الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيف دمشق

جهاد الرنتيسي

2006 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تاخذ سياسة حافة الهاوية التي تتبعها دمشق منذ عقود منحى الايغال في التعقيدات ، و انحسار الخيارات مع تسارع ايقاع الازمات المفتوحة على المجهول ، والمتشعبة الاتجاهات .
فالظواهر التي تم رصدها على جانبي خط الزلازل الممتد بين دمشق وبيروت ، مرورا بالبقاع ليست معزولة عن مجرى التحقيق في اغتيال الحريري ، وافرازات مداولات الامم المتحدة منذ صدور القرار 1559 .
ويوفر تداخل الاجراءات التي يتخذها المجتمع الدولي ـ ممثلة بالقرار 1860 وتقرير براميرتس المرتقب ـ مع حملة الاعتقالات التي طالت نخبا ثقافية وسياسية سورية واعادة ازمة حلفاء دمشق الفلسطينيين في لبنان الى الواجهة مدخلا ملائما لتجاوز الغموض الذي يعتري المشهد .
فالمؤشرات التي يمكن التقاطها توحي بان ملاحقة السلطات السورية لموقعي اعلان بيروت ـ دمشق واطلاق جماعة فتح ـ الانتفاضة النار على الجنود اللبنانيين في البقاع جاءا على ايقاع صخب القرار الدولي الذي يجبر دمشق على اقامة علاقات طبيعية مع بيروت وقرب العد التنازلي لتقرير براميرتس المتوقع ان يتضمن اتهامات مباشرة لمسؤولين سوريين بالتورط في اغتيال الرئيس الحريري .
ويعود قلق صانع القرار السوري من الاعلان الذي حدد رؤية النخب اللبنانية والسورية لمستقبل العلاقة بين البلدين الى شعوره بالمازق الذي تواجهه سياسته الخارجية .
فقد كرس الاعلان حقيقة مفادها ان الامر لم يعد مقتصرا على غياب العمق المفترض ان يتكئ عليه النظام السوري مع زيادة تفاقم ازمته السياسية في لبنان .
وعلاوة على العزلة الداخلية لسياسته الخارجية وجد صانع القرار السوري نفسه في مواجهة برنامج مغاير لهذه السياسة وضغط داخلي لتنفيذه .
ولذلك تعاملت السلطات السورية مع الاعلان بطريقة تنطوي على استفزاز يعيد الى الاذهان ما تعرض له اصحاب الاصوات المطالبة بالتعددية في ربيع دمشق .
ولا شك في ان القواسم المشتركة بين الاعلان وارادة المجتمع الدولي التي عبر عنها القرار 1860 لعبت دورها في اسلوب المعالجة غير محسوب النتائج الذي اتبعته السلطات السورية مع نخب تحظى باحترام الشارع .
و لمثل هذه الاساليب محاذيرها على الوضع الداخلي ، فلم يعط صانع القرار السوري وهو يقدم ميشيل كيلو وانور البني ورفاقهما للمحاكمة اعتبارا لفرص التفاهم ، و المصالحة ، والحوار التي تبددها مثل هذه الاجراءات.
فمن اللافت للنظر ان قوى المعارضة السورية وجدت في حملة الاعتقالات والمحاكمات فرصة لتفعيل دورها من خلال دعوة امين عام الامم المتحدة الى التدخل ، والتلويح بالنزول الى الشارع ـ على غرار ما يجري في بيروت بين الحين والاخر وما جرى في اوكرانيا ـ ومرورا بتسريع حركة المحور الثالث التي شرعت في توسيع حضورها بين النخب العربية ،والسعي لمحاكمة الرئيس السوري امام محكمة لاهاي .
كما استندت المعارضة السورية المنتشرة في اوروبا والولايات المتحدة على حملة الاعتقالات لتاكيد استحالة معارضة الحكم في الداخل وتبرير معارضتها من الخارج .
وبين النتائج التي يمكن استخلاصها من تطورات الملف السوري بدء ذوبان جبل الجليد بين معارضتي الداخل والخارج وان كان الوقت مبكرا للحديث حول قيام تحالفات جديدة .
الا ان صانع القرار السوري تجاهل التداعيات المحتملة لطريقة تعاطيه مع الموقعين على اعلان بيروت ـ دمشق واكتفى باستدعاء ممثل الاتحاد الاوروبي وابلاغه رفضه للانتقادات الموجهة الى حملة الاعتقالات .
وينطوي الاكتفاء باستدعاء ممثل الاتحاد الاوروبي على رغبة في توجيه رسالة ما الى الاوروبيين تفيد برفض تدخلهم في الوضع الداخلي السوري.
فالانتقاد الذي وجهه الاتحاد الاوروبي لحملة الاعتقالات كان جزء من حملة شنتها نخب ثقافية واعلامية وسياسية منتشرة في مختلف انحاء المعمورة للافراج عن كيلو والبني ورفاقهم .
ولا يخلو التحرك لتحييد الانتقاد الاوروبي من حرص على الحيلولة دون توسيع قنوات الحوار بين المعارضة السورية والمجتمع الدولي للحد الذي يقوض السلطة في دمشق .
فمن غير الممكن ان تتجاهل القيادة السورية التبعات السياسية للتقرير الذي يعده براميرتس على نار هادئة وان تجاهلت الداعيات المحتملة لحملة اعتقال النخب المؤهلة لتشكيل حالة قادرة على التعاطي مع الفراغ السياسي المحتمل .
وفي سياق محاولة خلط الاوراق قبل تقرير براميرتس جاء تسخين حركة فتح ـ الانتفاضة للوضع اللبناني باطلاق النار على جنود لبنانيين في منطقة البقاع مما ادى الى مقتل احدهم .
فالمعروف عن التنظيم الذي قاد الساحة الفلسطينية الى حمام دم في الثلث الاول من ثمانينيات القرن الماضي علاقته شبه العضوية مع الادوات الامنية للنظام السوري .
وادت العلاقة التي تعود الى المراحل الاولى من انشقاق التنظيم عن الحركة الام الى تنحية قادة المشروع السياسي لما عرف بـ "الانتفاضة " الثورية في ذلك الحين واعادة ترتيبه ليتكيف مع القوالب المحددة سلفا لحلفاء دمشق الفلسطينيين .
ومنذ ذلك الحين تقوم حركة فتح ـ الانتفاضة باستكمال المعارك التي تبداها الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وتحول الظروف دون اكمالها .
وادت طبيعة العلاقة بين فتح ـ الانتفاضة والسلطات السورية الى ايصال بعض السياسيين السوريين الى قناعة بان ظهور هذا التنظيم كان تعبيرا عن حاجة النظام السوري الى تجديد واجهته الفلسطينية .
ولذلك لم يكن مستغربا ربط الحكومة اللبنانية بين اطلاق النار على جنود لبنانيين في البقاع بما تعرض له موظفو الجباية في بلدة الناعمة من قبل ، وتحميل الجانب السوري مسؤولية التطورين ، اللذين يثيران حالة من القلق بين فلسطينيي لبنان .
والواضح من خلال سياق تطورات الاحداث التي اعقبت مقتل الجندي اللبناني برصاص مقاتلي فتح ـ الانتفاضة ان المنزلق الذي تتجه نحوه محاولات خلط الاوراق اللبنانية تفوق مخاطره ما يمكن ان يؤدي اليه اعتقال النخب السورية .
ففي الايام الماضية تداولت بعض التقاريرغير المحايدة ما يوحي بتحالف فلسطينيي سوريا في لبنان وحزب الله مع حركة امل لتوتير الاوضاع بالشكل الذي يقدم الغطاء اللازم لتهرب دمشق من متطلبات تقرير براميرتس المتوقع ان يتضمن اتهامات مباشرة لاركان في النظام والاجهزة الامنية السورية.
وحاولت بعض التسريبات الايحاء باتفاق الفلسطينيين بكل قواهم على
تفجير الاوضاع في لبنان مما يوحي بان هناك من التقط طرف الخيط وبدا بغزل كارثة جديدة لفلسطينيي لبنان مستغلا ما جرى في البقاع مؤخرا .
وفي جميع الاحوال لن توقف حملة الاعتقالات في صفوف الموقعين على اعلان بيروت ـ دمشق ، وافتعال بعض الجهات الفلسطينية الموالية لدمشق الازمات في لبنان المجتمع الدولي عن المطالبة بتنفيذ القرار 1860 ، والتجاوب مع متطلبات تقرير براميرتس .
وبذلك سيكون صيف دمشق السياسي هذا العام الاكثر قسوة وربما قدرة على احداث تغييرات دراماتيكية مالم يتم التعاطي مع الاستحقاقين الدوليين بالشكل الذي يراعي التوازنات الدولية ، وتطورات الوضع الداخلي السوري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل