجه السياسية المشهورة انذاك , ان وزير خارجية امريكا عام ١٩٢٩ هنري لويس ستيمسون اغلق مكتب فك الشيفرات في وزارته معتقدا , ان اي تنصت وفك شيفرة لاتليق قائلا ..ان الانسان المحترم الجنتلمان لا يقرأ بريد الاخرين .
--------------------------
خبطات استخبارية
--------------------------
كثرت عمليات الخداع والتضليل في الحرب الثانية بشكل فاق كل التصورات , وكانت مادة الخداع الرئيسية تتمثل بشكل اساس في ايصال معلومات للعدو تؤثر في قراراته , او ان يتم ادعاء الغفلة ,في وقت تتنصت فيه الاجهزة الاستخبارية على ادق محادثات العدو وتطلع على خططه اولاً بأول .
ولعل اكبر ضربة استخبارية خلال الحرب تمثلت بفك اسرار شفيرة الاستخبارات الالمانية , لاسيما البحرية منها , من خلال فك شفيرة جهاز انيغما الالماني الذي ساهم في استماع البريطانيين لكل اتصالات الالمان ومعرفة محادثاتهم واوامرهم ( انظر مبحث ١٠٠ الصمت الاستخباري ) .
كما كانت عملية الحارس الشخصي من اكبر عمليات التضليل التي جرت قبل انزال النورماندي والتي تبنتها الاستخبارات البريطانية بجدارة للتشويش على الالمان وجعلهم يستبعدون خيار الحلفاء في انزال النورماندي وتسريب موقع آخر للانزال واقناع اعلى القيادات بذلك , بما فيها هتلر ذاته .
وفي خريف ١٩٤١ , استطاعت استخبارات الاتحاد السوفيتي فك شيفرة الجيش الياباني,
الامر الذي طمئن ستالين بعدم نية اليابانيين من الهجوم على خاصرته الشرقية , وسهل الامر على ستالين لاحقا بنقل ١٠٠٠ دبابة و١٠٠٠ طائرة من جبهة الشرق الى الغرب للتركيز على الالمان بفضل فك الشفرة التي صححت معلوماته .
كما تمكنت البحرية الامريكية , بعد كارثة بيرل هاربر , من تدمير البحرية اليابانية من خلال العمل الاستخباري والتمكن من فك الشيفرة اليابانية , وتم تدمير الاسطول الياباني خلال معركة ميدواي عام 1942 , نسبه الى إسم جزيرة صغيرة في المحيط الهادى , وملخص القصة ان امريكا لم تخسر في ضربة بيل هاربر اية حاملة طائرات , فكانت البحرية اليابانية تخطط لضربة اخرى للسيطرة على جزيرة ميداوي
معتقدين بتكرار كارثة ميناء بيرل هاربر مرة ثانية ومباغتة الامريكان في هذه الجزيرة .
وبفضل فك الشفرة تمكن الامريكان من معرفة خطط الادميرال ياماموتو قائد البحرية اليابانية في هجوم على منطقة كان يرمز لها ب AF , وقع الامريكان في شك عن الجزيرة التي يعنيها اليابانيون برمزهم هذا , وكانت شكوكهم محصورة بين استراليا وقناة بنما و بيرل هاربر مجددا وجزيرة ميداوي , فعمدوا الى حيلة ذكية حيث ارسلو برقية اعتيادية غير مشفرة ضمن مجموعة برقيات , وذكروا فيها ان جزيرة ميداوي تعاني نقصاً حاداً في المياة العذبة , وان البحرية الامريكية تسعى لحل مشكلة مياة الشرب سريعاً .
وبعد اسبوع ابرقت الاستخبارات اليابانية ان AF تعاني نقص حاد في مياة الشرب , فكانت تلك البرقيه الحد الفاصل في كشف كل الخطة , فعرف الامريكان ان AF يعني ميداوي , فاستعد الامريكان لليابانيين , واسفر الفخ الى خسارة اليابان لأربعة حاملات طائرات بيوم واحد , في كارثه اسفرت عن تحطم البحرية اليابانيه حيث دمرت معظم قطعات الاسطول الياباني , وبعدها بتسعة اشهر اسقط الامريكان طائرة الادميرال ياماموتو نفسه بفضل فك الشفيرة , وبالنتيجة خسرت اليابان اسطولها وقائد بحريتها .
ان كل القصص التي ذكرناها , والتي لاتكفي لإحصائها المجلدات , هي قصص تشير الى الدور الاستخباري الحاسم في معظم مسيرة الحرب العالمية الثانية ابتداءاً بخديعة الالمان للاوروبيين وانتهاءاً بخديعة النورماندي .
-------------------------------------------
التعاون الاستخباري مداً وجزراً
-------------------------------------------
يعدُّ أول اتفاق تعاون استخباري رسميا هو ما تم توقيعه عام ١٩٤٢ بين لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية (JIC) ومكتب الخدمات الاستراتيجية الامريكي (OSS) آنذاك ( لم يكن لدى امريكا استخبارات خارجية , فشكل روزفلت مكتب الخدمات الاستراتيجية وهو خليط بين ضباط الاستخبارات البحرية واستخبارات الجيش وال FBI وبعض العناصر المدنية ) , وعرفت باتفاقية BRUSA, وكانت اهم بنودها هي :
١ تعاون وتبادل تام لنتائج فك البرقيات والرسائل المشفرة.
٢ العمل المشترك ضد الاستخبارات السرية الالمانية .
٣ تتحمل الاستخبارات الامريكية فك شيفرات الجيش الياباني.
٤ تتحمل الاستخبارات البريطانية فك شيفرات الجيش الالماني و الايطالي.
٥التبليغ عن اية خروقات استخبارية للعدو لدى الطرفين , اي كشف الجواسيس.
فكانت تلك اول اتفاقية تبادل معلومات استخبارية بين الحلفاء.
اما الاستخبارات السوفيتية فكانت بمعزل عن باقي الحلفاء ولا تثق بالغرب رغم التحالف في الحرب ضد الالمان , فكان التعاون شبهة مقطوع استخبارياً , بل ان الاستخبارات البريطانية كانت تصنف الاستخبارات السوفيتية كإستخبارات غير صديقة , ولاينسى الاوروبيون ان السوفيت كانوا حلفاء هتلر عام ١٩٣٩ وغزو بولندا وتقاسموها سويا.
اما قوات المحور , فلم يكن لديها اي اتفاق او وثيقة تعاون استخبارية موقعة , واقتصر التعاون من خلال قيادات الجيوش , كما ان اليابانيين لم يقدموا شيئاً يذكر من ناحية المعلومات الاستخبارية للالمان بينما كان العكس صحيحاً , حيث ساهمت الاستخبارات الالمانية بكشف الكثير من شبكات التجسس داخل الامبراطورية اليابانية وقدمت لهم الكثير من المعلومات عن البريطانيين والامريكان والسوفيت , وكذا الامر مع الايطاليين الذين لم يكن لديهم اضافة يعطونها للاستخبارات الالمانية , اي ان الاستخبارات الالمانية لم تتلق اية خدمات حقيقية من حلفاءها طيلة الحرب , بل ان خدعة النورماندي جرى تمريرها الى الالمان من خلال اسبانيا وايطاليا .
------------------------------
بين الالمان والانكليز
------------------------------
كانت الحرب الاستخبارية الاكبر تجري بين الالمان والبريطانيين بالتاكيد , فاستطاعت الاستخبارات البريطانية , بعد اخفاقها الكبير في التنبؤ بالنوايا العدوانية الالمانية , ان تتدارك نفسها وتعمل بجد , وقد يكون لتسنم تشرشل رئاسة الحكومة الدور الكبير في تطوير الجهد الاستخباري البريطاني , لإهتمام تشرشل بالمعلومات والعمليات السرية , واستطاعت الاستخبارات البريطانية من تنظيم خلايا مختصة بتهريب الطيارين الذين يسقطون في الاراضي الواقعة تحت سيطرة القوات المحور .
كما نظمت الاستخبارات البريطانية ودعمت الحركات المسلحة والمقاومة داخل الاراضي المحتلة واستطاعت التواصل مع ضباط المان ناقمين على النازية وهتلر, كما استطاعت ان تطور من قابلياتها في تحسين القصف الجوي ضد اهداف حيوية ونظمت عمليات سرية كبيرة وكثيره ضد الوجود الدبلوماسي الالماني في الدول المحايدة ولاننسى نجاحها المتقن في التمويه والخداع حول انزال النورماندي زماناً ومكاناً , عدا عن دعم المقاومة الفرنسية المسلحة وتنسيق هروب العلماء الالمان وفتح تشفير جهاز انيغما , عدا عن براعتها في التجنيد المزدوج وتغذية الجواسيس بالمعلومات الكاذبه لبثها للالمان .
كما شكلت الاستخبارات البريطانية قوة خاصة سميت بالقوات الجوية الخاصة , وهم عبارة عن مجموعات فدائية من اربعة الى خمسة مقاتلين تعمل خلف خطوط العدو , وكان لها تأثير كبير في استهداف معسكرات وطائرات الالمان والايطاليين في صحراء افريقيا وضرب مؤونهم ومخازنهم وذخيرتهم واستخدام العنصر النسوي في لوجستيات التجسس والبريد وادارة المخابيء وصيانة اجهزة الاتصال .
وساعد على قوة الاستخبارات البريطانية ان حربها مع الالمان كانت بحرية وجوية وليست برية بإستثناء شمال افريقيا , اي ان الجبهة الغربية كانت المسرح الانشط للعمل الاستخباري , وكما قلنا , فإنَّ الاستخبارات البريطانية قد تضخمت هيكليتها ابان الحرب بشكل كبير للغاية .
--------------
خلاصة
--------------
ان التركة الكبيرة في الجهد الاستخباري كانت بحق من ابرز ادوات الحرب الخفية الباردة لاحقاً , والتي كانت بدايتها الحقيقية في استخدام امريكا للقنبلة الذرية ضد اليابان والتي انذرت الجميع بان الحرب الباردة بدات للتو, وان الصراعات العسكرية لها اوجه اخرى اقتصادية وواجتماعية وثقافية وتكنلوجية, وان كل ذلك يتم من خلال المطبخ الاستخباري الذي كانت الحرب العالمية الثانية السبب في تطوراته اللاحقة الى يومنا هذا , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط