الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن للنخبة الحزبية الحاكمة في العراق ان يصدر تشريعا لهيئة مستقلة فعليا؟

سربست مصطفى رشيد اميدي

2019 / 12 / 10
دراسات وابحاث قانونية


صوت مجلس النواب قبل بضعة أيام على مشروع قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وذلك انسجاما مع (التوجهات الإصلاحية) حسب ما جاء في الأسباب الموجبة للقانون، حيث نصت الأسباب الموجبة على (بغية اجراء انتخابات حرة نزيهة يطمئن لنتائجها الناخب، وضمانا لشفافية أكبر وانسجاما مع التوجهات الإصلاحية التي طالب بها الشعب العراقي فقد شرع هذا القانون). حيث يبدو ان مجلس النواب أعلن ان القانون هذا ينسجم مع التوجهات الإصلاحية في البلد، لكن لنرى ذلك هل ان هذا القانون يهدف لإجراء إصلاحات فعلية للمفوضية ام لا؟ بصراحة انا اشك أصلا في وجود هكذا توجهات لدى اغلب النخبة السياسية الحاكمة سواء داخل مجلس النواب أو خارجها، بل يبدو لي جليا ان اغلبها تعتبر انتفاضة الشعب العراقي منذ شهرين هي فرصة لدى البعض لتعزيز موقعهم الحزبي داخل منظومة الحكم في بغداد، او على الأقل استمرارهم في الحكم وبقاءهم في مقاعدهم لغاية اجراء الانتخابات للدورة الخامسة لمجلس النواب ربيع 2022. لأنه سنرى وفق هذا القانون لا يمكن اجراء انتخابات مبكرة قبل اقل من سنة على اقل تقدير من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية. وحيث ان القانون يفترض ان تنشأ هيئة مستقلة لكن لم تتطرق الأسباب الموجبة للقانون لا للمفوضية ولا لاستقلاليتها وانما تطرقت لإجراء الانتخابات الحرة والنزيهة وهذه يفترض ان تكون أسباب موجبة للقانون الانتخابي وليس لقانون المفوضية. وهذا أمر غريب حيث يفتح مجالا واسعا للبحث في صيغ القوانين ولغتها وأهدافها الحقيقية. ولأجل القاء الضوء على ماهية فقرات القانون ندرج ادناه عددا من الملاحظات بصدده واهمها: -
1- ابتداء ان الدستور العراقي قد خصص الفصل الرابع للهيئات المستقلة مكونا من (8) مواد وخص المفوضية العليا لحقوق الانسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة بالمادة (102) من الدستور. لذلك فان مقصد المشرع واضح وهو اعطاء هذه الهيئات استقلالية تامة عن السلطات الثلاثة المعروفة للدولة وهي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وان زج القضاء في اختصاص تنفيذي اخر وفي اختصاص هيئة أقر المشرع باستقلاليته معناه تجاوز مبدأ الفصل بين السلطات وهو مبدأ اساسي لنظام الحكم البرلماني والتي نصت عليه المادة الاولى من الدستور العراقي. وبالتالي باعتقادنا ان مشروع التعديل هذا يخالف احكام الدستور العراقي.
2- عند البحث في اختصاصات القضاء فأن ادارة الانتخابات والإشراف عليها غير موجودة ضمن مواد الفصل الثالث من الدستور الخاصة بالسلطة القضائية بمواده الخمس عشر من المادة (87) لغاية المادة ( 101) ماعدا الفقرة سابعا من المادة (93) من الدستور التي حددت اختصاصات المحكمة الاتحادية وهو المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب. وبالتالي فهذا دليل اخر على ان هذا القانون يخالف احكام الدستور لان الاتيان باختصاص جديد للسلطة القضائية لم يتضمنها الدستور هو مخالفة صريحة لإحكامه.
3- المادة الثانية من القانون حول الية اختيار أعضاء مجلس المفوضين باعتقادي وكما قلنا هي مخالفة لأحكام الدستور العراقي النافذ، وان اختيار أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية ومن مؤسسات وهيئات محددة جميعها تابعة للسلطة القضائية (من القضاة)، بالإضافة الى كون رئيس الجمهورية هو أحد رأسي السلطة التنفيذية في الأنظمة البرلمانية، والذي يعتبر نظام الحكم في العراق برلمانيا حسب نص المادة الأولى من الدستور، حيث كان يستوجب ان يصوت على أسمائهم مجلس النواب قبل اصدار المرسوم الجمهوري وان لا يكون عملية عضويتهم في مجلس المفوضين عن طريق الانتداب وانما بعد ان يقدم القاضي المختار استقالته من وظيفته الاصلية. هذا من ومن ناحية أخرى فان تحديد فترة عمل كل مجلس مفوضين أربع سنوات، بمعنى ستكون هذه الفترة متزامنة تقريبا مع فترة ولاية الدورة الانتخابية لمجلس النواب وللعمر الافتراضي للحكومة وفترة ولاية رئيس الجمهورية، وبالتالي ستخضع المفوضية بشكل أكبر لتوازنات المحاصصة الحزبية وتكون جزءا من اليات توزيع المناصب عند تشكيل الحكومة والرئاسات الثلاثة. وهذا واضح من ان واضعي المشروع يبغون رهن عمل كل مؤسسة، وخاصة مثل المفوضية التي اختصاصها الأساسي هو تنظيم اجراء الانتخابات وفق الاستحقاقات الدستورية والقانونية، وبالتالي رهن تنظيم الانتخابات وفق مزاج ومصالح النخبة السياسية الحاكمة حتى يمكنهم ذلك من تنظيم استمرارية وجودهم في السلطة رغم كل الاحتجاجات الشعبية ضد هذه النخبة منذ حوالي شهرين، وبالتالي كان لا بد أن يكون فترة عمل مجاس المفوضين تبقى خمس سنوات وليست وفق ميزان القوى السياسية بعد كل عملية انتخابية. وللعلم فان المفوضية كانت المؤسسة الوحيدة في العراق التي التزمت بتنفيذ اختصاصها الأساسي وهو اجراء الانتخابات في اوقاتها الدستورية والقانونية لغاية 2017 على الرغم من الظروف السياسية والأمنية المتردية في العراق وفي ظروف معيشية صعبة جدا للمواطن العراقي، وكان سبب ذلك هو مدة عمل مجلس المفوضين وفق القانون الملغي. لكن التدخل الحكومي والحزبي المعلن بدأ في تأجيل موعد اجراء انتخابات مجالس المحافظات من قبل مجلس الوزراء منذ 2017 ولأكثر من مرة بسبب ضغط الأحزاب على الحكومة السابقة والحالية بعد اجرائها ومن ثم الغاء مجالس المحافظات من قبل مجلس النواب والذي بدوره وحسب اعتقادنا مخالفة اخرى صريحة لأحكام المادة 116 من الدستور العراقي. لكن وفق هذا القانون سيكون موضوع اجراء الانتخابات خاضعا للتوازنات السياسية والحزبية في العراق والتي هي ضمن اهم الأسباب التي أوصلت ظروف البلد لهذه الدرجة من السوء ويقدم الشباب العراقي الان ارواحهم فداء في ساحات الانتفاضة الشعبية أملا في تغييره.
4- ان افتراض الاستقلالية لأية مؤسسة أو أي عضو في مجلس يأتي من خلال ضمان استقلال القرار الإداري والفني والمالي لها، ويكون بالنص في شروط العضوية لذلك المجلس بان يكون مستقلا من الناحية السياسية، وهذا ما كان ينص عليه قانون المفوضية الملغي رقم 11 لسنة 2007 في الفقرة السادسة من (ثانيا) من المادة ثالثا منه. ونص عليه هذا القانون أيضا في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من أصل المشروع المرسل من قبل الحكومة، أي ان الحكومة كانت تعرف مسبقا بعدم استقلابية سياسية لأغلب القضاة في العراق، أما الجنة القانونية لمجلس النواب فقد اقترحت حذف هذه المادة، أي ان مجلس النواب قد قرر كون القضاة جميعهم مستقلين بقوة القانون، وهذا هو خلاف الواقع الموجود حيث ان اغلب القضاة لديهم ولاء حزبي وسياسي خاصة بعد 2003 ومحاولة فرض الولاء الحزبي على أعضاء جميع السلطات الثلاثة في الدولة العراقية من قبل الأحزاب الحاكمة. بالإضافة الى ان القضاء العراقي والمفوضية وغيرها من مؤسسات الدولة العراقية تعتبر جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي في العراق. حيث هنا فان مفهوم الاستقلالية هي العمل بحيادية تامة واستقلالية للمفوضية من السلطات الثلاثة والعمل وفق الإطار القانوني للانتخابات في البلد والالتزام الدقيق بالقانون الانتخابي والقوانين الأخرى ذات الصلة، وتطبيق المعايير الدولية في نزاهة وحرية الانتخابات.
5- أما بخصوص الهيكلية المقترحة للمفوضية فكما اسلفنا ان هذا المشروع قد وضع لتكون الإدارة الانتخابية هي التي تقود المفوضية من الناحية العملية وليس المجلس، حيث ان مجلس المفوضين ومن خلال الاختصاصات الممنوحة له يتبين أن تلك الصلاحيات من الممكن تلخيصها بإصدار الأنظمة الخاصة بالانتخابات وإجراء الرقابة والمتابعة والتوجيه لعمل الإدارة الانتخابية، لكن وفق المادة التاسعة من القانون وحتى وفق الفانون السابق للمفوضية فان مجلس المفوضين يفتقد لألية الرقابة المالية والإدارية على الإدارة الانتخابية، لذلك لا بد من ان تكون الرقابة والتدقيق الداخلي دائرة قائمة بذاتها وتكون تابعا لمجلس المفوضين وترتبط برئيس المجلس كونه لا يملك صلاحية الصرف المالي في المفوضية، بالإضافة الى ان الامانة العامة لمجلس المفوضين لا يوجد أي قسم مالي فيها، فكيف بكون الرقابة والتدقيق تكون جزءا من الدائرة المالية والإدارية في الإدارة الانتخابية بموجب الفقرة (أولا) من المادة (16) من المشروع، أي ان القسم الرقابي يكون تابعا لمدير عام الدائرة الإدارية والمالية ومن ثم لرئيس الإدارة الانتخابية، فكيف يتم مراقبة الجانب المالي والإداري من قبل مجلس المفوضين؟. ومع هذه الهيكلية المقررة للإدارة الانتخابية وفق فقرات المواد (14-16) للقانون فإنها تعطي كل الثقل للإدارة الانتخابية وتخل كثيرا بالتوازن المطلوب بين المجلس والإدارة الانتخابية والمخل أصلا لصالح الإدارة الانتخابية، مما سيؤدي بان تكون الإدارة الانتخابية هي التي تملك القرار الفعلي في عملية اجراء الانتخابات وليس مجلس المفوضين.
6- المادة (19) من القانون تقرر تشكيل الهيئة القضائية للانتخابات من قبل مجلس القضاء الأعلى ومن ثلاثة قضاة غير متفرغين لا يقل صنفهم عن الصنف الاول، في حين ان القانون السابق للمفوضية وفي المادة (8) من كانت تقرر ان تتشكل هذه الهيئة من قبل محكمة التمييز، وقرارات الهيئة القضائية للانتخابات باتة أي غير قابلة للطعن بأي شكل من الاشكال. هذه المادة تشير بوضوح بان للسلطة القضائية اختصاص البت في الطعون التي تقدم بخصوص قرارات المجلس وبالتالي فان كل قرارات مجلس المفوضين خاضعة للطعن امام القضاء. وهذا هو الاختصاص الطبيعي للقضاء حيث البت في النزاعات التي تنشأ عن تطبيق القوانين من الجهات المتضررة سواء كانت هيئات ام اشخاص. اما في هذا القانون فهنالك تناقض واضح حيث سيصبح القضاء (مجلس المفوضين) في هذه الحالة هو الخصم والحكم في نفس الوقت. وهذا امر غريب ومخالف لأحكام العدالة والإنصاف وكذلك لمبدأ الفصل بين السلطات.
7- وفق المادة (26) من القانون يحال أعضاء مجلس المفوضين والمدراء العامين (المثبتين) الى التقاعد وينقل المدراء الغير مثبتون والمعاونون الى خارج المفوضية، وأيضا يعفى مدراء الأقسام ومسؤولي الشعب من مناصبهم. والمعروف ان اية مؤسسة تعتز بتراكم الخبرة لدى المؤسسة ولدى موظفيها من خلال سنوات العمل في مهام نص القانون والأنظمة عليها، لكن للأسف في العراق فان النخبة الحاكمة من خلال مشروع الحكومة وتصويت مجلس النواب عليه انما يدل على انه لا تهتم بذلك. لا بالعكس تتخوف من هذا الامر حيث أن الموظفين والكادر الوسطي في المفوضية قد اكتسبوا خبرة كبيرة في تخطيط وادارة وتنفيذ عمليات انتخابية عديدة وبالتالي كيف يمكن نقلهم الى دوائر أخرى واستبدالهم بموظفين أخرين لا يمتلكون أية خبرة في هذه المجال؟ علما ان الكثير من موظفي المفوضية في المكتب الوطني ومكاتب المحافظات ومراكز التسجيل قد نفذوا ثلاثة عشر عملية انتخابية، ويصل الامر الى ان ينزل المشرع العراقي الى درجة ذكر اعفاء مسؤولي الأقسام والشعب بنص القانون وهي أمور إدارية بحتة، حيث يفترض باي قانون ان تضع احكاما ومبادئ لأمور عامة واساسية ولا تنزل الى ذكر تفاصيل كهذه. ولم يشير القانون أساسا الى موضوع تثبيت موظفي العقود الذين عملوا مع المفوضية على الملاك الدائم للمفوضية والذين يعملون بصفة عقود مع المفوضية منذ سنة 2009 وما بعدها خوفا من ان هؤلاء وغيرهم قد يميلون بولائهم لأحزاب سياسية ناسين ان الموظفين الذين سينقلون للعمل مع المفوضية هؤلاء لا يستبعد ان يكون لديهم ولاء حزبي والا كيف تعينوا وماهي المعايير التي سيعتمد عليها لنقلهم للمفوضية؟ لكن يجب ان نعرف أمرا مهما ان الأحزاب الجديدة والتي تملك حاليا تمثيل في مجلس النواب لم تكن موجودة في حينها. والاغرب من كل ذلك هو ان الأحزاب الممثلة في مجلس النواب الحالي وغيرهم والذين صوتوا على هذا القانون بصيغته الحالية انا قد منحت لهم إجازة العمل والدخول في المنافسة الانتخابية من قبل نفس المفوضية الذي يتهمونها الان، وكأن كل الفشل السياسي والأمني والخدمي والفساد المستشري في العراق سببه المفوضية، وليس سببه هو أسر مؤسسات الدولة من قبل النخبة السياسية الحاكمة والفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
من خلال ملا حظه جميع مواد وفقرات هذا القانون، يتبين لنا جليا ان النخبة الحاكمة تريد تأسيس مفوضية جديدة حسب هواها ومصالحها، وان نتائج انتخابات 2018 من وضع كل حزب بحجمه الحقيقي الى حد ما وعدم فوز أكثر من مائتي عضو من أعضاء مجلس النواب السابقين قد دفعهم للخلاص باي صورة من هذه المؤسسة. ولهذا فان تشكيل مفوضية جديدة ووفق الهيكلية المقررة سيحتاج الى مدة طويلة نوعا ما، ومن خلال نقل واعفاء الكوادر الوسطية التي تضع الخطط التفصيلية للعملات الانتخابية ومن ثم تنفذ تلك الخطط وبمراقبة خبراء الأمم المتحدة وفي ظل رقابة مجلس النواب، وأيضا بمراقبة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، فانه يصبح موضوع اجراء انتخابات مبكرة وحل البرلمان غير ممكنا الان، ولا يمكن اجراء اية انتخابات الا بعد مالا يقل عن سنة على أقل تقدير. وبهذا يعتبر ذلك التفافا واضحا على مطالب الانتفاضة الشعبية بحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة وعلى ايدي مجلس مفوضين يتم ترشيحهم من قبل خبراء مختصين من الأمم المتحدة وتحت اشرافها الذي جعل هذا القانون الاستعانة بخبرتهم جوازيه وفق المادة (21) من القانون وليست الزامية كما كان في القانون السابق للمفوضية بموجب الفقرة (ثالثا) من المادة التاسعة منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي للمعابر الحدودية يقطع على النازحين اللبناني


.. غزة وحلم الحصول على رغيف خبز.. الفلسطينيون يقضون ساعات طويلة




.. بي بي سي تعثر على الطفلة التي ظهرت في صورة لمعتقلين جردوا من


.. اليونيسيف: حظر الا?ونروا يو?ثر على حملات التطعيم في غزة




.. اعتقال رئيس بلدية في تركيا يؤجج الصراع بين الأحزاب السياسية