الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 3

دلور ميقري

2019 / 12 / 5
الادب والفن


في حقيقة الحال، أنّ ذلك الموقف العارم، الذي أثار جانباً حسّياً لدى سليم، كان صدىً لموقف سابق تورطت به مشاعره. لقد كلِفَ بحوريّة منذ أن وطأت قدماها عتبة دار سيّده، وحظيَ برؤيتها عروساً صارخة الجمال، منطلقة الأسارير وحيية الطبع في آنٍ معاً. الآغا، كان غيوراً على ابنته وجعلها تتجلبب بالخمار الأسود مذ بلوغها سنّ العاشرة؛ بالأحرى امرأته الفتية، الفائقة الفتنة. إنه ولو سمحَ لها بالاحتفاظ بمظهرها الريفيّ، ففي المقابل كان يحاصر تحركاتها بيقظة وحرص. كون وكيل أعماله شاباً، أبعده عن أيّ تماس مع حوريّة. وكان للبستانيّ العجوز وحده الحق بمرافقة زوجة الآغا، إذا احتاجت للسير إلى السوق أو لزيارة أسرتها. في حالات أخرى نادرة، كانت المربية تأخذ على عاتقها مرافقة زوجة سيّدها.
آنذاك دهمَ الحسدُ داخل سليم، لاستئثار الملّاك الغريب بأجمل فتاة في المنطقة، وكان هذا فوق ذلك يكبرها بما يزيد عن العشرين عاماً. لعلها تكمن هنا، سببية حلم وكيل الأعمال السابق بأن يكون من مرتبة الوجهاء. لكن الحق يُقال، أيضاً، أنه سيطر دائماً على عواطفه، سواءً في أثناء حياة رمضان آغا أو بعد رحيله. أما من ناحية حوريّة، فإنّ ذاكرة سليم لا تحتفظ بموقف واحد يُمكن أن يلقي ظلاً من الشبهة على مسلكها كزوجة. مع ذلك، مدفوعاً برغبةٍ ترمّضت على نار الكبت، فضلاً عن إرادةٍ مستندة إلى تجربة حب سابقة ـ ما كان منه إلا أن استمرأ غيّه، وعقد العزم على اتخاذ أرملة سيّده السابق خليلةً.

***
مع مرور الأيام، لهث ربيبُ نعمة رمضان آغا وراء ظل أرملته، عبثاً وبلا طائل. أثبتت هذه أنها ليست تلك المرأة الرخصة، سهلة المنال. مناوراتها معه، كانت شبيهة بلعبة القط والفأر، وكان ملعبها الشرفة والترّاس. لكنها هيَ مَن كانت تلعب بالفأر المسكين، ولا تسمح له أن يتجاوز حدّ الفراغ، الفاصل بين المكانين الموسومين. كأنما أضحى مثل الغلام الغر، يُربكه ظهورها على بُعد بضعة أذرع عن موقفه. تُجَرِّده من السكينة وتسلّمه للبلبلة، بمنظر جسدها شبه العاري وباهتزازات ثدييها وردفيها. إلى أن أتت الفرصة للتفرّد بالأرملة اللعوب، حينَ نزلت بنفسها إلى البيت التحتانيّ، متعللة بالحاجة لخميرة من أجل الخبز. لم يفوّت اللحظة السانحة هذه المرة، وذلك بأن طوّق خصرها بيديه القويتين حتى انصهرَ مع جسده.
" حوريّتي الحبيبة..! "، راحَ يقول وهوَ مُقبل على فمها تقبيلاً بنهم. لكنها سرعانَ ما صدّته بعنفٍ أشد، صارخةً: " تباً لك، هل جننتَ يا رجل؟ ". لوهلةٍ، ظنّ أنها تتدلّه وتُمانع كذباً، رغبةً منها بالمزيد. ما استدعى استنفار شهوته، مجدداً. إلى أن ارتد متألماً، لما أنشبت أظافرها على جانبيّ قذاله، راسمةً خطين داميين حتى مقدم النقرة. سيطر على نفسه، مردداً كلمتها بشكل لا شعوريّ: " تباً لي، تباً لي.. أنا مجنونٌ بك فعلاً ". مع وقوفها متحفزة كأنثى النمر، وقد لاحت بسمة ساخرة على فمها المتورّد بفعل القبلات المغتَصَبة، راعه هذا السؤال المكتنف داخله: " رباه.. أأنا أمام شركٍ، سينتج عنه فضيحة ثم كارثة، تطيح بآمالي جميعاً؟ ". بينما كان يتجاذبه الرعب والفكرة الكريهة، إذا بها تمد له يدَ النجاة بالقول: " لستُ فاسقة الخلق كي أقبل بك عشيقاً، وما عليك إلا أن تغرب عن وجهي لو كانت هذه رغبتك. مصيرُ المرأة الشريفة هوَ الزواج، لكنني لا أعرض نفسي على أحد "
" سأتزوجك يا حوريّة، ويقيناً هذا كان مطلبي! "، ردّ متلعثماً بالكلام. رمقته عن كثب، وظلت تتأمله ملياً. قالت أخيراً: " لكن شرطي هوَ أن تطلق زوجتك، أولاً ".

***
أسقط في يد طالب القرب، وراحت الهواجس تتناهبه مرة أخرى. لم يكن أصلاً في وارد المغامرة، لدرجةٍ يضطر فيها إلى الاقتران بالأرملة. كان يبتغي التسلية، تعويضاً عن الحرمان الجسديّ. غير أن رجله انزلقت رويداً في مستنقع الهوى، فلم يعُد يرى في ليله ونهاره سوى هذه المرأة الماكرة، الفتاكة الحُسن. والآن، تطالبه بتنفيذ شرطٍ معجّز فيه القضاء التام على آماله وأحلامه. إنه استفاد حقاً من خدمة مصالح امرأته، بأن أخفى عنها المصاريف الفعلية والتي ذهب قسمٌ منها كل مرةٍ لجيبه. كان يخبئ المال في منزل والده، لأنه آمنَ بأن للزوجة حاسّة شم شبيهة بما لدى الكلاب. برغم ذلك، بقيت أملاكها وعقاراتها على اسمها، لا سبيل إليهم سوى مع مرور الأعوام حينَ يتم تليين عريكتها بمعسول الكلام عن المحبة والثقة ومستقبل الأولاد.
" فلو أصغيتُ لكلام حوريّة وطلّقت امرأتي، فكل شيء سيُطاح به ولن يبقى له أثرٌ قط "، أسرّ لنفسه عقبَ ذهاب العشيقة المأمولة. بلى، إنّ مَن تطلب منه هكذا تضحية جسيمة، ليست في وضعٍ اقتصاديّ جيد. إن أبناء أخوة رمضان آغا، مثلما علمنا، وضعوا أيديهم على ثروته العينية دونَ أن يتركوا للأرملة سوى النزر القليل. لولا أراضي الآغا الراحل في الزبداني، لما كانت حوريّة قد حصّلت على شيء أصلاً. حتى منزله الصيفيّ، هنا في البلدة، استطاعت أديبة أن تنتزع القسم الأكبر منه: كذلك كان يفكّر زوجُ هذه الأخيرة، دونَ أن يخطر في باله قطعاً أنها سبقَ ووضعته تحت رقابة مشددة على خلفية معلوماتٍ وصلتها عن تعلّقه بأرملة أبيها. مَن قدّم المعلومات، لم يكن إلا الشخص نفسه، الذي سبقَ وكشفَ سرّ علاقة ابنة رمضان آغا بوكيل أعماله!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ