الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى الأولى لثورة ديسمبر

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2019 / 12 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في الساس من ديسمبر خرج طلاب مدارس مايرنو بولاية سنار الفتية في مظاهرة حاشدة ساندتها الجماهير وسط "زغاريد" داوية هزت الأرض من ألسنت النساء اللائي وقفن بجسارة مع الثوار الأحرار في ظل حصار أمني خانق، وكانت الجسارة حين إستبسل الطلاب والشباب في مواجهة عدد من الجنود "الملثمين" مدفوعين بأمر من قبل أتباع النظام البائد للهجوم علي الموكب وتفريقه إلا انه صمد وزاد قوة وصلابة وجاب شوارع البلد منددا بتردي الحياة المعيشية وجشع تجار الإنقاذيين الإنقلابيين، وكانت هتافات طلاب وشباب مايرنو عالية تشق عنان السماء "الشعب يريد ترخيص العيش وما دايريين صفوف العيش" وهي شعارات إحتجاج ضد سياسة الإفقار والتجويع، وإستمر هدير المظاهرات في ذلك اليوم التاريخي الذي حرر شهادة ميلاد ثورة ديسمبر المجيدة رغم محاولات فض الشارع بالقوة، وكان السودان كله ساخط علي الحكم الدكتاتوري وفي وضعية "الغليان" ولم تمر أيام حتى إندلعت مظاهرات النيل الأزرق وتلتها عطبرة وبعد ذلك عمت الثورة كل أنهاء السودان.

لقد دخلت مايرنو بشكل مباشر علي خط المقاومة منذ العام 2010م الذي شهد أحداث مهمة عقب تزوير النظام للإنتخابات وتفويز مرشح لا يملك أدنى مقومات الشخصية السياسية ولا يتمتع بروح الوطنية ولا يمثل خيار الشعب ما فاقم الصراع السياسي بين المعارضة والحكومة الإنقاذية، فقد أنشئت أول حركة مقاومة تحت إسم "عدنا" وبعدها توسعت المقاومة وقامت حركة "شباب مايرنو الثوري التقدمي" التي جمعت قادة من جيل الشباب الثوري في المنطقة، وكنت محظوظ في ذلك التاريخ إذ عملت مع هؤلاء المناضلين في حركة شبابية أهم سماتها التنوع الفكري والسياسي والصدق في الدفاع عن حقوق وحريات المواطنيين، وقد خاضت تلك الحركة مظاهرات مناهضة لسياسات الوالي العنصري أحمد عباس في العام 2012م ولم يجد النظام حل لفض المظاهرة إلا باستخدام الرصاص الحي في مواجهة أبناء وبنات الثورة الشجعان والبواسل، وإمتدت حلقات الصراعات السياسية والثورية وفتحت الساحة للتغيير والتحرر ورغم تعثر الحراك بعوامل الضغط الأمني وهجرة بعض المعارضيين والضيق الإقتصادي والإعتقالات لم تتوقف المقاومة في مايرنو حتى خرجت مظاهرات طالبات الثانوية في العام 2014م إحتجاجا علي سلوك الإدارة المشين الذي أذلهن "بطابور شمسي وجلد مبرح" فالإدارة حينها لا تعرف معنى حقوق الإنسان ولا تهتم لحق الطلاب، وكانت تلك المظاهرة خلاصة من الوعي في الوسط الطلابي ونجمة جديدة شعت في تاريخ الحركة النسوية الوطنية، وأيضا يجب أن لا ننسى حراك العمال في المنطقة والتنظيمات السياسية والجمعيات الثقافية التي كانت تقود حركة تنوير وتثوير الجماهير للمطالبة بحقوق سياسية ومدنية مستلبة من قبل النظام الإنقاذي المستبد، فالثورة كانت نتاج فعل تراكمي مستمر في مايرنو كما في كافة أرجاء البلاد.

كان السادس من ديسمبر يوم عظيم في تاريخ سنار التي عرفت بأرض "السلاطيين والمكوك" وهي بقعة إستنارة مفعمة بالنشاط السياسي والثوري، فالثورة المهدية لم تنفصل في تاريخها عن سنار، وما زال التاريخ يذكرنا بما قدمه الأباء من بطولات وتضحيات السلطنة الزرقاء ومعركة أم شوكة الخالدة ومقاومة سلطنة مايرنو للإستعمار الإنجليزي وجسارة الفيلسوف الحكيم فرح ود تكتوك وصمود السناريين في ثورات اكتوبر وأبريل ضد أعتى الدكتاتوريات علي طول التاريخ وبسالة شهيد مايرنو والجزيرة محمد عبدالسلام وشهيد جامعة سنار ميرغني السوميت وشهيد السوكي أنور حسن وشهيد سنار القلعة محمد آدم وشهيد مايرنو جعفر تاج الدين والقائمة مليئة باسماء المناضليين الذين صاغوا تاريخ سنار التليد والحاضر وكانوا أعظم "سفراء السلام والحرية" لشعوب السودان قاطبة، ويعتبر إنطلاق الثورة السودانية من سنار إمتداد لذلك الإرث الثوري العظيم الباقي في سجلات التاريخ السناري والسوداني، وبينما نحن نستشرف عام جديد في سودان الثورة علينا أن نقف ونفكر في ماضي وحاضر بلادنا ونتذكر سير الأبطال ونتغذى من تاريخهم ونحمل رايات الثورة منهم لنسيير في طريق تحرير السودان من الفقر والقهر وسلوك الإقصاء والعزل السياسي والعنصرة والتهميش وكافة أشكال الإنتهازية التي ناضل لإنهائها هؤلاء الفرسان، وعلينا أن نرفض الخضوع لسياسات كنا نناهضها فيما مضى ولا يصح نقبلها اليوم ونخطئ بارتكابنا خطيئة تكرارها في الوقت الحالي والأزمنة القادمة، والحرية لا يمكن أن تعطى للإنسان "بالتقسيط" ولا يكتمل التحرر إلا بالسلام العادل والشامل الذي يعترف بحقوق وحريات الآخرين ويعطي الجميع فرص متساوية في الساحة الوطنية، وسنار إذا سارة في طريق التحرر والتغيير كما نريده لها ستكون شعلة في التاريخ السوداني والعالمي.

هذه ثورة ديسمبر التي عبرت بناء جميعا إلي الوضع السياسي الجديد الذي يختلف عن سابق عهدنا في ظل الحكم الإستبدادي، ونحلم حقا والحلم مشاع للجميع بأن نكون في وضعنا الجديد "ثوار أحرار" ونحقق الحرية والسلام والعدالة وأن يستمر الحكم المدني الديمقراطي لدولة تسع كل السودانيين وأن يتعافى الإقتصاد، والسلام هو المدخل الأساسي لحل جميع مشكلات هذا الوطن، ونتطلع لمفاوضات ناجحة في العاشر من شهر ديسمبر الجاري بعاصمة الجمهورية الجنوب سودانية الشقيقة "بالميلاد والتاريخ" حيث يجري الآن الإستعداد من كافة الأطراف للعودة مرة آخرى لمناقشة قضايا السلام والديمقراطية، والتفاوض في جوبا سيكون بداية لعهد جديد ينتظره ملايين الناس في مناطق الحرب من النازحيين واللاجئيين وسكان مدن وقرى وكنابي السودان بفارق الصبر، ورغم مرور عام علي الثورة دون أن يتحقق السلام الشامل لم ينقطع "خيط الأمل" في أعين الذين تضرروا من الحروب الإنقاذية الإستبدادية، وما زالت أشواقنا للسلام ممتدة رغم كل تلك الأشواك الملقاة علي الطريق، وشعارات ثورة ديسمبر لن تسقط.

المجد للشهداء والعزة للوطن.

6 ديسمبر - 2019م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا