الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4

دلور ميقري

2019 / 12 / 6
الادب والفن


مع أنه التزمَ جانب الحذر، إلا أنّ صوتاً في داخله طلبَ منه أن يتأكد مما رآه بلمحةٍ قبل قليل. وكان آنذاك قد توجه إلى الباب الرئيس كي يفتح لحوريّة، حينَ خيّل إليه أنّ ظلاً بشرياً ارتسمَ للحظةٍ وراء نافذة الصالة، المطلة على الفناء الخارجيّ. لكنه قدّرَ عندئذٍ أن ذلك كان ظل الستارة، المرتسم على زجاج النافذة والمهتز كل حينٍ بفعل تيار الهواء. فما أن سمعَ الصوت الداخليّ، المقاطع لحواره لنفسه، حتى اندفعَ بلا هدى باتجاه كوخ البستانيّ. ارتعد خوفاً وسخطاً، لما تحققَ ما يخشاه: العم عمر، كان يقفُ بمقابل إحدى المناحل وقد أعطى له ظهره. وقد التفتَ مع سماعه وقع أقدام القادم، ثم ما عتمَ أن تكلّفَ ابتسامة كان من العسير أن تُفَسَّر ما لو أنها بداعي الترحيب أو التشفّي.
كون سليم يعرف البستانيّ منذ أعوام عدة، جعلته الخبرة والدِرْبة مؤهلاً لقراءة ما يلوح في سحنته، وفي التالي، سبر غوره. على ذلك، لم يجد بداً من إتيان الأسلوب نفسه معه، وقتما اشترى ذمته بمال ابنة المرحوم رمضان آغا كي يتخلى عن مساندة أرملته. لم يدع العجوزَ الماكرَ يتلو آيات الولاء والإخلاص، بل أوقفه بالقول: " لن أطلب منك خيانة سيدتك لسبب بسيط، وهوَ أنها زوجتي قبل أيّ اعتبار آخر. بالعكس، أنت ستُحسن إليها بالتكتم على أمور تافهة ربما يجعلها الوهمُ تعتقد أنها خطيرة ومستطيرة "
هز العجوز رأسه، دلالة على الاقتناع. ثم قال محاولاً تبرئة نفسه: " يعلم الله أنني فهتُ بنفس الكلام، وأنك من المحال أن تفكر بشيء آخر غير عملك ومصالح أسرتك. كما أنني ذكّرتها بأمر تعريضك نفسك للموت في سبيل حبكما، ما جعل الدموع تنفر من عينيها! ". إذ تأكد سليم من ميل العجوز للمساومة، بادره قائلاً: " كل ما عليك فعله، أن تطمئنها بكون شبهة علاقتي مع أرملة أبيها لا أساس لها في الواقع. ويشهد الله أنها كذلك، لأنني لستُ ملوماً لو كانت حوريّة تريد أن تكرر حكاية امرأة العزيز "
" إن مكرهن لعظيم "، نطقها البستانيّ بنبرة التسليم والقناعة.

***
تمت الصفقة مع الواشي، وما عليه الآن سوى تدبير الأمر مع سيّدته. من ناحيتها، كانت أديبة مصدومة ومروعة من فكرة خيانة رجلها، وتتمنى فعلاً أن تكون مزاعمَ باطلة. مع بدء البستانيّ بحقن مصل التخدير في مشاعرها، آلت تلك المزاعم شيئاً فشيئاً إلى ذكرى ضئيلة، باهتة وواهية. ما كان ذلك متاحاً، لولا أنّ سليم اندفعَ غبَّ انتهاء فترة النفاس إلى فراش امرأته كي يعبّر عن مدى تعطشه إلى جسدها. استحال إلى شبيه أيام علاقة الحب الأولى، وكان الكبتُ وقتئذٍ قد أذكى نار الرغبة في عروقه. راحَ منذ تلك الليلة ينتهبُ ثمارَ اللذة، ثم يعاود اجتناءها المرة تلو الأخرى. استطارت المرأة الملولة فرحاً، وأقبلت عليه خالعة العذار، تنهل من المعين العذب حتى بلوغ الوطر ارتواءً ورضا.
في أثناء ذلك، كان يتعهّد بنفسه تخدير حوريّة بالوعود، مدعياً أنه يسعى على مهل لاستخلاص أملاك وعقارات امرأته قبل الشروع بالطلاق. لقاءاتهما، كانت تتم غالباً في المنزل بسبب برودة الطقس، وتحت الرعاية المخلصة للبستانيّ. في بدء تلك الخلوات الخفية، كانت الأرملة تلتزم جانب الحيطة والتحفظ، فلا تسمح للعاشق بأن يمسها بأي شكل من الأشكال. بيد أنها كانت تعاني من الحرمان، ولا يشكم اندفاعها سوى التعلل بالغد القريب وأنه لا بد ويؤول بهذه الحكاية إلى نهاية سعيدة. مع توالي اللقاءات، غدت أكثر تسامحاً عند زلة العشيق باقتطاف قبلة من مرجها المزهر أو باعتناق فرعها الريّان اللدن. إلى أن استسلمت يوماً تماماً، ووقع ما كانت تحذر منه وتدفعه طوالَ أشهرٍ خلت. قالت في صوتٍ مهموس، عقبَ إفاقتها من بحران المتعة المحرّمة: " أثبت منذ اليوم أنك رجلٌ نبيل، شريفُ النفس. طلّق أديبة غداً، فلا حاجة لنا بمالها "
" ولكن.. ولكن كيف هذا؟ أين اتفاقنا، إذن، وما تعاهدنا عليه من ضرورة الصبر كي لا نحرم أنفسنا من مالٍ هو حقك قبل أن يكون حقي؟ "، رد متلعثماً ضائعاً. انثنت بجسدها بعيداً عن جسده، ثم لملمت ملابسها بصمت. بعدما نهضت، ألقت نظرةً ملية عبرَ النافذة نحو أفقٍ أزرق متماهٍ بقمم مكسوة بالثلج. علّقت على كلامه بالقول، مكشرةً عن بسمة ساخرة طفيفة: " ولكنك لا تحرم نفسك من جسدها، وقريباً سترزقان بمولود جديد! ". ثم أردفت، بنبرةٍ تحفل بالنذر، " لا تضطرني أن أقدم على ما مالأتني به نفسي أن أفعله منذ مدة، فأقوّض هذا المنزل على من فيه ". ارتعدت فرائص سليم، وصار العرق ينضح من جبينه. فتح فاه ليقول شيئاً، غير أنه لم يبقَ بعدُ أحدٌ في مخدع الخيانة الزوجية ليستمع إليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ