الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حكومتنا الدائمة ، حقاً ، حكومة - قوس قزح - ؟

يوسف ابو الفوز

2006 / 5 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل عقد من الزمان ، حللت في فنلندا لاجئا سياسيا ، بعد رحلة شاقة في البحث عن سقف امن دائم ، ومن الايام الاولى ، ومن اجل متابعة ما يجري في البلاد والتعرف عن قرب ، اجريت الكثير من اللقاءات والحوارات مع مثقفين وسياسيين من اهل البلاد ، ومن مختلف "الالوان " ، ففي فنلندا تستخدم وسائل الاعلام الوان محددة لمختلف الاحزاب والمنظمات ، وتعرف بها وتكون سائدة في شعاراتها ونشاطاتها . ولاجل اشراك الاخرين معي في ما رحت اتعرف اليه ، كتبت سلسلة مقالات لمجلة " رسالة العراق " ، الصادرة في لندن حينها ، وتحت عنوان موحد "السياسة والحياة عند القطب " للتعريف بتاريخ وحياة وتجربة هذه البلاد في بناء دولة ديمقراطية، مثالا لدولة الرفاه الاجتماعي ودولة القانون والمجتمع المدني ، وكان في بالي دائما التأكيد على تلك الدروس التي تنفع بلادنا فيما لو تم الاطاحة بنظام العفالقة الديكتاتوري . ومن الايام الاولى واجهني في الحياة السياسية الفنلندية مصطلح " حكومة قوس قزح " ، الذي تستخدمه وسائل الاعلام نقلا عن الشارع الفنلندي ، حيث يستخدمه المواطن الفنلندي في وصف الحكومة المنشودة ، حكومة الوحدة الوطنية . لم يكن صعبا فهم المقصود بذلك ، لكني وفي لقاء السيدة ساتو هاسي (شاعرة وروائية ومؤلفة كتب دراسية في علم الفيزياء ) زعيمة حزب الخضر الفنلندي ، ووزيرة البيئة لفترة لاحقة ، وفي كافتريا البرلمان الفنلندي ، ولانجاز اللقاء الصحفي ( نشر اللقاء في رسالة العراق العدد 42 حزيران 1998 ) سألتها عن " قوس قزح " هذا : الا تجدون في التسمية شئ من سخرية او استهانة بالعمل السياسي ؟ كانت الحكومة ايامها مكونة من خمسة احزاب من الاحزاب الفنلندية الستة الكبار ، وراحت السيدة تشرح لي ، وبلغة اختلطت فيها مصطلحات العلم بالشعر ، اعتزازها بهذه التسمية ، لانها تجدها تعبير موفق عن حكومة الوحدة الوطنية ، التي تدير سياسة البلاد وتسعى لتحقيق طموحات واحلام المواطن الناخب ، فكل الاحزاب السياسية ، ومن مختلف الالوان الفكرية ، من اليمين واليسار، تجلس الى طاولة واحدة وتشترك في حكومة واحدة ، شكلت وفقا للدستور ، وراعت الاستحقاق الانتخابي ومصلحة الوطن . كانت فنلندا ايامها في سنوات حاسمة لتأخذ دورها وحجمها المناسب في مؤسسات الاتحاد الاوربي وتحديدا للتصويت حول الدخول في وحدة النقد الاوربي ، فاكدت السيدة ساتو هاسي : ان قرارات مصيرية بهذا الحجم ترسم مستقبل البلاد لا يمكن للون واحد ان يتفرد برسمها ، لابد من ان يكون هناك اجماع وطني من كل الالوان .
اليوم ، في العراق الجديد ، وبعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور ، وبعد ان تشكلت الوزارة العراقية الرابعة برئاسة السيد نوري المالكي ، بعد وزارات : مجلس الحكم ، والمؤقتة، والانتقالية، ها هي الوزارة الدائمية تلاقى بالترحيب من قبل الكثيرين ، على الساحة الوطنية الداخلية ، والخارجية ، ودعك من عصابات فلول النظام الديكتاتوري المقبور ، وحلفائهم من الارهابيين التكفيرين ، الذين لهم مشروعهم الظلامي الدموي .
الحكومة الدائمية ، ستواجه ملفات اساسية ، ومهمات كبيرة وخطيرة ، في فترة حاسمة ومصيرية في تاريخ وحياة شعبنا ، فهل يمكنها الخروج بقرارات حاسمة لخلاص شعبنا مما يعيشه من ازمات وكوارث والاخذ بالبلاد الى نهارات الامان والاستقرار ؟
العديد من ممثلي الاقليات ، وفي مجلس النواب ، لا يعتبرون الحكومة الحالية حكومة وحدة وطنية بل يعتبروها حكومة توافقية هشة مبنية على المحاصصة الطائفية ، ويشيرون الى غياب ممثلي القومية التركمانية ، والكلدواشوريين ، والايزيدين والصابئة ، والعديد من المنظمات النسوية ايضا قدمت انتقادات حول نسب تمثيل المرأة وتهميشها في الحكومة الحالية .
وبالرغم من اشتراك غالبية القوائم الانتخابية في تشكيل الحكومة الحالية ، الا ان غياب الوان معينة عن تشكيلة الحكومة ، سيضر بالتاكيد بكمال الوان قوس قزح لتتحد مختلف الترددات لكل لون مع بعضها لتشكل لونا وطنيا واحدا ساطعا وبهيا .
لا يزال من الممكن معالجة ذلك ، بأكثر من طريقة وشكل وبروح الحكمة والحرص على مستقبل البلاد . وتفعيل مجلس الوزراء واحد من الاجراءات الاساسية والمهمة امام الحكومة الحالية لتقترب من روح الكمال ، بحيث يستطيع كل وزير في الحكومة ، ومهما كان حجم كتلته الانتخابية ان يوصل صوت الناس ومن يمثلهم وفي مختلف الشؤون السياسية والاجتماعية . بدون ثقة ودعم كل فئات ومكونات الشعب العراقي ، فلن تستطيع اي حكومة ان تنجز ما وعدت به ، وستبقى الوانها نشازا ، بعيدة تماما عن امكانية تحقيق الانسجام المطلوب لرسم صورة مشرقة لغد افضل منشود .

سماوة القطب
25 ايار 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟