الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في - طبيعية- الموقف من التراث والحاضر

عيسى ربضي

2019 / 12 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كتب حسين مروة في كتابه "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" بين ما كتب
"ابرز العناصر المكونة لمحتوى حركة التحرر الوطني العربية حتى مرحلتها الراهنة. وهو – كما نرى – محتوى تتوفر فيه جملة من المكونات الثورية. وليس يعني هذا الاستنتاج اننا نغفل او نتجاهل او نستصغر العناصر الأخرى السلبية داخل الحركة، بل كل ما يعنيه تحديد الاتجاه العام بما يحمله من افاق التطور المستقبلي الحاسم، أي التطور الثوري الواعي، دون التطور العفوي"
فقد طرح مروة رؤيته لحل مشكلة العلاقة بين حاضرنا العربي وبين تراث ماضينا الفكري الذي رآه يتوقف على توفر الوضوح العلمي لحقيقتين:
الأولى تتمثل في المحتوى الثوري لحركة التحرر لعربية في حاضرها وفي آفاق تطورها المستقبلي
والثانية في حقيقة الترابط الجوهري بين ثورية هذا المحتوى ( المحتوى الثوري لحركة التحرر) وثورية الموقف من التراث، بمعنى ضرورة ن يكون الموقف من التراث منطلقاً من الحاضر نفسه، أي الوجه الثوري لهذا الحاضر.
واستدل مروة على تأكيده للحقيقة الأولى - أي المحتوى الثوري لحركة التحرر العربية وآفاق تطورها المستقبلي – من المسار العام لحركة التحرر الوطني العربية كون الاتجاه العام لهذه الحركة كان اتجاهاً صاعداً بالغالب خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية أي ان المنحى العام كان منحىً ثورياً بجوهره تتجلى ثوريته برأي مروة بالنقاط التالية:
1- عداء هذه الحركة للمشروع الامبريالي الصهيوني والضالعين باغتصاب حقوق الشعوب من اتباعهم.
2- صيرورة هذا العداء الى عداء للنظام الاجتماعي الذي تمثله قوى الاستعمار والامبريالية- نظام الاستثمار الرأسمالي.
3- تنامي الوعي الطبقي وتلازم النضال الوطني بالصراع الاجتماعي
4- تزايد سعة التمايز بين قيادات الحركة الوطنية بين طرفين أحدهما مستعد للمهادنة والتسليم والأخر متجذر وصلب في عداءه للمشروع الامبريالي الاستعماري الصهيوني لصالح المتجذر الصلب
5- تحول بعض الفصائل الكفاحية – نظرياً وممارسة – من النزعات القومية الشوفونية الى تبني نهج الفكر العلمي والتخلي عن العصبويات الشوفونية القديمة
6- وعي القوى الأساسية في حركة التحرر الوطنية العربية بضرورة الترابط العضوي المصيري مع حركات التحرر الأخرى بالعالم " مع طليعتها الصدامية: منظومة البلدان الاشتراكية. "
اما الحقيقة الثانية أي الترابط الجوهري بين المحتوى الثوري لحركة التحرر الوطني العربية في مرحلتها الراهنة وبين الموقف الثوري من التراث الفكري العربي- الإسلامي. حيث أشار مروة الى انه "من غير الطبيعي أي من غير الممكن ان نكون ثوريين في موقفنا من قضايا الحاضر، ونكون – مع ذلك – غير ثوريين في موقفنا من تراث الماضي. فالثورية فوقف شمولي، كلي لا يتجزأ. ان التجزيء هنا هدم للموقف كله يكشف ان "الثورية" المدعاة طفيلية على الحقل الذي تزعم انتماءها له"
" كل " معرفة" عن هذا التراث ذاته صدرت من مؤرخ او مفسر او دارس، قديماً وحديثاً، انما يكمن وراءها موقف أيديولوجي. والموقف الأيديولوجي هو – بالأساس – موقف طبقي. وليس شرطاً ان يكون لهذا الموقف حضور مباشر في كل حالة خاصة، وانما له حضوره المستتر في القاعدة الفكرية التي ينطلق منها الشكل المعيّن لمعرفة التراث.
اردت الإشارة الى المسألتين السابقتين لأشير الى "طبيعية" التراجع في حركة التحرر العربية وكذا العالمية والنكوص نحو السلفية والشوفونية بسمتها الغالبة بعد ان كانت حسب رؤية مروة السمة الغالبة لهذه الحركة هي السمة الثورية والموقف الثوري المبني على النهج العلمي من التراث مؤسساً على الحاضر الثوري المبني على المنهج العلمي.
ولنلقي نظرة منطلقين من المسائل التي أشار لها حسين مروة بكتابه.
المسألة الأولى ان حركة التحرر ذات المحتوى الثوري قد عانت بالعقود الأخيرة من تراجع على مستوى المحتوى الثوري في النظرية والممارسة وبالتالي فأن التمايز بين قطبي حركة التحرر العربية قد اصبح اكثر وضوحاً باتجاه تصاعد القطب الخانع المسلم والمنحاز علناً لجهة قوى الاستعمار والامبريالية والصهيونية حتى أصبحت العلاقة مع الكيان الصهيوني علاقة "طبيعية- ضرورية" وخفتت الأصوات والممارسات المناهضة لهذه التبعية النفعية. وهنا لا يفوتني الإشارة الى حجم الحركة المناهضة للتطبيع بمفهومه الواسع وقوة تحملها وصلابة تجذرها وان قلت اعدادها وضعف فعلها لعوامل وأسباب شتى. وإذا تتبعنا نقاط مروة السابقة يمكن تسجيل النقاط التالية:
- العداء للمشروع الامبريالي والحركة الصهيونية والاستعمار والقوى الضالعة بقمع الشعوب واغتصاب حقوقها اصبح اكثر بروداً وتشتتاً مفسحاً المجال لإعلان تحالف مضطهدي الشعوب بصورة اكثر وحشية وعلنية وعدائية للشعوب وحركاتها التحررية.
- بدل العداء للنظام الرأسمالي باتت حركة التحرر تشكل – بوعي او بغير وعي- بمجملها مسنناً من مسننات الماكنة الاستعمارية الامبريالية فأصبح النضال يقوم من داخل حوصلة الممكن فقط ولا يتجرأ على الاقتراب من المستحيل. مثلاً أصبح موقف حركة التحرر الوطني من مفهوم ودور المجتمع المدني مشوهاً وبأحسن الأحوال انتهازياً فبات اقطاب حركة التحرر جزء من منظومة المؤسسات غير الحكومية " المهنية" التي تمارس نضالاً اجتماعياً ضمن إطار المنظومة الاستعمارية الامبريالية ولا تمارس أي دور تحريضي او كفاحي وبالمقابل فبعض من بقي خارج هذه المنظومة يشن عليها حرباً شعواء وكأنها الشيطان الرجيم دون محاولة جادة لطرح مقترحات لإعادة مؤسسات المجتمع المدني الى الصف الثوري المقاوم المتصلب الا ما ندر.
- وهذا ينطبق على تلازم النضال الوطني بالصراع الاجتماعي، حيث تحول اقصاء النضال الاجتماعي وتغييبه في المراحل السابقة الى حين الانتهاء من الوطني الى نضال اجتماعي بحت مغيباً النضال الوطني مع استثناءات قليلة لكن مهمة من طروحات كانت تسعى لتلازم النضالين وأمثلة اقل ما زالت تدعو لتلازم النضالين في الحاضر. وهنا لو نظرنا الى الأحزاب اليسارية – الطليعية – في حركة التحرر العربية لوجدنا انفصام فكري وممارسي مخيف بين الممارسة العملية وبين الفكر العلمي وجدت لها تعبيرات بتغيير أسماء وبرامج ونهج بعض هذه الأحزاب كشكل من اشكال "التوبة" تحت مسميات ليبرالية لا تصلح لستر عورات الانزلاق الطبقي العميق الذي شل هذه الأحزاب كالحركة التصحيحية والاصلاحية ووووو.
- بالنقاط الرابعة والخامسة نجد ان الحركات الأصولية باتت هي الشكل المهيمن على حركات التحرر العربية فتنامت التيارات الدينية والشوفونية بل وتحولت العديد من الأحزاب والأفراد من النهج العلمي المادي الى السلفية الغيبية وأصبح من الطبيعي ان يتعايش اسبقية الوعي على المادة – لمثالية مع اسبقية المادة على الوعي- المادية وهو التعايش غير الممكن فعلياً!!
- اما التحالفات العضوية مع قوى التحرر العالمية فكان من الطبيعي ان تتراجع مؤشراته في ظل تراجع قوة وفعل الحركات في بلدانها لكننا شهدنا بعض محاولات عالمية لتوسيع إطار التعاضد والتحالف العالمي التي سرعان ما تم اختطافها مثل لقاءات الاشتراكية الدولية التي تحولت الى مهرجان ليبرالي مفرغ من أي مضمون ثوري حقيقي ولقاءات الأحزاب الاشتراكية والعمالية التي يشارك بها أحزاب حاكمة في دولة الكيان الصهيوني وحتى أحزاب يمينية انتهازية سلطوية!! فهذه الحركة فقدت جذريتها وصلابتها وتحولت الى حركة مائعة هلامية لا يمكن البناء عليها ولا تركيم الخبرات. أضف الى ذلك ظهور وتنامي ظاهرة الفردانية في النضال كبديل للأحزاب الكلاسيكية حتى وصل الأمر بربط ثورات وانتفاضات بأسماء ناشطين فرديين مما أضعف بنية حركة التحرر العربية وأفقدها الكثير من ساحات الفعل التي كانت تنشط بها عند كتابة مروة لكتابه المذكور.
ومن هنا يمكننا فهم الحقيقة الثانية التي ذكرها مروة حول الربط بين المحتوى الثوري الحاضر المبني على النهج العلمي مع رؤيتنا الثورية – بالضرورة- للتراث. فاذا كانت هذه الحركة في مرحلة صعود وتنامي فانها اليوم في مرحلة تراخي و"انفلاش" مما سيعكس بالضرورة موقفها من التراث وسيعكس بالضرورة قبول هذه الحركة بشكل عام بالصورة السلفية للتراث لتكن أقرب للنهج المثالي الغيبي منها للنهج العلمي المادي وتصل هذه الحركة – وخصوصاً اليسار العلمي منها – الى مرحلة من التماثل مع التيارات السلفية فلا تكاد تجد فرقاً بين الجهتين لا فكراً ولا ممارسة!! ومن هنا يمكن فهم تغني بعض اقطاب اليسار بمقاومة الأحزاب الدينية – الثورية في مقاومتها للمشروع الاستعماري بالوقت الحاضر وبذات الوقت القامعة في مشروعها الاجتماعي والتي تفرض تقسيماً لا علمياً ولا تاريخياً للمجتمع بناءاً على درجات الايمان وليس على الموقع الطبقي، ناهيك عن اقصائها لكل من "يختلف" معها دينياً او فكرياً- أقول لا استغرب موقف بعض اقطاب اليسار في التغني بالسلف الصالح وجعل المقاومة عبداً وتسييد فرد او قائد عليها!! لا استغرب ذلك من هذا المنطلق الذي أشار اليه مروة أي من الموقف الكلي الشمولي من الحاضر والتراث الماضي معاً فما دام المنطلق من رؤية التراث قد فقد حضوره ومنهجيته العلمية فبالضرورة ان ينعكس ذلك برؤية مثالية للحاضر تجعل اسبقية المادة على الوعي تتساوى مع اسبقية الوعي على المادة بل تفسح لها المجال لتكون هي الأسبقية الأوحد.
مع ذلك هذه ليست دعوة للتسليم بل للرؤية العلمية الدقيقة للواقع الحالي لحركة التحرر العربية في محاولة للوقوف بشكل صارم مع استعادتها لنهجها العلمي الثوري والبناء على خبراتها السابقة وتجاربها للنهوض بهذه الحركة والارتقاء بها دون التغني بماضيها المجيد والتحول الى سلفية يسارية، فالماضي الذي كان، كان له إيجابيات وسلبيات وعلينا ان نبني عليه نحو مستقبل وافق أكثر علمية وأكثر نضوجاً. وبسبب تراجع المواقف الثورية العلمية بشكل عام وفقدان الحركة التحررية قوى كثيرة في الجولات السابقة فهذا يعني بالضرورة ان الحركة بحاجة لقوة مضاعفة وتجذر ووعي طبقي وفكري وسياسي ونضالي اعلى والتزاماً بل انسلاخاً طبقياً أكثر عمقاً لتتمكن من التقدم والاستمرار مع التأكيد مجدداً انها ليست دعوة للعودة لماضي هذه الحركات "المجيد" بل للاستمرار ببناء القواعد المادية للأساس النضالي الأكثر تطوراً وتجذراً وعلمية. وكما انه من غير الممكن ان نكون ثوريين بالحاضر وغير ثوريين من موقفنا من التراث فأيضاً لا يمكن ان نكون موقفنا ثورياً من تراث حركة التحرر العربية وانهزامياً طفيلياً من حاضرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة