الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصداقية نجاد أم تربص المجتمع الدولي؟ أين المشكلة؟

جوزيف بشارة

2006 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لم يتوقف المجتمع الدولي عن الشك في نوايا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منذ جاء إلى سدة الحكم في انتخابات الصيف الماضي. كانت إولى القضايا التي أثيرت حوله هي دوره في عملية الرهائن الأمريكيين الذين احتجزوا في السفارة الأمريكية بطهران عام 1979، والتي اكدت تقارير ضلوعه فيها. بعدها توالت الاتهامات لنجاد بالتشدد والتطرف معاداة السامية وإنكار المحارق النازية وعدم الالتزام بالأعراف والقوانين الدولية وغيرها. ولكن كانت أبرز القضايا التي أثيرت حول نجاد هي نيته بشأن البرنامج النووي الإيراني. فقد رفض الرجل إستمرار عمل لجان التفتيش الروتينية التي تقوم بها منظمة الطاقة الدولية على المنشآت النووية الإيرانية. ولم تكد تمر بضعة أسابيع حتى أعلن الرئيس الإيراني عن نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم، بمجهود ذاتي، لخدمة المشروعات السلمية، وهو الأمر الذي أشعل المواجهة بين نجاد والمجتمع الدولي وبخاصة الغرب الذي يخشى أن يطور نجاد القنبلة النووية. معظم هذه القضايا ما كانت لتأخذ تلك الأبعاد الخطيرة ما لم تكن مصداقية النظام الإيراني منعدمة، وما لم تكن ثقة المجتمع الدولي في نجاد مفقودة.

هذا الأسبوع استمر تفاعل قضية أخرى كشفت الكيفية التي ينظر بها المجتمع الدولي إلى نظام نجاد. القضية تعلقت بقانون الزي الموحد في إيران الذي أقره البرلمان الإيراني الاسبوع الماضي وقيل أنه قد يفرض على الأقليات الدينية زياً مميزاً في إطار محاولات النظام الإيراني للقضاء معالم التغريب التي بدأت تغزو المجتمع الإيراني. الطريقة التي تعاطت بها وسائل الإعلام العالمية مع القضية تكشف مدى انعدام الثقة في نظام نجاد. تلقفت وكالات الخبر من صحيفة الناشيونال بوست الكندية التي استقت معلوماتها من أحد الكتاب الإيرانيين الذين تربطهم علاقات واسعة مع العديد من المصادر داخل إيران وخارجها. بمجرد أن تطايرت الأنباء عن القانون، اندلعت نيران الغضب في قلوب المدافعين عن حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، ولم يشكك أحد من الكتاب او الخبراء أو النقاد للوهلة الأولى في مصداقية هذه الأنباء بسبب المعرفة المسبقة باتجاهات نجاد المخالفة للأعراف الدولية والمتعارضة مع الثوابت التاريخية. ولكن الأيام التالية شهدت منعطفاً أخراً حول مسار القضية من قضية حقوق أقليات إلى قضية حقوق شعب بأكمله.

المنعطف الذي اتخذته قضية القانون من المؤكد أن يعمق من حالة انعدام الثقة في النظام الإيراني. فقد نقلت وكالات الأنباء عن بعض البرلمانيين الإيرانيين نفيهم وجود بنود بقانون الزي الموحد تفرض زياً معيناً على الأقليات الدينية في إيران، حيث أكد البرلماني محسن يحيوي أن القانون يستهدف دعم مصممي الازياء الإيرانيين الذين يقدمون ملابس تتلاءم أكثر مع الاسلام، نافياً أن يكون هناك حظر على ارتداء أزياء أخرى في حال أقر القانون الجديد، كما نفى موريس معتمد النائب اليهودي في البرلمان الايراني ان يكون القانون قد عمد إلى فرض ملابس معينة على الاقليات، مؤكداً أنه لا توجد أية إشارة في القانون عن زي خاص أو لون محدد لجماعات الاقليات الدينية. جاء ذلك النفي في الوقت الذي أعاد فيه الكاتب الإيراني أمير طاهري، الذي كان أول من أثار القضية، التأكيد على أن القانون سيفرض قيوداً جديدة على حرية الإيرانيين بصفة عامة، فضلاً عن أن صيغته النهائية، التي لم يتم التوصل إليها بعد، قد تفضي إلى التمييز بين المواطنين على أسس دينية.

أشار طاهري في بيان صحفي أصدره في الثاني والعشرين من مايو الجاري أن ملتزم بكل ما سبق وأعلنه في مقاله بصحيفتي الناشيونال بوست الكندية والنيويورك بوست الامريكية بشأن الزي الموحد للإيرانيين وإمكانية فرض زي محدد على الأقليات، موضحاً أن لجنة خاصة قد شكلت وأنيط بها العمل على على دراسة كيفية تنفيذ القانون. وأكد طاهري أن مقترحات عديدة قد قدمت للجنة كان منها تخصيص الزنار لليهود والمسيحيين والزرادشتيين الذي أجبر أهل الذمة على ارتدائه على نطاق واسع في دول العالم الإسلامي ومنها إيران وتوقف استخدامه في مطلع القرن الحادي والعشرين وفي عام 1908 تحديداً في إيران. وأعلن طاهري أن مصادر موثوقاً بها تشمل ثلاثة أعضاء في البرلمان الإيراني أبلغته بمشروع القانون وبنوده المقترحه. غير أنه أشار إلى عدم معرفته بالبنود التي سيستقر عليها القانون الذي ينتظر إقراره بصفة نهائية في سبتمبر المقبل. وألمح الكاتب الإيراني إلى أن السلطات الإيرانية ترفض إصدار بيان ينفي فكرة الذمية والحاجة لوجود أزياء مميزة للأقليات الدينية.

نفي محسن يحيوي وشكوك أمير طاهري يثيران المزيد من التساؤلات حول القانون الشائك في ضوء غياب مصداقية النظام الإيراني. الأمر حتى الأن يبدو غامضاً فما من دليل يؤكد صدق البرلماني الإيراني، الذي ربما سعى لتهدئة الأجواء المحتقنة، وما من شاهد على صحة شكوك الكاتب الإيراني أيضاً. الغريب أن أنصار النظام الإيراني الذين ما فتئوا يدافعون عنه رغم كل خطاياه بحق الشعب الإيرانب اتهموا الغرب بإثارة قضية القانون بوازع من الكراهية والتربص بإيران الإسلامية. لقد تناسى هولاء أنه حتى إذا ما افترضنا صدق نفي البرلماني الإيراني للجزء المتعلق بزنار الأقليات، فإنه لم يكن صادقاً في تصريحاته بشأن منع الملابس الغربية، إذ أن القانون سيحظر ارتداء أية أزياء تتعارض مع بنوده، ولقد أكدت وكالة الأنباء الإيرانية هذا المعنى بعد إقرار البرلمان للقانون في 15 مايو حين أشارت إلى أن القانون يهدف إلى منع الموضات الغربية التي تتعارض مع التعاليم الإسلامية.

ليس من شك في أن انعدام مصداقية النظام الإيراني وفقدان المجتمع الدولي للثقة في نجاد، وليس التربص، كانا وراء ردة الفعل الحادة من الغرب بشأن القانون. ومع النفي والنفي المضاد فالقانون يبقى، إذا ما تم العمل به، منافياً للمبادىء الأساسية لحقوق الإنسان، وعدواناً على حريات الشعب الإيراني المسلم منه وغير المسلم، لانه سيحدد للمواطنين الإيرانيين ملبسهم ويمنعهم من ارتداء ما يرغبون. قد يدعي البعض بأن الزي الموحد يأتي تلبية لتعاليم دينية أو إشباعاً لنهم عقائدي. ولكن إذا ما قبل بعض المواطنين المسلمين بالزي الإسلامي من منطلق طاعة التعاليم الإسلامية كما قد يزعم قادة الثورة الإيرانية، فماذا سيكون موقف الأقليات الدينية من القانون ومن الزي الإسلامي؟ طبقاً لنفي عضوي البرلمان الإيراني، فإنه ليس هناك زي محدد للأقليات الدينية، من ثم يتضح أن إما أن يتم إجبار أتباع الديانات الأخرى على ارتداء الزي الإسلامي، وإما أن يتم استثناؤهم من وبالتالي يسمح لهم بارتداء ملابس مدنية عادية. الخيار الثاني غير متوقع ومشكوك به لأن النظام الإيراني لم يعتد منح الأقليات الدينية الحريات الطبيعية في الماضي، فالمرأة غير المسلمة على سبيل المثال ملزمة بارتداء الزي الإسلامي.

قضية إجبار شعب بالكامل على ارتداء أزياء موحدة ومنعه من ارتداء أزياء معينة تظل ظاهرة غريبة وغير مسبوقة، ومتعارضة تماماً مع مبادئ حقوق الإنسان الدولية. إذ بعد تعدي النظام الإيراني على حقوق المرأة الإيرانية بإرغامها على الزي الإسلامي المتشدد، حان الوقت لاستدارة النظام للرجال ودفعهم لارتداء ما يحلو لأيات الله. لا أعتقد بصدق المقولات بأن الغرض من توحيد الزي كان ثقافياً كما ادعى بعض أئمة النظام الإيراني، فالغرض بالمقام الأول سلطوي ديني متزمت. تكاد معظم المجتمعات تتميز بأزيائها الوطنية التي يقبل عليها البعض بدافع الحب والانتماء، ولكن إجبار المواطنين على ارتداء زي موحد يعني التعدي على الحريات العامة، بالإضافة إلى أن إجبار غير المسلمين على ارتداء زي إسلامي يعد أمراً خطيراً. لست أدري ماذا تبقى من حريات لم ينتقصها النظام الإيراني من شعبه بعد الغاء حرية الملبس بقانون برلماني؟

يعتقد مؤيدو النظام الإيراني، أو الذين يرون في نجاد نموذجاً للشخص القادر على تحدي المجتمع الدولي، أو الذين يعتقدون بأن نجاد يستطيع تحقيق الحلم بامتلاك القدرة النووية الإسلامية، أن إثارة قضية الزي الموحد تبرز تربص الغرب بإيران. ولكن الحقائق تقول بأن الرئيس الإيراني نجاد يكتسب المزيد من الأعداء بمرور الوقت، وأن افتقاده للمصداقية يجعل من الشائعات بصدده أقرب للحقيقة منها للكذب. رئيس الوزراء الكندي كان واضحاً حين صرح بأنه في حالة صدق التقارير بشأن زي مميز للأقليات الدينية، فإن العالم سيقتنع بأن الرئيس الإيراني عندها سيصبح بموسوعه فعل أي شيء أخر. لعل هذا التصريح يعكس مدى الترقب والحيطة من تصرفات نجاد، وعدم الثقة في شخصيته. أخشى أن يجلب تأييد المتشددين في العالم الإسلامي لنجاد كارثة على الشعب الإيراني حين لا يتسع صدر المجتمع الدولي للمزيد من أعمال نجاد التي لا تراعي بالمقام الأول مصالح شعبه. الأمر غاية في الحساسية، وهو يتطلب منا جميعاً فهماً ووعياً لا عصبية وتجاهل، وهو يحتاج أيضاً معالجة مبنية على العقل والمنطق لا على العاطفة والتحزب. إيران بحاجة اليوم لنظام حكم جديد يعيد المصداقية إلى إيران، ويعيد الثقة المفقودة بينها وبين العالم، وقبل هذت وذاك يحررالشعب الإيراني من القيود التي تكبله منذ 27 عاماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني