الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساورا- إنداكوا

عفيف إسماعيل

2006 / 5 / 27
الادب والفن


مُسامرة سودانوية*
النص الشعري لأغنية وسط السودان المسموعة من خلال أجهزة اعلام الدولة السودانية، كان غارقاً في أغلبه إلا من أقل القليل منه في الماضوية والحنين للامس، وهجر الحبيبة وأستجداء الوصل والوصال، واجترار الندم وعض بنان الأشجان وغير مهجس بما هو حياتي ويومي ومستقبلي ومصنفاً تعسفياً إلي شعر غنائي وآخر غير قابل للغناء وعصي علي التلحين، قبل تجارب الفنانين خليل فرح، محمد الأمين، ووردي، وابوعركي، ومصطفي سيد احمد، وعقد الجلاد.وآخرين..
منذ ميلادها في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم ببطء ودراية موضوعية إقتفت مجموعة ساورا الغنائية الموسيقية السودانية هذا الأرث الايجابي للمجددين في الأغنية السودانية،ونحتت تجربتها بصبر العارفين لإرتياد الآفاق فصارت أحدي الإشراقات العذبة في الأغنية السودانية وصار لها ملمحها الذي يخصها وشكلت إضافة نوعية فن الغناء السوداني. ولآن النص الشعري أحد المكونات الأسياسية للأغنية السودانية إنتقت نصوصاً شعرية طازجة المعني والمضمون مهمومة بكل قضايا الوجود الإنساني علي سطح الأرض، لشعراء لهم تجاربهم المميزة في محيط الشعرالسوداني وبصمتهم الواضحة مثل: محجوب شريف، عاطف خيري،أزهري محمد علي ، مجدي النور، امين صديق، خطاب حسن أحمد، عثمان البشري، محمد عبد الخالق، خالد عبد الله، ، ميرغني الماحي، جمال حسن سعيد، عماد عثمان وغيرهم، وايضاً عبرت حدود السودان إلي المحيط العربي فتغنت لكل من الشعراء محمود درويش، سميح القاسم ، محمد مهاب، وكمال عمار.

في البوم مجموعة ساورا الغنائية الموسيقية الأخير الموسوم بـ يوما ما يحتوي علي الأغنيات التالية: أم بادر، مشوار، مساحة فل، وطني، من الشارع، يوماً ما، إنداكوا.
لفتت إنتباهي أغنية إنداكوا ذات اللحن الافريقي، فتصورت في البدء إنها أحدي المعالجات لأغنيات تراث جنوب السودان مثلها مثل تلك المحاولات الجادة للعديد من الفنانين والفرق الغنائية التي حاولت أن تنبه الإعلامي السوداني الرسمي لثراء أغنيات تلك المناطق المهمشة في أطراف المليون ميل مربع عمداً من قبل عمي الدولة السودانية المقصود منذ إستقلالها وهيمنة ثقافة وسط السودان علي ماعدها في كافة أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية. وقد إكتفت تلك المجموعات بما فيها ساورا نفسها في بدايتها بنقل الحان وأغنيات بلهجات محلية من البيئة الطرفية المحددة واعادة توزيعها موسيقياً، مثل أغنية (يا سلام) من تراث نوبة الشمال في البوم ساورا الاول توما 1.
بقليل من التقصي عرفت أن أغنية (إنداكوا) كتب نصها الشعري المكتوب باللغة العربية الموسيقار ربيع عبد الماجد، وترجمها الأستاذ ريتشارد رزق إلي لهجة قبيلة (كريش) وهي احدي فروع قبيلة (الزاندي) المعروفة في جنوب السودان، ثم وضع الموسيقار ربيع عبد الماجد اللحن والتوزيع الموسيقي للأغنية بعد ذلك مستلهماً التراث النغمي لبيئة الترجمة.
أري ان الموسيقار ربيع عبد الماجد قد تصاعد في تجريبه حلزونياً إلي أعلي بغير إنقطاع عن من من سبقوه في هذا المجال حين إستبطن وإستصحب في نفس الوقت في ذاكرتة تجارب موازية بأشكال أخري لنفس الغرض الفني أبرزها تلك التجارب المدهشة التي نفذها الموسيقار الفذ أسماعيل عبد المعين في إنتاج لحن مزدوج الملامح، والفنان المجرب النور الجيلاني في محاولاته في كشف جماليات المكان بتجوله سياحياً في اغنية (جوبا) بالكثير من الأماكن في جنوب السودان، و كسر حدة مقايس الجمال العربي المهيمنة علي مفردة النص الشعري مثل أغنية (فيفيان) وكان قد سبقه في ذلك من قبل الفنان ابوعركي البخيت حين تغني بـ( نوبية) وبعض الرحيق أنا والبتقالة أنت) و( تظهر كيفن هي الحنة يا الاصلك ما دير حنة)، وهي محاولات في جلها تصب في نهر مد جسور التمازج بين الثقافات السودانية عبر الموسيقي والغناء والاستفادة من كافة المكونات النغمية للبيئة السودانية في جغرافيتها المتمدة المتنوعة الغنية الإيقاعات والأصوات التي تنحدر من كثافة الأدغال الإستوائية، وتمر بكل خطوط التماس إلي ان تصل إلي مابين موسيقي الانهار العذبة ثم تنطلق في شبه الصحراء غرباً وشرقاً وتمر إلي جفاف الصحراء الكبري. بهذا يضع الموسيقار ربيع عبد الماجد أحد الأعضاء المؤسسيين لـ مجموعة ساورا الغنائية الموسيقية والمشارك بنصيب وافر وضع العديد من الالحان المتميزة للمجموعة في ريادة ما لإجتراح جديد الشكل والتنفيذ في عكس تيار النهر ضد السائد في موسم هجرة إلي الجنوب بزاد وعتاد عماده كلمات تطلق دعواها الصادقة لبداية العمل ونبذ الكسل وتمجد قيمة الإنسان ودوره في الحياة، والحان لها إيقاع يجعل كل من يستمع يقف ويتأمل بإختلاف موقعه الجغرافي من رقعة السودان، ويضيف بزاوية ناضجة متفتحة بإتجاه الشأن العام دوراً الموسيقي والغناء في تربية الوجدان القومي لمشروع الأمة السودانوية في حاضرها الراهن المفتوح علي إحتمالات الشتات ونهباً للفتنة التفتيت، يجاور ما قدمته ساورا في تجربتها اللصيقة بكافة هموم المواطن السوداني وإنحيازها لبسطاء الناس.

البوم (يوماً ما) لمجموعة ساورا الغنائية الموسيقية السودانية جديراً بالاحتفاء، ودعوة للفرح ونافذة مفتوحة علي الهواء الطلق في زمن العتمة الكآبة السودانية العارمة التي يتفنن صناع القبح المنظم وعبدة الخراب الإسلاموي الماحق في السودان في إنتاجها علي مدار الثانية لتجفيف منابع الحلم والتمني بأصباح أكثر بهاء وآمن وطمانينة، ودعوة للتصالح والتسامح والتحاور والتجاور والجمال.ودعوة لزرقاء الحلم لتري في الأفق هل هناك يوماً ما لا يشبه هذه الأيام.


* مسامرة سودانوية .. عنوان المقال الشهري الذي يكتبه عفيف إسماعيل في صحيفة"المهاجر" التي تصدر عن منظمة "المهاجر" باستراليا،عدد مايو 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا