الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4

دلور ميقري

2019 / 12 / 11
الادب والفن


" أنتِ أجمل منها وأفتى، لذلك سيرزقك الله بشخص عالي الشأن يُقدّر قيمتك حق قدرها "، كذلك قالت المربية لأديبة. في ذهن الأولى، كان ثمة رجلٌ محدد؛ ولم تخطئ الظنَ، طالما أنّ الأخرى عبّرت عن الفهم بإشارة من رأسها. لو كان الأمرُ هكذا، أليسَ من الوارد أنّ المعنية بالموضوع انتبهت إلى ملامح طراد آغا، حين اجتمعت به على ترّاس داره، فخلق ذلك لديها انطباعاً محدداً لا يُمكن أن تخطئه غريزة المرأة فيها.. أم أنه شخص آخر، مَن تمنى أن تحل مشكلتها مع الزوج بشكل وديّ من أجل الأطفال.. لعله عنى بقوله، إمكانية التفاهم على الطلاق مع ضمان وجود الطفلين في رعايتها؟
المرأة المخدوعة، من ناحيتها، أغضت بصرها عن كل تلك الاعتبارات والاحتمالات: " الحقيقة، أشبه بحرباء تنساب على جانب الطريق ولا يراها أحد "، انتهت إلى هذا التفسير المتفق مع بيئتها القروية. كونها تتصف بالواقعية، انتظرت نتائجَ ملموسة لزيارتها قبل أن تحلم بأن الآغا سيكلأ بملجئه امرأةً مع ولدين.
بطبيعة الحال، لم تكن أديبة قد رأت قط امرأة طراد آغا، والتي علمنا أنها ابنة عمه. من أوصاف فوزية خانم، يلوحُ أن تلك المرأة كتلة من الشحم لا يبين منها سوى كرشها ومؤخرتها، تخفيهما بين طيات ملابسها الواسعة. دونما أن يكون بوسع الحرير، في المقابل، إخفاء رائحة عرقٍ متشبث بصاحبته. غير أن الناس سلوا أمر كتلة الشحم، حين كان عليهم أن يتندروا بضرّتها، وكانت هذه عانساً ساذجة وخفيفة العقل.
أديبة، من جهتها، روّحت عن نفسها بالتعليق على ما سمعته من فوزية الخانم، بالقول: " كأنما طراد آغا، لو تذكرنا حكايات الطفولة، عثرَ على قمقم بداخله جنيّ، أقسمَ على الانتقام ممن يحرره؛ فانتقى له تينك الزوجتين! ".

***
لكن طراد آغا ربح رهان المرأة الملولة، وفي آنٍ معاً، لم يُخيّب ظنّ مربيتها.
لم يمضِ أسبوعان على طلب المعونة من الآغا، إلا وكان الزوجان قد استدعيا إلى متصرفية المنطقة كي يواجها القاضي. شأن أكثر رجال الدين، كان هذا الأخير مشبعاً بنظرة عدائية للمرأة. إلا أنه اضطر لصرف البصر عن هذا الاعتبار، مؤقتاً على الأقل، بعدما سبق أن تسللت إلى طاولة مكتبه قصاصة ورق مذيّلة بخاتم الحاكم العسكريّ، المتخذ مقراً له في قلعة دمشق. مع ذلك، أعطى القرارُ القضائيّ للسيد سليم حق حضانة الطفلين بمجرد بلوغ كل منهما سن العاشرة. خرجت أديبة من المركز مشرقة الوجه، لتنكب عند المدخل على مربيتها عناقاً ودموعاً ما أن التقت بها؛ وكانت هذه تنتظرها هنالك مع رجلها العجوز. أبدت المرأة المطلقة شعورَ الجزع على ابنتها الرضيع، بيد أن المربية طمأنتها بالقول: " لا بد أنها ارتوت الآن من ثدي فوزية خانم، التي ترضع معها ابنتها الصغيرة "
" الشكر لله أنّ ذريتها إناث كلها، وإلا لواجهتنا مشكلة في المستقبل! "، علّقت أديبة مبتسمة في مكر. قرقرت على الأثر ضحكة المربية، ما جعل رجلها العجوز يلتفت إليها بنظرة ساخطة. وكان هذا يسير في المقدمة متبختراً بهيئته، المتأنقة على غير العادة. ابنة سيّده الراحل، هيَ من أهدته مؤخراً هذه الملابس، كونها ارتأت أنها مناسبة لعمله المؤقت ـ كوكيل لأعمالها، وذلك لحين أن تتدبّر شخصاً آخر، أفتى وأكثر خبرة ودِربة، فضلاً عن إلمامه بالقراءة والكتابة على أقل تقدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ