الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات العراقية الإيرانية ... قراءة موضوعية هادئة

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يتداول المصريون مثلا شعبيا شائعا لديهم , هو أن "المال السايب يشجع على السرقة ", وتعني كلمة سايب في معاجم اللغة : "إهمال وانعدام الضَّوابط، ضعف الالتزام بالقوانين، فوضى واضطراب "التَّسيُّب الإداريّ يؤدِّي إلى الفوضى".وهذا ينطبق تماما على حال العراق منذ غزوه وإحتلاله من قبل القوات الأمريكية ومن تحالف معها عام 2003 وحتى يومنا هذا,حيث أدى هذا الغزو إلى تدمير الدولة العراقية بأكملها , حكومة وشعبا , حضارة وقيما وأخلاقا , إذ أصبح العراق بين ليلة وضحاها وفي غفلة من أهله بلدا سايبا, بلدا مسلوب الإرادة ومستباحا من كل من هب ودب من شذاذ الآفاق, وبخاصة دول الجوار التي سخرت وكالات مخابراتها وأجهزتها الأمنية للعبث بأمن العراق وإستقراره , وشراء الذمم الفاسدة بالمال السحت الحرام , وسخرت وسائل إعلامها لتشويه سمعة العراق ورموزه الوطنية , وفبركت الأخبار الكاذبة ونشرتها على أوسع نطاق ممكن.
بات طواغيت الفساد يسرحون ويمرحون في العراق على هواهم , سرقوا ثرواته بل وتاريخه وحضارته التي هي أحد أهم الحضارات التي عرفتها البشرية عبر آلاف السنين , فتتوا نسيجه الإجتماعي وهدموا كيان دولته ومزقوا وحدة شعبه التي أحلوا محلها ما أسموه بدولة المكونات الطائفية والأثنية , بدعاوى تأمين حقوقها في إطار ديمقراطية مهلهلة زائفة, متجاهلين عن عمد أن الشعب العراقي, شعبا عريقا ومتحضرا ,متعدد القوميات والأديان والطوائف المنصهرة جميعها بالهوية الوطنية العراقية , شأنه بذلك شأن الشعوب المتحضرة الأخرى في مشارق الأرض ومغاربها .
حشدت دول جوار العراق كل طاقاتها وقدراتها للتحكم بمصير العراق عبر مجلس الحكم الذي شكلته سلطة الإحتلال عام 2003, طبقا لنظام المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت,وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها والتي تتفق معها في التوجهات والأهداف والنوايا , وبخاصة الجماعات التي كانت تقيم في أراضيها وتتلقى منها الدعم المالي والتسليحي, للإستحواذ على موارد البلاد والعباد, وتقديم مصالح تلك الدول الراعية لها على حساب مصلحة العراق وحقوق شعبه الذي بات يعاني الأمرين من فقر مدقع وجهل وفقدان أمن وتفشي الجهل وكل أنواع الدجل والشعوذة .
وعلى الرغم أن الدول العربية بعامة , ودول الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية بخاصة , كانت محرضة وداعمة وممولة للقوات الأمريكية التي غزت وأحتلت العراق عام 2003 , حيث إنطلقت منها هذه القوات التي دمرت العراق , فإنها سرعان ما وجدت نفسها في مأزق بسبب دعاوى الإدارة الأمريكية بإقامة نظام ديمقراطي في العراق يتم فيه التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الإقتراع , وضمان حرية إبداء الرأي والرأي الآخر , وإحترام حقوق الإنسان التي لا وجود لأي منها في هذه الدول التي يتحكم حكامها برقاب شعوبها ,عبر أسر حاكمة مستبدة لا تختلف كثير عن حكومات القرون الوسطى حيث الحاكم هو الدولة والدولة هي الحاكم ,تسعى أن تكون تجربة الحكم هذه في العراق مقدمة لتجارب أخرى في الدول العربية في إطار ما أطلقت عليه الأدارة الأمريكية بالفوضى الخلاقة , وهو ما بدأته فعلا في بعض الدول العربية لاحقا عبر ما أطلقت عليه تسمية الربيع العربي الذي أكملت بموجبه تدمير هذه الدول , حيث جعلت منها دولا فاشلة.
ولأن هذه الحكومات هي حكومات مغلوب على أمرها وليس بإمكانها الخروج عن طاعة سيد البيت الأبيض الأمريكي , فأن جلّ ما يمكنها فعله تجاه النظام الجديد في العراق, تسخير آلتها الإعلامية الواسعة التي جندت لها مئات الصحفيين والكتاب العرب والأجانب ضد هذا النظام وتشويه سمعته بالحق أو الباطل ,ولكن الأخبث من ذلك قيام هذه الدول بعد أن أصابها الهلع من إحتمال إنتقال ما حل بالعراق إلى بلدانها , بتسهيل دخول جماعات إرهابية تكفيرية إلى العراق لزعزعة أمنه وإستقراره بدعاوى مقاومة الإحتلال الغاشم الذي اوقعوه هم فيه, ودعمها بالمال والسلاح في السر والعلن ,بعدما سارت الأمور بما لم يكن بحسبانها, وخوفا من أن تنتقل عدوى "الديمقراطية الأمريكية" إلى بلدانهم , حيث أعلن كبار قادة الإدارة الأمريكية يومذاك عن خططهم الرامية لإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط "الديمقراطي الجديد". تبنت هذه الدول مشاريع تقسيم العراق بمسمياتها المختلفة, ودعت لتفتيت وحدة أراضيه تحت مسميات الفيدرالية والأقاليم الطائفية والأثنية, وطالبت العراق بدفع ديون مفترضة بميارات الدولارات بحق الحكومة العراقية السابقة , بينما يعلم القاصي والداني أنها قدمت للحكومة العراقية حينها على أنها منحا لدعم مجهود العراق الحربي في الحرب العراقية الإيرانية الذين هم كانوا أحد أسباب إندلاعها . ويذكر أن جميع الدول التي كان لها ديون حقيقية بذمة الحكومة العراقية السابقة بميارات الدولارات قد تنازلت عنها في نادي باريس بضغط من الإدارة الأمريكية .
وبذلك أخلت الدول العربية الساحة واسعة لتغلغل النفوذ الإيراني أكثر من أي وقت مضى في الشؤون العراقية الداخلية والخارجية . ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى إيران لم تقطع يوما علاقاتها الدبلوماسية مع العراق حتى في أحلك الظروف , فقد إستمرت العلاقات فيما بينها وبين العراق طيلة سنوات الحرب التي إمتدت ثمان سنوات ,وإستمرت في ظروف الحصار الإقتصادي الشامل الذي فرض على العراق ظلما وعدوانا , بخلاف الدول العربية التي أوقفت تمثيلها الدبلوماسي في العراق وقطعت كل أنواع التعاون معه ,حيث كانت تردد الحكومة العراقية يومذاك أن الحصار كان حصارا عربيا أكثر منه حصارا أمريكيا , بينما شهد العراق وإيران تبادلا إقتصاديا وإن كان محدودا بصورة أو بأخرى , ومنها تهريب كميات من النفط وبعض السلع التجارية عبر الموانئ الإيرانية , على الرغم من أنهما في حالة حرب من الناحية الرسمية حيث لم يوقع البلدان إتفاقية سلام في أعقاب وقف العمليات العسكرية بينهما بموجب قرار مجلس الأمن الصادر في الثامن من شهر آب عام 1988, وكذلك قيام العراق بتنظيم سفرات دينية للإيرانيين الراغبين بزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية عبر شركة حكومية سياحية بإسم شركة الهدى.
وبعد هذه المقدمة الموجزة نعود إلى صلب الموضوع ونشير إلى بعض الحقائق التي تنظم العلاقات الدولية بين الدول بعامة ودول الجوار بخاصة , أولى هذه الحقائق هي انه ليس هناك صداقات أو عداوات دائمة بين الدول بل هناك مصالح دائمة ,ولعل ما تشهده الدول الأوربية الآن من صداقات وتحالفات فيما بينها ,على الرغم من الحروب المدمرة التي شهدتها هذه الدول فيما بينها في حربين ضروسين ,هما الحرب العالمية الأولى عام 1914 والحرب العالمية الثانية عام 1940 إستمرت كل منهما لعدة سنوات , إلاّ خير مثال على ذلك .لذا فإن الحديث عن عداء تاريخي بين هذه الدولة أو تلك أو هذه الشعب أو ذاك , إنما هو مجرد هراء لا معنى له , ولا يمكن أن يؤسس لقيام علاقات دولية متوازنة بين الدول ويحفظ لها أمنها وإستقرارها, وثانيها هي أن الدول والشعوب أزلية البقاء ولا يمكن لكائن من يكون إزالتها , بينما الحكومات ونظمها السياسية متغيرة وقابلة للتبديل وهو ما حصل فعلا ويحصل دوما على مر التاريخ. وهذا يعني أن على جميع الدول التعايش مع دول جوارها صغيرها وكبيرها على حد سواء, بصرف النظر عن نظمها السياسية ومعتقداتها وتقاليدها , وذلك في إطار التعايش السلمي وتبادل المنافع المتبادلة وعدم التدخل بشؤونها الداخلية وحل المنازعات فيما بينها بالطرق السلمية , وبما يحفظ حقوق الجميع وسلامة أمن وإستقرار المنطقة والعالم , وثالثها هي أن كل دولة في العالم تسعى لتوسيع نفوذها في محيطها الإقليمي والدولي , مما يتطلب تحمل كل دولة مسؤوليتها بحفظ أمن بلدها وإستقراره وسد الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها الدول الأخرى للعبث بأمنها وإستقرارها , ورابعها أن الإتكاء على القوى الأجنبية لا يضمن لأي دولة أمنها وإستقرارها على المدى البعيد , فكل دولة تتصرف بحسب مصالحها القابلة للتغيير. وهنا تحضرني مقولة عربية ما حلك جلدك مثل إضفرك, فالضمانة الوحيدة لأي دولة إستنادها إلى قاعدة شعبية واسعة ملبية لطوحها وتطلعاتها بحياة حرة كريمة.
وفي ضوء ما تقدم يمكن قراءة مسيرة العلاقات الإيرانية العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى يومنا هذا, قراءة موضوعية هادئة بعيدا عن الإنفعالات والتشنجات :
1. لم تعترف الحكومة الإيرانية بالدولة العراقية إلاّ بعد مرور ثمان سنوات على تأسيسها في العام 1921 .
2. عقدت الحكومة العراقية إتفاقية مع الحكومة الإيرانية عام 1937 لترسيم حدود البلدين, حددت بموجبها سيطرة العراق على كامل مجرى شط العرب بإستثناء المنطقة المقابلة لميناء عبادان.
3. لعب العراق دورا بارزا بتأسيس حلف بغداد عام 1955 الذي ضم العراق وإيران وتركيا وباكستان وبريطانيا بدعوى الوقوف بوجه المد الشيوعي في المنطقة.
4.إنسحب العراق من حلف بغداد في أعقاب قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 , وإتبع العراق سياسة الحياد الإيجابي التي تخوف منها شاه إيران بسبب سياسته الموالية للدول الغربية , الأمر الذي نجم عنه توترا في العلاقات العراقية الإيرانية , مما دفع الشاه إلى محاولة الإستيلاء على منتصف مجرى شط العرب عام 1960 , ولكنه فشل بتحقيق ذلك بسبب صلابة الموقف العراقي ومساندة الإتحاد السوفيتي للعراق, حيث فرضت على البواخر القادمة الى ايران تعليمات سلطات الموانئ العراقية.
5.فسخت إيران في (19) نيسان عام 1969 إتفاقية الحدود العراقية الإيرانية لعام 1937 , حيث حددت إيران حدودها من جانب واحد بمنتصف شط العرب عند ما يعرف بخط الثالوك خلافا للقانون الدولي, اي تقاسمها السيادة مع العراق على مجرى شط العرب الذي كان عبر التاريخ ملكا عراقيا صرفا.وما زال الحال على هذا الوضع حتى يومنا هذا.
6.عقد العراق وإيران إتفاقية جديدة لترسيم الحدود بينهما في الجزائر عام 1975 برعاية الرئيس الجزائري يومذاك هواري بو مدين , عرفت بإتفاقية الجزائر , تنازل العراق بموجبها مضطرا عن حقوقه في مجرى شط العرب , مقابل توقف إيران عن دعم التمرد الكردي في شمال العراق الذي إستنزف موارد العراق البشرية والمادية سنين طويلة , وهوما تحقق بالفعل حيث شهد العراق بعدها أمنا وإستقرارا نتيجة الإنهيار السريع لهذا التمرد.
7. إندلعت في الحادي عشر من شباط 1979 الثورة الإيرانية التي مهدت في أيلول عام 1980 لقيام حرب ضروس بين إيران والعراق لمدة ثمان سنوات , إحترق فيها الأخضر واليابس وراح ضحيتها آلاف الناس في كلا البلدين , دون أن تسفر نتائجها عن أي مكسب لكلا البلدين , بل العكس صحيح حيث نجم عنها دمار شامل وهدر هائل للموارد المادية والبشرية وتعطيل مشاريع التنمية التي شعوبها بأمس الحاجة إليها , كانت بحق حربا عبثية بكل المعايير والمقاييس .
8. توقفت الحرب العراقية الإيرانية في الثامن من شهر آب عام 1988 دون إبرام معاهدة سلام بين البلدين أو حل المشاكل العالقة بينهما , بل أنها مهدت لحرب ألعن من سابقتها , بقيام العراق بغزو وإحتلال الكويت عام 1991 الذي نجم عنه بنهاية المطاف تدمير العراق برمته , بقيام الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحاف معها بغزو العراق وإحتلاله عام 2003.
كانت إسرائيل ومصر وإيران الرابح الأكبر من تدمير قدرات العراق,حيث تخلصت إسرائيل من نظام كان يشكل تهديدا لما تسميه بأمنها القومي بدرجة أو بأخرى , وأصبحت الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط دون منازع لدرجة بدأت بعض الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي , تسعى بالتودد إليها لتطبيع علاقاتها معها بدعم وتشجيع من الإدارات الأمريكية المختلفة ,بعد أن أوهموها بأن إيران هي عدوها الحقيقي , وتخلصت مصر من تسديد ديون ثقيلة بذمتها , كما تخلصت إيران من سد منيع كان يقف حائلا بوجه أطماعها وسعيها لمد نفوذها في البلدان العربية , حيث بات العراق بلدا ضعيفا لا يقوى على حماية نفسه طيلة عقد التسعينيات من القرن المنصرم بعد أن حرم من الحصول على أبسط مستلزمات الحياة , وفقد سيادته على منطقة كردستان التي باتت محمية أمريكية , وأصبحت فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة تصول وتجول في كل مكان , وفقد العراق سيادته على أجوائه ومياهه . وبات اليوم يصنف بأنه دولة فاشلة فقدت كل مقومات الدولة الحديثة , العاجزة عن حماية نفسها وتصريف شؤونها وإدارة البلاد بمعزل عن القوى والتأثيرات الخارجية.
وفي ضوء ما تقدم نقول أن العراق وطن الجميع , وأن مجده وعزته وشموخه , من مجد وعزة وشموخ شعبه , وهذا يعني أن مصلحة العراق يجب أن تكون فوق مصلحة أي بلد كان , وعلى الجميع التصرف بعقلانية وحكمة بالتعامل الحسن مع جميع الدول دون إستحضارعقد الماضي أو حساسيات الحاضر, على أساس ضمان مصالح العراق وحقوق شعبه في إطار تبادل المنافع والمصالح المشروعة المشتركة , والإبتعاد عن سياسية المحاور وتجنب الوقوع في فخ الصراعات الدولية التي ليس لنا فيها ناقة ولا جمل , وأن لا نجعل العراق لقمة سائغة يسيل لها لعاب الآخرين , وأن لا مصلحة للعراق بمعاداة أي بلد , بل له كل المصلحة بتوسيع دائرة أصدقائه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا