الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنق الزجاجة العراقية ما بعد عبد المهدي

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2019 / 12 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


سامي البدري - كاتب عراقي

كما كان متوقعاً، فإن المشهد السياسي العراقي، بعد إستقالة عبد المهدي، دخل في زجاجة جديدة وبعنق أضيق، بسبب أن ترشيح عادل عبد المهدي كان مجرد سبيلاً للخروج من ازمة تقاتل أحزاب السلطة على المنصب، وليس إستحقاقاً إنتخابياً، وبأوامر إيرانية، لأنه كان أكثر ولاءً لإيران من نوري المالكي ذاته، كما أثبت عام حكمه المنصرم للعراق.
ورغم أن إستقالة عادل عبدالمهدي قد جاءت كثمرة لإصرار الثوار العراقيين على إزاحته، كرأس للسلطة، وجزء من منظومة فسادها، إلا أن الأحزاب المهيمنة على الساحة العراقية، مازال كل منها يدير ظهره لغليان الشارع ويحدوه الأمل بالفوز بهذا المنصب، مادامت ثورة الشارع مازالت بعيدة عن أسوار القصر الجمهوري الذي تسكنه، أو المنطقة الخضراء الآمنة كما يصطلحون عليه هم أنفسهم.
وهذا يعني أن هذه الأحزاب مازالت تعيش لمصالحها الخاصة والفئوية أولاً، وأيضاً مازالت مصرة على تجاهل مطالب الشعب ثانياً، وإنها تنظر بعين الإستصغار والإحتقار لمطالب الشعب، لأنها مازالت تؤمن بأنها صاحبة الحق الأول في كل شيء في العراق، ثالثاً، وأيضاً، وهذا هو الأهم، أنها مازالت تثق ثقة كبيرة، وهذا طبعاً بإيحاء إيراني، بأن مليشياتها المسلحة قادرة على حمايتها من صراخ مراهقي ساحات التظاهر، كما تنظر إليهم، رابعاً.
وطبعا فإن وضع الأحزاب السياسية هذا يعني أنها ستدخل نفسها والعراق معها، في عنق زجاجة جديدة، أشد ضيقاً من عنق زجاجة عراكها على منصب رئاسة الحكومة، عقب الإنتخابات، دون ان تبدي أي إهتمام بالشعب وبمطالب حراكه الذي يشهده الشارع منذ شهرين.
إذاً فإن إستقالة عبد المهدي، والتي أساساً لم تكن احد مطالب الثوار، بصورة مباشرة، (لأن الثوار يطالبون، وبالدرجة الأولى، بتغيير النظام كاملاً وتصفية أحزابه تصفية كاملة) لم تكن سوى محاولة ترضية ساذجة من قبل هذه الأحزاب، لتتفرغ هي للصراع على منصب رئاسة الحكومة البديلة، وكأن مشكلة الشعب كانت مع عادل عبدالمهدي شخصياً وليست مع فساد الأحزاب ككل وإستهتار كتلها النيابية ووزرائها بكل الضوابط والواجبات، وتفرغها لسرقة المال العام وتبديد الثروات الوطنية، على إيران ومعاركها في سوريا ولبنان واليمن.
صراع الأحزاب على منصب الوزير الأول، والذي يجري الآن برعاية قاسم سليماني،(الذي ترك حراك الشارع الإيراني وحضر إلى العراق على جناح السرعة)، إنما يؤكد أن هذه الأحزاب وراعيتها إيران، تصران على المضي في ممارسة نهجهما ذاته، وإن إستقالة عادل عبدالمهدي لم تكن سوى أمراً حزبياً داخلياً ومحاولة للإلتفاف على مطالب الثائرين، رغم كل الدماء التي دفعوها، في بغداد، منذ بداية حراكهم، ونهاية بمجزرتي الناصرية والنجف، اللتين راح ضحيتهما، لوحدهما، أكثر من مئة شاب وأكثر من أربعة آلاف مصاب، بنيران قوات مكافحة الشغب ومليشيات أحزاب السلطة المساندة لها.
وهذا هو إجتماع قاسم سليماني اليوم يخرج علينا بترشيح ابراهيم محمد بحر العلوم، وزير النفط في حكومة بول بريمر، الحاكم الأمريكي للعراق، عقب الغزو الأمريكي للعراق، وهو لم يكن سوى لص محترف لأموال النفط، ويرشح اليوم بمقترح من قاسم سليماني، بإعتباره عنصراً مستقلاً لا ينتمي لأيٍ من أحزاب السلطة، بل كان ينتمي لأبيه فقط، رجل الدين، محمد بحر العلوم، عضو مجلس الحكم الذي شكله بريمر، والذي كان قد إشترط توزير إبنه هذا في وزارة النفط، مقابل إفتائه بشرعية الإحتلال الأمريكي للعراق.
إنه عنق زجاجة جديد وأشد ضيقاً من عنق زجاجة حكومة عبدالمهدي، التي لم تترك جحر فساد لم تدخله، وخاصة أمام المجازر التي ترتكبها مليشيات أحزاب السلطة مع المتظاهرين السلميين، وأمام أشكال التسويف والخداع التي تمارسها، منذ الإسبوع الأول لإنطلاق التظاهرات، بإعلانها عن إصلاحات ترقيعية، الهدف منها خداع المتظاهرين وإقناعهم بالعودة إلى بيوتهم، والتي رفضها المتظاهرون جملة وتفصيلا، لأنها ليست سوى محاولة لبقاء هذه الأحزاب في السلطة وإستمرار فساد عناصرها وسرقاتهم لثروات البلد.
إن ترشيح إبراهيم بحر العلوم لمنصب رئيس الوزراء، والذي قابلته تنسيقيات التظاهرات بالرفض القاطع حال الإعلان عنه، إنما يكشف عن سذاجة الأحزاب السياسية وعدم تقديرها لدقة الموقف الذي يعيشه العراق منذ شهرين، وكذلك يكشف عن قصر نظر قيادات هذه الأحزاب في معالجة الأزمة التي صنعوها بأنفسهم، وخاصة بعد ما تكشفت عنه هذه القيادات من وحشية وإستعداد لسفك دماء المتظاهرين العزل وإستهتارها بكل قيمة أخلاقية، وليس بالقيم الوطنية فقط.
إنه التصعيد الخطأ في الوقت الخطأ، والذي لن يجر الأزمة إلا إلى المزيد من التعقيد وتضييق عنق الزجاجة على طرفيّ الأزمة، وخاصة أن المتظاهرين قد كسبوا زخم تأييد شعبي أوسع، بعد مجزرتي الناصرية والنجف.. فهل سيعي سكان المنطقة الخضراء حجم المنطقة الحمراء التي تحيط بهم، والتي وسعوا مساحتها بمجازرهم الطائشة، وحجم ما تملك هذه المنطقة من خطر وقدرة على تذويب خضرة قصورهم المحصنة ببنادق مرتزقة مليشياتهم، التي لا يقودها سوى صبية موتورين، من مثل الفريق الركن (الدمج) الذي إرتكب مجزرة الناصرية؟
ليتهم يعون قبل فوات الأوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل