الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5

دلور ميقري

2019 / 12 / 8
الادب والفن


العم عمر، شاء أن يلعب دورَه الشيطانيّ إلى النهاية. كان في أعماقه يكره النساء الصغيرات السن، مقتنعاً أن خصلة الخيانة متأصّلة فيهن؛ ينتظرن الفرصة المناسبة، لممارسة الإفك والزنا والفجور. برغم إخلاص امرأته الشابة وطيبتها، كان على استعداد أيضاً لاتهامها بمجرد أن تهب نسمة من الظن باتجاه مسلكها. لقد هزّه ما جرى لسيّده، رمضان آغا، وأن هذا غادر الدنيا مثلوم العرض. التزم أولاً جانبَ أرملته، فلم يدخر وسعاً لمساندتها ضد أديبة ورجلها. لكنه قلبَ ظهر المجن لسيّدته، مراعياً مصلحته الشخصية. مع علمه بتورط هذه الأخيرة في علاقة سرية، محرّمة، عادت شكوكه الراسخة تلح عليه: " لم لا تكون قد ختلت رمضان آغا مع وكيل أعماله الشاب، وذلك حين كانت متزوجة. ثم التفتَ هذا الآثم، فيما بعد، إلى ابنة الآغا فأغواها هيَ الأخرى؟ ". بقيَ منذئذٍ لا يستقر على حال، مغيّراً ولاءه في كلّ مرة.
حين دخل الشقاقُ بين العشيقين في ذلك اليوم، كان البستانيّ العجوز يحوم حولهما من بعيد. اتجه إلى كوخه بخطى مطمئنة، غبَّ رؤيته لحوريّة خارجة من منزل خليلها. لم تمض بضع دقائق، إلا وكان أحدهم يقرع بابَ الكوخ. فتحَ للسيّد سليم، وكان هذا بكامل قيافته وقد لف شالاً حول رقبته. لاحت علامات السخط تكسو سحنته، وكان بالوسع تفسيرها على خلفية تأنيب الضمير، لولا أنه بادر بالقول: " سيغدو كل شيء حطاماً، إذا لم نوقف الأرملة عند حدّها "
" هدئ من روعك، يا صاحبي. لكن تفضل واجلس أولاً "، قالها العجوز وهوَ يدفع كرسياً باتجاه ضيفه. أخرج السيّد منديلاً حريرياً من جيبه، ثم أخذ يمسح سطح الكرسيّ قبل أن يهمد عليه في تثاقل. كان الكوخ بارداً، مع أن الشمس أشرقت دافئة منذ الصباح. ظل واقفاً البستانيّ، يصيخ السمع بانتباه لما سيفوه به سيّده.

***
الخطة المرسومة، المقرر تنفيذها في صباح اليوم التالي، كانت تتفق مع رتابة الحياة في منزل الأسياد، الموزع على أسرتين فضلاً عن كوخ البستانيّ. هذا الأخير، هوَ من أقنع العاشقَ الملول بسهولة التخلص من الأرملة، التي تكاثفَ في داخلها الخنا واليأسُ معاً حدّ الاستهتار بالفضيحة والعار. إذ تأكّد للعجوز أن حوريّة لو نفذت تهديدها بفضح العلاقة السرية، ستتسبب ليسَ بتقويض المنزل حَسْب، بل وأيضاً بطرده إلى الشارع. كان من المفترض أن يُستهل تنفيذ الخطة، بعيدَ سير أديبة مع مربيتها إلى السوق: يُهرع سليم إلى منزل الأرملة، بحجة ضرورة مناقشتها لمحاولة ثنيها عن العدول عما في رأسها. بعد دقائق، يسمعان صوتَ البستانيّ آتٍ من التراس يُنادي لهما. يخرج العاشقان إلى الشرفة، لمعرفة جليّة الأمر. يُمسك ثمة أحدهما بالآخر، فيقذف به إلى أسفل، أينَ الصخور المسننة، المكتنفة المنحدر المؤدي إلى عمق الوادي. كون الشرفة يقطع فراغها حبلُ غسيل، سيبدو سقوط ربّة المنزل هنالك حادث قضاء وقدر؛ أي حينَ كانت هذه واقفة على كرسيّ كي تنزل الملابس المجففة. لمزيدٍ من إبعاد الشبهة عن نفسه، كان من المأمول أن يتجه سليم بعيد التيقن من موت الأرملة إلى بيت أبيه، الكائن في البلدة القديمة.
بينما كان السيّد سليم يقفُ بهيئة السكران بإزاء باب عليّة الأرملة، المحاذي لمدخل الدار، إذا به يسمع من خلفه صوتاً نسائياً ينده باسمه. التفتَ مُجفلاً، ليرى امرأته تتحرك عند المدخل مع مربيتها. سألته عابسة وهيَ تشير إلى الجهة المقصودة: " هل لكَ حاجة فوق؟ ". أفرخَ روعه؛ وكأنما هذا الظهور، المفاجئ على حين بغتة، قد أنقذه من ورطة لا راد لها. هكذا شدّ قامته، ليرد بنبرة حافلة بالكبرياء والثقة بالنفس: " سمعتُ صوتَ الطفل يبكي طوال دقائق، ويبدو أن والدته مشغولة عنه في شأنٍ ما "
" أراكَ في ثياب الخروج، فهل تنوي زيارة أحد؟ "
" نعم، شعرت بالضجر وقررت أن أتوجه إلى بيت أبي "، رد دون أن يزايله الضيق تماماً.
" لم يعُد يأتي صوتُ بكاء، ما يعني أن حوريّة انتبهت لابنها "، علّقت آمنة من وراء ظهر سيّدتها. لم تعجبه لهجة المربية، لكنه تجاهلها وقال يسأل امرأته، " لعلك نسيتِ شيئاً ما، وإلا ما عدتِ بسرعة للبيت؟ ". أجابت أديبة، مشيرةً بإصبع الإبهام إلى الخلف: " بلى، نسيتُ كيسَ مالي وكان هذا بسبب لجاجتها ". قالتها مطلقةً ضحكة صادقة وطبيعية، زادت من طمأنة الرجل.
بيد أنّ أديبة لم تخرج من المنزل في ذلك اليوم، ولا في خلال الأيام العشرة التالية. لقد دهمها الطلقُ، لحظة إمساكها كيسَ المال. وكان رجلها قد أمسى خارج المنزل، لما عاد مسرعاً بعدما لحقه البستانيّ. كونها الولادة الثانية، ما عانت أديبة كثيراً من الألم. كذلك لم تستغرق عملية خروج الابنة إلى نور الحياة سوى أربع ساعات؛ هيَ من مكثت في رحم الأم سبعة أشهر. مجيء " سارة "، جعل الهدوءُ والسلام يخيم على المنزل، المقسوم بين المرأتين الغريمتين، ولو كان ذلك بصورةٍ مؤقتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ