الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إن لم نستطع منع الحروب فلا أقل من أن نكرهها- نحو ثقافة مضادة للحرب

كريم رضي

2003 / 4 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


إن لم نستطع منع الحروب فلا أقل من أن نكرهها- (نحو ثقافة مضادة للحرب)
لاشك أن ما يحدث من تدمير هائل للكائنات ومقدرات الأمم في هذه الحروب التافهة أمر لا يمكننا التأثير فيه. لقد مرت على منطقة الخليج ثلاث حروب مدمرة وتأتي اللاحقة لتكون أعنف من سابقتها وأشد خطرا وأرقى تكنولوجيا.
بالطبع جميعنا سواء الرافضون لهذه الحرب أو تلك والراغبون في الاستفادة من مكاسبها أو العازفون عن هذه المكاسب والمؤمنون بخير هذه الفتن أو بشرها جميعنا سنشترك في شيء واحد وهو أن هذه الحروب ليست حروبنا كشعوب في هذه المنطقة وأننا لسنا قادرين على التحكم لا في بدئها ولا في نتائجها. وأن الدور الوحيد الذي يمكننا القيام به هو دور الرافض أو المؤيد، إي إما التصفيق تأييدا أو التصفير استنكارا وشجبا.
لهذا فإن علينا أن نعمل ما يمكننا عمله وهو خلق ثقافة مضادة للحرب ، كل حرب ، أيا كان من يبدأها أو يشعلها.
لقد أثبتت العقود الماضية من القرن العشرين أن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في العالم التي شهدت هذا المعدل المتسارع من الحروب في فترة تقل عن ربع قرن. ثلاثة حروب في هذه الفترة القصيرة.

لم تعان أية شعوب في الأرض إطلاقا مقدار ما عانته أوروبا من الحروب فقد قتل في الحربين العالميتين الأولى و الثانية ما يقارب من 100 مليون إنسان ولا يوجد حتى الآن في التاريخ ما يماثل فظائع هذه الحربين إنسانيا.
ولهذا فإن في هذه المجتمعات الآن نشأت ثقافة (أنثوية) إذا صح التعبير، لا بمعنى أنها ترتبط بالأنثى دون الرجل ككائن بيولوجي وإنما بمعنى أنها ثقافة فيها الكراهية التلقائية الطبيعية التي تضمرها كل أنثى للحرب ، كل حرب.
ولهذا ربما نجد أن شعوب أوروبا كانت دائما الأكثر رفضا من الشعوب الأميركية للحرب. وأولئك الذين ظنوا أن رفض هذه الشعوب لهذه الحرب كان ضد أميركا ومع العراق تحديدا لم يدركو أن هذه الشعوب قد أصبحت معادية بشكل شبه غريزي للحرب، كل حرب، وليس هذه الحرب فقط.
وعندما انتقد كولن باول أوروبا القديمة كما أسماها وهما فرنسا وألمانيا وبلجيكا واصفا إياها بأوروبا العجوز التي لا يهمها سوى القوانين والمبادئ ودعا إلى أوروبا شابة بديلة متمثلة في أوروبا الشرقية، رد عليه وزير الخارجية الألماني فيشر، بالقول إن أميركا لم تعش ما يماثل معسكر أوشفيتز أو دمار المدن الذي حدث في أوروبا في الحربين الكبيرتين.
وهذه حقيقة، فقد خدمت الجغرافيا أميركا بحيث كانت دائما تقاتل خارج أرضها ثم تعود إلى ديارها وهي سالمة مطمئنة ، قد ضحت برجالها ولكن سلمت بلادها ولذلك فهي أكثر استعدادا تاريخيا لشن الحروب.
أعتقد أن تلاقي مجموعة من مثقفي شعوب الخليج والجزيرة العربية والعراق وإيران من مختلف الملل والمبادئ والأيديولوجيات يمكن أن يشكل أرضية لخلق ثقافة مضادة للحروب إلى الأبد، ثقافة باردة مسالمة تملأ أذهان الناشئة بكراهية الحروب وباعتماد الصراع السياسي أيا كانت شدته بديلا للصراع العسكري.
ثقافة تكرس احتقار الحرب والسخرية من رجالها ومن لباسها ومن رموزها وتعزز العمل للعلم و السلم والتقدم في البناء والتعمير والعلاج والتعليم والفن والثقافة والعبادة.
إن شعوب هذه المنطقة الغنية قد وضعت في أفضل المناطق حظا بثرواتها وهي في الوقت نفسه أسوأ المناطق حظا بوجود الطامعين في هذه الثروات.
لقد أنشأت أوروبا منظمة اليونسكو للثقافة والتربية والعلوم في أعقاب صمت هدير المدافع في الحرب العالمية الثانية خالقة بذلك من القلم بديلا للصاروخ ومن الكتاب بديلا للدبابة،وبعد أن شعر مثقفو أوروبا المدمرة آنئذ، إلى حد كان يمكن أن تسهم الثقافة والتربية في تشكيل أرضية مضادة للحرب. وبأنهم في غمرة انتصارهم لهذا الطرف أو ذاك حتى ولو كانوا محقين، كما في حال الوقوف ضد الفاشية والنازية، إلا أنهم أنفسهم قد تشوهت أرواحهم بدخان المعارك بمقدار ما تشوهت الأجساد.
ومع ذلك لم تتورع الحكومات الأوروبية عن خلق الحروب في كل الكرة الأرضية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية داعمة هذا الطرف أو ذاك، ولا يوجد أدنى شك في أن أوروبا وبالذات ألمانيا ( التي تعارض الحرب اليوم) وبريطانيا هي التي قدمت للعراق الكثير من الأسلحة المحرمة ومواد التدمير الشامل. ولكنهم ومنذ الحرب العالمية الثانية حافظو على قارتهم ( الجزء الغربي على الأقل) خالية من أي حرب. ولم يكن الهجوم الأطلنطي على يوغسلافيا السابقة نصرة للمسلمين بقدر ما كان للقضاء على أخر بؤر الحروب لتبقى أوروبا كما يحبون لها أن تكون دائما ملتقى العشاق وواحة الثقافات وبالتأكيد سوق العمل و الأرباح. 
إنها كلمات صغيرة قد تضيع الآن في رياح المصالح والدمار، ولكنها قد تصل يوما ما إلى قلب بعيد فيجد فيها شيئا مشتركا وتتزايد القلوب الضعيفة المؤمنة بالسلام والكارهة للحرب، كل حرب.


كريم رضي
البحرين

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي


.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي




.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف حرب إسرائيل على


.. ما الذي حققته زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية في مفاوضات وق




.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب