الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة الطبقة الوسطى في العالم الرأسمالي

كيفي امين

2019 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الاول:
آليات صعود وانهيار دولة الرفاه الديموقراطية في الغرب

تراكم الثروات في يد حفنة من الشركات و والبنوك والأفراد هي إحدى مظاهر النظام الرأسمالي. ففي سعي البشر لجمع الثروات و ضمان مواقعهم الاقتصادية في نظام قائم على المنافسة الشرسة تتجمع الثروات لدى البعض كنتيجة طبيعية لآليات المنظومة. فمن ينجح في تكوين ثروة بمقدوره وتوظيفها لزيادة ثروته, او كما يقال المال يأتي بالمال. بالنهاية يتشكل هرم اجتماعي على أساس كمية الثروات التي في حوزة كل شركة، مؤسسة، شخص او أسرة.
عندما يسعى اغلبية الناس الى الحصول على حاجاتهم فانهم يعملون بالاجرة "راتب". عملهم سيعطي مردودا لصاحب العمل أيضا. منذ الخمسينات و الستينات من القرن الماضي دخلنا في عصر الإنتاج الآلي الضخم الذي يعتمد استخدام الروبوت و الحواسيب و العقول الالكترونية والبرمجيات في الإنتاج و يتم الاستغناء تدريجيا عن أعداد كبيرة من البشر. فكانت هنالك ازمة خانقة, الإنتاج يتضاعف باستمرار و القدرة الشرائية تتدهور باستمرار بسبب تسريح العمال. و باستخدام حسابات رياضية بسيطة كان يمكن رؤية أن استمرار ذلك كان سيؤدي الى توقف الدورة الراسمالية و معها الانتاج. استخدمت الراسمالية الورقة الاخير التي كانت في يدها, و ذلك عبر فصل النقود عن الغطاء الذهبي و تحرير البنوك لخلق النقود من العدم عبر نظام التسليف الجزئي الذي أقره البنك الفيدرالي الأمريكي 1971 و تحول الى نظام مصرفي عالمي فيما بعد. و بهذا أصبح لدى البنوك القدرة على تسليف الأفراد و الشركات و الدول في عملية تسمى بخلق المال من العدم أو
"create money out of thin air "
يستطيع من يريد البحث في الموضوع أن ينسخ هذه الجملة في اليوتوب او الجوجل ليحصل على شرح عنه.

أدت عملية خلق النقود هذه الى انتعاش اقتصادي في السبعينات شهدته البشرية بشكل عام و كان سببه تضخم قطاع جديد هو قطاع الخدمات. وظهرت ملايين الاعمال غير الضرورية مثل قطاع الدعاية و المبيعات و توسعت الأسواق ليصبح السوق و التسوق اسلوبا لحياة الناس. أصيب الجميع بحمى التسوق. فالنقود الجديدة التي تضخ في الأسواق على شكل قروض بدأت تؤجج الاسواق و تدفع إلى إنتاج المزيد من البضائع و الخدمات طالما كان الناس لديهم النقود للشراء. و طالما كان الجميع يتسوقون فإن فرصا جديدة للعمل أخذت تظهر و صار لدى الكثير من الناس محلات تجارية و شركات دعاية و مطابع يعمل فيها ملايين الموظفين. فكان كل شئ يبدو و كانه يسير على أفضل مما يرام.
هذه العملية ادت الى انتعاش طبقة كانت في طريقها الى الضمور و هي الطبقة الوسطى. فالطبقة الوسطى لم تكن في الحقيقة سوى هؤلاء البشر اصحاب المشاريع الصغيرة في قطاع الخدمات و المشاريع الانتاجية الصغيرة و الموظفين و العمال الذين كانوا يعملون لديهم او لدى الشركات الكبرى. فهم في الحقيقة الطبقة التي كانت تستطيع استلاف النقود وشراء البضائع و دعم دورة الإنتاج الراسمالية. هذه الطبقة استلفت النقود ايضا لشراء المنازل و كلما استلفت اكثر ارتفعت اسعار العقارات و أدى الى ظهور ما يعرف الآن بـ فقاعة العقارات. و كلما زادت اسعار العقارات كلما زاد قدرة البنوك على التسليف و ضخ الاموال في الاسواق.

الطبقة التي تسمى بالطبقة الوسطى كانت المسؤولة عن دفع الضرائب و انتعاش الأسواق و استمرار الدورة الانتاجية و بالتالي فان الاقتصاد الرأسمالي برمته كان وما يزال يقف على أكتافها. هذه الطبقة في الحقيقة لم تكن طبقة و لكنها كانت ظاهرة ساخرة تم خلقها من الديون. فالطبقات الوسطى ما عدا فئات قليلة جدا منها لا تملك سوى الديون التي تتراكم عليها باستمرار ولكنها رغم ذلك أصبحت رمزا لمفخرة انصار النظام و سببا في بقاء المنظومة.

منذ انتهاء المفعول السحري لنظام الديون وتفاقم ازمة الديون بدأت الطبقة الوسطى تنحسر وتخسر مواقعها وقدرتها الشرائية يوما بعد يوم و ينحدر اعدادا متزايدة منها الى طبقة ثالثة مسحوقة و مغمورة تماما. طبقة تعيش في الدول الأوروبية و بعض الدول المتقدمة مثل كندا استراليا امريكا و اليابان على نظام المعونات الاجتماعية التي يتم تمويلها من الضرائب. وفي دول العالم الثالث يعيش هؤلاء في العشوائيات او في غرف حقيرة في الاحياء الشعبية حيث تتقاسم عدد من الاسر غرف ضيقة في ظل غياب انظمة ضريبية و نظام ضمانات اجتماعية فيها.

إن الطبقة الوسطى كانت خرافة صدقها الجميع. انها لم تكن موجودة سوى في إطار نظام الديون الذي أقيم في عالم افتراضي. وهي خرافة أخذت تختفي تدريجيا من الوجود يوما بعد يوم. و هذا يلقي بظلاله على اقتصاديات جميع دول الرفاه التي أصبحت تمارس سياسات التقشف لحماية عملاتها من الانهيار الأمر الذي يؤدي الى توقف دورة الانتاج و ينذر بكارثة اقتصادية.

و تظهر دعوات يائسة هنا و هناك في العالم الغربي لانقاذ الطبقة الوسطى ودعمها لأنها العمود الفقري لهذه المنظومة. و لكن الرياضيات لا تصغي الى رغبات السياسيين. و منظومتنا قائمة على رياضيات خاطئة و تدهور و ضمور هذه الطبقة لا مفر منه. هذا هو سبب انتشار شعار نحن ال 99% في اوروبا و امريكا. حيث ان الصورة بدأت تتجلى حول حقيقة أن الثروات في الواقع كانت دائما في يد اقل بكثير من 1% من الناس أما البقية فهم لا يملكون سوى ديونهم أو قوة عملهم ليبيعوها في أسواق لم تعد بحاجة إلى العمل البشري.
الهرم الاقتصادي الرأسمالي بدأ ينهار من وسطه ليترك النخبة التي في القمة في مواجهة مباشرة مع 99% من المجتمعات البشرية. و انهيار اسطورة الطبقة الوسطى هو بداية لانهيار منظومة السوق الرأسمالية.

ماذا عن الطبقة الوسطى في العالم الثالث وما انعكاسات انهيار الطبقة الوسطى في العالم الغربي على دول العالم الثالث؟ هذا ما سأتناوله في الجزء الثاني من المقال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرجاء ان تكون اكثر تحديدا
طلال السوري ( 2019 / 12 / 8 - 23:46 )
جاء ذكر الرياضيات اكثر من مرة ولم نرى رياضيات؟

الرجاء ان تكون اكثر تحديدا

المقال جاء سرد انشائي دون بيانات او بينات


2 - المراحل تظهر فيها تنوعات تموت واحدة و تظهر أخر ى
علاء الصفار ( 2019 / 12 / 9 - 15:01 )
تحية طيبة
ان الراسمالية انتجت تنوعات من الاستغلال الطبقي في تهافت بما يدعى نفاقا الراسمالية تجدد شبابها! الراسمالية كما الدين فهي تتطفل على العلوم كما يحاول رجال الدين تأكيد ان المعارف كلها تأتي من الانجيل رغم انهم اعدموا كاليلو بقوله دوران الارض حول الشمس!تطورت
الليبرالية لجديدة, هكذا رقص شبيبة الانكليز لموت تاتشر!بعد أن وعى البشر سفا لة الراسمالية والتي هي بيضة فاسدة! ثم قال ماركس أن البشرية إذ اخفقت بتحقيق الاشتراكية ستندحر للبربرية! من علامات العصر الحالي, مزية غزو العولمة وهي ما نوه لها ماركس بشكل شفاف لتكون مدفع ضد فقراء العالم وكادحي البلدان الرأسمالية!لذا العصيدة الراسمالية كقول المثل اللي يعيش بالحيلة يموت بالفكر!لذا ان سقوط الراسمالية ليس كسقوط السوفيت هو يجري بصمت ابواق الراسمالية ولكن مفكريهم يقرأون طالعهم التعيس,لذا يلجأون لكتابات ماركس فاغري الفاه, متعجبين كيف استطاع قبل قرن توجس مصير البشرية,أن ما يجري هو ابتلاع رأس المال للطبقة الوسطة,إذ لا توجد منطقة وسطى بين الجنة و النارههه! بإختصار سمك كبير
يأكل سمك صغير!المصيبة سيموت ليس البشر بل كل الحياةم هدد لللفناء !ن


3 - اين تعليقي رجاء وقد مر على ارساله اكثر من 24ساعه
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2019 / 12 / 10 - 04:28 )
تحياتي


4 - مظاهر انهيار الراسمالي اليوم تتجلى بخروج الملايين
علاء الصفار ( 2019 / 12 / 10 - 14:41 )
مر 4 عقود لهزيمة الشيوعية الستالينية وسقط السوفيت,وبه صار انفراج للغرب وامريكا لنهب الشعوب, لكن غزو العولمة الامريكي هو مخالف للغزو الاستعماري القديم, فذاك كان يبني المستعمرات واسواقها للمنافع في تصدير البضائع اما زمن الامبريالية يعمل تدمير البشرية في سعي الراسمال لسحق الشعوب,اذ جاءت مفاهيم عنصرية تفوق ما جاء بها هتلر,فهم من نظر -للجنس الابيض-بصراع شمال وجنوب- لذا نلمس العنصرية في الغرب وامريكا بتوجهات بربرية ستتصاعد لمستوى داعش!من خلال هجمات على المسلمين أولاً لتشمل يهود وروس وفرس وصينيين وو!هذا جوهرعقل حفنة بربرية تقود العالم نحو الحروب الجحيم, وهويتناغم مع ضرب الطبقة الوسطى, التي كانت بيضة القبان لعقود,فهذا كان لايام زمان مباراة مع الاشتراكية بشعبيتها بالعالم!اليوم وبغياب الشيوعية وانصارها, فتضرب طغمة لراسالمال المالي, كل من يقف ضد عقلية السيطرة للجنس الابيض, فهم يرون الازمة للطاقة والاقتصاد تتطلب تقليص تعداد البشرية لمليارد ابيض ليمكن للارض توفير السعادة لهؤلاء لاطول مدة تاريخية على الارض!اي الغرب وامريكا سيحولون البشرية لعبيد عصريين بتكنولوجيا تخدم الحفنة المالية!عبيد وطغمة! ن

اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض