الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاتغلق الهاتف

سمير عبد الرحيم اغا

2019 / 12 / 9
الادب والفن


3 اختفت كل الوجوه ، هي مجرد ظلال ، وهو الصائم عن اكل نخلة رجل ضاع بين زمنين ، كان عليه ان يدعي الصيام ، كان الوقت قد جاوز الثانية بعد منتصف الليل ، الشوارع واهية ، تعثرت خطواته في زوايا الغرفة بحافة السرير ، ترجرجت الثوابت من حوله ، رن الهاتف النقال ، رن أكثر من مرة ، انتظر أكثر من دقيقة ولا احد يرد ، يسمع الرنين ، في لحظات الرنين قال :
- لقد تغير كل شيء في الموصل ،
ظن ان الرقم الذي يريده تغير ،وحسب تقدير ذاكرته فان الشخص المطلوب لايزال داخل الموصل ، المكالمات الخارجية تبدلت ، (كان يتوجب علي الرد : نعم . صوته يأتي من بعيد لرجل ظننت انه مات ) أغلق الهاتف ، عاد يحدث نفسه في صمت وانتظار ، لو يسال احد.. لعله يساعده ، ولكن الكل غير موجود ، هو الوحيد الذي بقي في البيت ، رن الهاتف ولكنه لم يرد ، كان رقما غريبا ، توالى الرنين ، وتوالى معه الخوف والارتباك الذهني ، لابد ان الخوف دلالة على عدم الرد ... بعض الأرقام ترن غريبة بدون أسماء ، من أين لهم رقمي ...؟ الكل يريد أن يعرف انه في البيت حتى جيرانه . كيف يتصل بأهله ، قلب الأسماء في الهاتف .. اسما بعد اسم ... بعض الأسماء قتل أصحابها ، وهذا خطف ولم يعود ، وهذا لم يظهر له اثر ، ذلك وجدت جثته بعد أيام وعليها آثار أطلاقات نارية ، مناطق بأكملها هدمت ، بيوت المسيحيين أصبحت (وقفا ) لهم ، أخرى أصبحت خرابا ، الركام يملأها و لا يمكن المرور فيها حتى في حالة التوقف، شوارع بأكملها القنا صون هم المسيطرون عليها ، لان أهلها تركوها ، ... هربا وخوفا من القتل ليس إلا ، يمر على الأسماء بحذر ، هذا استقر في تركيا ، وآخر في أمريكا ، وثالث في السويد ، أدار الرقم ثانية ، تغير الانتظار ، عاد الصوت نفسه يسال :
- من أنت ..؟
_ أي رقم طلبت
كان الصوت غامضا ، ساخطا ، لمس الرقم الذي طلبه ، نعم انه هو ، ولكن الصوت غريب ، أغلق الهاتف ، قبل ان يسمع رد الطالب ، أهالي الموصل يهاجرون داخليا من منطقة الى أخرى تنسجم مع ميولهم السياسية والمذهبية ، اتصل بصديق له يعرف ميوله السياسية .. يسكن منطقة لا تنسجم مع هذه الميول ، رد صوت لم يألفه من قبل .. سال عنه ...تلعثم الصوت ثم سأله : أي رقم اتصلت ( آسيا أم زين ) رد :
- ما رقمك انت ..؟
رد بعد ان نفذ صبره ، عرف ان هاتف صديقة سرق ، السارق يريد رقمه ليعرف أين هو الآن ، سرقوا الخطوط بعد ان سرقوا البيوت ، .. الوطن .. الذكريات ... وأحلام وأمنيات بقيت معلقة في جذع شجرة ربما تسقط الشجرة في حضني وتكبر ، اتصل الرقم ... يظهر أمامه بدون اسم ، وأي رقم يمثل خطر في ذهنه ، رد عليه صوت خشن :
- نعم
قال :
- بيت من هذا ..؟
انقلب الهدوء في البيت إلى سخط تام ، كاد أن يمزق طبله أذنه ،
- هنا مقر ( الدولة ... ولاية الموصل )
تعجب لإضافة وقفة عن الأصدقاء والدنيا تشتعل ، لم يعد يفكر ، وهو في هذا الموقف الخطر ، هل سيعرف المسلحون طريقه من التلفون ويعرفون مكان بيته ، وسيكون هو في عداد الموتى ، كل من يتصل بأي جهة خارجية .. يقتل . وترمى جثته إلى الكلاب ، كم يكره الأرقام .. وخاصة في الهاتف ، حتى أن أصابعه لم تعد قادرة على تقلب الأسماء او الأرقام .. هناك صوت غاضب يمزق طبلة أذنه ،مساء قبل ان تغمس البلدة في السبات و تتجول كائنات برايات سود وموجها العالي يسد الجبال ، لا ترى أثرا لبلدة أو مئذنة أو لون علم ، لو أصبح مريضا ، لو احتاج مستشفى .. فكيف يصل ، وليس هناك من نجدة ، الأطباء هربوا بل تركوا العراق كله ، المستشفيات ضربتها الصواريخ ، لأنها أصبحت مقرا للمسلحين ، ومنهم بقي تحت الصواريخ والقذائف ، الأطباء معرضون للموت ، لأنهم يحاولون إنقاذ الآخرين ، ما فائدة الهاتف ان كان لا يستطيع ان يذهب إلى السوق أو المدرسة ، فجأة رن الهاتف ؟
من المتكلم ...؟
رد علي شخص ، سأله بلهفة قوية
_ كنت أخشى ان لا أجدك ، أنا سعيد بوجودك .. وسماع صوتك ، نسي أن يطلب اسمه ،
- أشكرك
- هل من خدمة ؟
- أنت في الموصل أم خارج الموصل ..؟
أجابه بنفس الصوت البارد المؤدب ، وأغلق الهاتف ، تذكر أن معرفته بهذا الشخص معرفة سطحية بسيطة ، ولكن حقق له الأمل في العيش ؟
- حقا أنا سعيد ليس ثمة خوف أذن من التلفون : قال ذلك وودعه بضحكة .. لأنه احس انه مازال حيا .. والمكالمة الأخيرة هي التي أحيته .

.........................................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: تقديم الأدوار الكوميدية صعب


.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة يوضح كيف تعلم اللهجة السعودية بس




.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: تغيير مصيري من الهندسة المعماري


.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: والدي لم يدعم قراري بترك الهندس




.. صباح العربية | رهف ناصر تتحدى الحرب بالموسيقى وتغني للأمل