الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد إستقالة عادل عبد المهدي وحكومته؟

صبحي مبارك مال الله

2019 / 12 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لقد نجحت الإنتفاصة الشبابية وكافة فئات شعبنا في إنتصارها الأول وهو تحقيق إستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وحكومته، حيث تحولت إلى حكومة تصريف أعمال، بعد مرور أكثر من شهرين على بدأ الإنتفاضة، وبعد تقديم التضحيات الجسام والتي تجاوزت ال450 أربعمائة وخمسون شهيداً وعشرين ألف من الجرحى ومئات المعتقلين ومئات المفقودين والعشرات من النشطاء الذين تمّ إغتيالهم. لقد برهنت الإنتفاضة على عمق وإصالة الروح الوطنية العراقية وإندفاعها نحو التغيير الجذري والتخلص من النظام الفاسد، نظام المحاصصة الطائفية والسياسية والإثنية. فهذا الحدث الثوري الكبير والذي شاركت فيه الملايين من بنات وأبناء الشعب اعادة لحمة التواصل مع التأريخ الثوري لشعبنا، تأريخ الثورات والإنتفاضات والوثبات منذُ ثورة العشرين حيث سُطرّت الملاحم البطولية والشجاعة ضد المحتلين والطغاة والحكومات الفاسدة . منذُ ستة عشر عاماً ، منذ سقوط النظام الدكتاتوري، إختفت كل الآمال والتطلعات نحو بناء العراق الديمقراطي الجديد وحل محل ما كان يتوق له الشعب من تقدم ورخاء والتمتمع بثرواته وتأسيس العدالة الاجتماعية بسبب فشل الطبقة السياسية الفاسدة وحكوماتها المتعاقبة في تنفيذ ما يتطلع له الشعب حيث إنشغلت بالسرقات والنهب وتزوير الانتخابات تحت قيادة الكتل السياسية التي تمثلت فيها الأحزاب السياسية الدينية. وبدلاً من تأسيس الدولة الحديثة ومؤسساتها تعتمد الدستور الديمقراطي الذي يفصل الدولة عن السياسة، ذهبت نحو تحويل قوة الدولة إلى خدمة مصالحها وتكوين الحكومة العميقة في الظلام التي تعتمد على أذرع القوة – المليشيات وسياسيين فاشلين لايؤمنون بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان ولا بالشعب مصدر السلطات. فهذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة لعبت دوراً في نشر الفساد الإداري والمالي والسياسي عبر وكلاء متخلفين، فعملوا على إفلاس الدولة وتضخم الديون والقروض، وإنحطاط البنى التحتية وقتل المشاريع وهي في مهدها والإستيلاء على الأموال المخصصة لتلك المشاريع وتحول أجهزة الدولة إلى لوبيات تعمل على التخريب المستمر ومكافحة إحتجاجات الشعب وتظاهراته المستمرة منذ عام25 -شباط- 2011 م وفي 2015 م وتكوين شبكات من الفاسدين، شبكات مافيوية وصلت إلى كل مؤسسات الدولة ومجالسها الدستورية ونتيجة الفساد والتخريب الاقتصادي، إزداد الصراع الطبقي شدة بين طبقة سياسية فقدت الإنتماء الوطني وبين الشعب بكل فئاته وشرائحه. ونتيجة لهذا الصراع طفت على السطح النتائج والتي لايمكن السكوت عنها، التخلف في كافة المجالات الخدمية والصحية والتعليمية والثقافية والصناعية والزراعية والسياسية والبطالة وخصوصاً بين الخريجين والفقر المستمر وإنخفاض دخل المواطن وتضخم واردات الطبقة السياسية التي أستولت على ثروات الشعب. ولهذا نشأ وضع يعكس الصراع بين الشعب والطبقة السياسية التي لم يعد يثق بها وسحب إعترافه بها وأعتبرها مجموعة من اللصوص كما لايستطيع العيش معها. منذ تربع الطبقة السياسية وكتلها على حكم الشعب العراقي وعلى مقاليد أموره، لم يرَ الشعب خيراً منها ولا إستقرار أمني ولاتقدم في أوضاعه الاجتماعية والإقتصادية والسياسية بل نجد الأزمات تراكمت ومصادرة حرية التعبير وتحول مجلس النواب إلى حالة شكلية فاقد الأهلية والأمر والنهي بيد رؤوس الكتل السياسية مع تعميق التوجهات الرجعية والمتخلفة فضلاً عن تقزيم الديمقراطية والحريات. كما إن هذه الطبقة وكتلها لعبت دوراً مخزياً عند ترويج المعاهدات والإتفاقات الدولية وبالخصوص مع إيران والدول المجاورة الأخرى والتوقيع عليها.
وبعد كل المعاناة التي عاشها الشعب نتيجة سياسة حكامه الذين لايهمهم سوى مصالحهم وأموالهم وثرواتهم التي جمعوها من وراء ظهر الشعب، أنفجر في إنتفاضة ثورية في الأول من تشرين الأول /أكتوبر/2019 أمتدت في كل أنحاء العراق للمطالبة بالحقوق الشرعية وبسلمية قادها الشباب ، ومع إن الدستور كفل حق التظاهر وحرية التعبير إلا إن الحكومة العميقة والأجهزة الأمنية والمليشيات والحرس الإيراني تصدت للتظاهرات بالعنف المفرط والقنص وبالقنابل الغازية السامة وبالرصاص الحي والمطاطي وفرضت أجواء إرهابية مرعبة إلا إن الشباب الأعزل صمد وتلقى الرصاص بصدرة، مما إزدادت الإنتفاضة قوة وأنضمت اليها كافة شرائح الشعب، الكادحين والكسبة والطلاب وذوي المهن والنقابات والمثقفين والأدباء والمرأة العراقية البطلة وغيرهم، مما أرعب هذا الصمود الطبقة السياسية وأخذت تدعي تأييدها للمنتفضين وحمايتهم ولكن العمل الآخر من إجتماعات وضخ العديد من مشاريع القوانين ، والبدأ بمحاسبة الفاسدين وإجتماعات مستمرة إلا أنهم لم يرضخوا لإرادة الشعب والبحث عن حلول إنتقامية لفض التظاهرات بالتعاون مع الجانب الإيراني ومنها دس عناصر داخل جموع المنتفضين لغرض حرف توجهات الإنتفاضة، الخطف والإغتيال ، الإعتقال ، التغييب القسري ، حرق المحلات التجارية ، إشعال النيران وسط الشوارع وغيرها من الأساليب وهي معروفة لغرض تشويه سمعة التظاهرات والمنتفضين وكذلك الإعتداء على القنوات الفضائية وغلقها ووسائل الإعلام المدافعة عن المنتفضين. وكما لاحظنا، تصاعدت مطاليب المنتفضين، كلما يشتد العنف ضدهم ،إلى حالة التغيير الجذري للنظام المحاصصي الطائفي وإقتراح البديل. لقد تدرجت الإنتفاضة في عدة حالات وهي التظاهر ، الإضراب ،اعتصام ، العصيان المدني ، إعلام الإنتفاضة (الإنترنيت – التواصل الاجتماعي ) – إصدار نشرات خاصة بأخبار الإنتفاضة – إعلام دولي – الجاليات العراقية في الخارج – وقفات تضامنية – مسيرات – مقابلة نواب برلمانيين -نشرمقالات في الصحف -حملات تواقيع للتضامن مع الإنتفاضة .
مجازر : حدثت ثلاث مذابح رهيبة لغرض كسر إرادة المنتفضون، مجزرة النجف ، مجزرة الناصرية ، مجزرة الخلاني و السنك .لقد كانت مجزرة الناصرية ضمن سلسلة أعمال قتل ممنهجة استهدفت المُتظاهرين العراقيين في مدينة الناصرية بين يومي 28تشرين الثاني -30 تشرين الثاني 2019 ، عقب يوم واحد من حادثة حرق القنصلية الإيرانية في النجف وكان عدد الضحايا الشهداء 32 شهيداً وأكثر من 225 جريحاً في 28تشرين الثاني و15 شهيداً متظاهراً وجرح 157 آخرين في 30 تشرين الثاني .أدت المجزرة إلى إقالة الفريق جميل الشمري من رئاسة خلية الأزمة المكلفة بمعالجة الأوضاع في المحافظات الجنوبية وأعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في 29 تشرين الثاني نيته تقديم إستقالته إلى البرلمان وبالفعل قدم ّ إستقالته فأصبحت حكومته ، حكومة تصريف أعمال ، وكذلك إستقال في ذلك اليوم كل من محافظ ذيقار عادل الدخيلي ، وقائد الشرطة محمد زيدان القريشي وفي الأول من كانون الأول وافق مجلس النواب على إقالة عادل عبد المهدي.كما شاهدنا مجموعة من المسلحين برمي المتظاهرين بالرصاص الحي وهم من المليشيات في النجف، وفي منطقة الخلاني والسنك ، حدث هجوم على المتظاهرين السلميين من قبل مليشيات كتائب حزب الله ، وبعد فتح النار بإتجاه المتظاهرين وقتل عدد منهم تمكنوا من السيطرة على بناية مرآب السنك وجسر الأحرار وكان الهدف الأول من هذه العملية حسب تصريح مسؤول أمني ، طرد المتظاهرين وترويعهم وقتلهم لكي يهربوا بأتجاه ساحة التحرير والهدف الثاني بتمثل بإنهاء التظاهرات في هذه المنطقة التجارية، كما إندست عناصر من مليشيا كتائب حزب الله يرتدون ملابس مدنية تسللوا بين المتظاهرين بالتزامن مع هجوم السنك لغرض خلق مشادات وأحداث حرائق في البنايات التي يتحصن فيها المتظاهرون . وكانت حصيلة مذبحة الخلاني والسنك 25 شهيداً و130 جريحاً وفقاً لمصادر طبية.
والآن وبعد إستقالة عادل عبد المهدي وحكومته ، إنبرت من جديد الكتل المتنفذة صاحبة برنامج وسياسة المحاصصة الطائفية والإثنية ، لكي تقوم من جديد بإختيار رئيس وزراء جديد وحكومة جديدة ومن ثم الإستمرار على ذات النهج الفاشل لأنها لم تتعظ أو تحسب حساب للشعب المنتفض، والمطلوب الآن وبأسرع وقت تشكيل حكومة إنتقالية جديدة ، حكومة وطنية مؤلفة من عناصر كفؤة مشهود لها بالنزاهة والمهنية بعيداً عن المحاصصة الطائفية الإثنية وعن الحزبية الضيقة وأن تكون مدتها ستة أشهر، تعزز صفوفها بالشباب والنساء وأن لايرشح أحد من أعضائها لعضوية البرلمان أو الحكومة اللذين سيشكلان عقب إجراء الانتخابات المبكرة. والمطلوب من الحكومة الإنتقالية هو القيام بالمهام التالية :- المضي في تنفيذ حزم الإصلاحات التي تهدف إلى تخفيف معاناة الجماهير إقتصادياً ومعيشياً وخدمياً وصحياً. تفعيل إجراءات مكافحة الفساد ومحاكمة المفسدين وإسترداد الأموال العامة المنهوبة والمسروقة والمهرّبة إلى خارج البلاد، التطبيق الفعلي والعملي لشعار حصر السلاح بيد الدولة والمباشرة بتفكيك الدولة العميقة، محاكمة من أجرموا بقتل المنتفضين وأنتهكوا حقوق الإنسان العراقي، حماية سيادة العراق وإستقلال القرار الوطني العراقي، التهيئة للإنتخابات المبكرة بالتعاون والتنسيق مع المنتفضين ولجانهم التنسيقية وفي المقدمة :-
1-إنجاز قانون انتخابات عادل ومنصف 2-تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة بعيداً عن المحاصصة والأحزاب والكتل السياسية 3-تفعيل وتدقيق قانون الأحزاب السياسية 4- ضمان إشراف دولي فاعل 5-ضمان مشاركة واسعة من قبل المواطنين في الإنتخابات وتوفير الوسائل الضرورية والتدابير اللوجستية والأمنية .
الإنتفاضة الآن تواجه تحديات خطيرة من قبل القوى الخفية وهي الحكومة العميقة ، والمليشيات وأصحاب القرارات السرية الذين يتلاعبون بالوقت والتسويف والمماطلة، وهناك تسمية طرحتها الحكومة العراقية وهو الطرف الثالث الذي يعمل و يخطط وينفذ في الحال لغرض الإنتقام من المنتفضين . فالتنازل عن السلطة ليست بالسهولة التي نتوقعها ولكن من خلال وحدة الشعب العراقي والضغط المستمر يتحقق ما يصبوا أليه ثوار الإنتفاضة. كما هناك عدة سيناريوهات وفي مقدمتها المراهنة على الحرب الأهلية بهدف تخفيف الضغط على الطبقة السياسية ومنعاً من إنزلاق السلطة من بين أيديهم.
لقد أثارت الأحداث الأخيرة، من قتل ومذابح ضد المنتفضين،الرأي العالمي والأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها. وبالتالي طرحت ممثلة الأمم المتحدة في العراق أوضاع العراق في تقريرها أمام مجلس الأمن الذي أعلن إحتجاجه على مايجري من إنتهاك لحقوق الإنسان وسوف تصدر قرارات منه بهذا الشأن . كذلك دفعت الأخبار المؤلمة وتصرفات المليشيات ، الإدارة الأمريكية حيث نددت بما يجري في العراق من إستعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين العُزل كما إتخذت عقوبات جديدة ضد الحكومة الإيرانية وشجب تدخلها في شؤون العراق والمنطقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة