الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يتحكم في اللعبة الإنتخابية بالمغرب؟

عبد الحق لشهب

2006 / 5 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عرف المغرب في الآونة الأخيرة عملية إعادة التسجيل والتصحيح في اللوائح الانتخابية، استنادا إلى توصيات لقاء وزير الداخلية بمقر وزارة الداخلية، اجتماعا مع ولاة وعمال الأقاليم، وهو الاجتماع الذي كشف من خلاله برنامج الوزارة المستقبلي، والمهام المطروحة على الإدارة المغربية على المدى المتوسطي والبعيد، ومن بين الأهداف التي سطرت: مسألة مراجعة قانون الانتخابات بما فيها التقسيم الإداري لسنة 1992 ومباشرة بعد هذا اللقاء الرسمي وعملية التسجيل باللوائح الانتخابية تصاعدت أصوات سياسية من مختلف الهيئات الحزبية، وقد تفرقت هذه المواقف المعلنة عن الموافقة المبدئية والمهللة لهذا الإصلاح الانتخابي المعلق بين فريقين:
- ثلة من بعض أحزاب اليمين التي كان نصيبها من الكعكعة النيابية هزيلا بالمقارنة مع ماضيها الذهبي، أو ممن لم يألفوا فن المعارضة وهو الموقع الذي يصفونه برلمانيا، لا يليق إلا لنواب الأمة من الدرجة الثانية، وبالتالي فهم يستعجلون هذه التعديلات ليس حبا في نظافة قواعد اللعبة بل للدفع بأي سيناريو جديد يوفر مجالا للمناورة في إخراج انتخابات قبل أوانها أو في أوانها.
- فريق من أحزاب اليسار المعارضة "داخل أو خارج البرلمان" والتي ترى أن قانون الانتخابات الحالي بما فيه التقسيم الإداري لسنة 1992 لازال يوفر أرضية خصبة لصالح اللوبي السياسي التقليدي، ليستمر في هيمنته الاحتكارية البنيوية على الخريطة السياسية وطنيا.
وكلا الفريقين يرى أن التعديلات الإجرائية المقبلة ستوفر إمكانية حقيقية لتنافس انتخابي فيه حد أدنى من الشفافية، وقد تنضج فيه الشروط المأمولة لتعميق الاختراق الواسع للمؤسسات المنتخبة.
إن هذه المواقف السياسية التي تتبنى استراتيجية إصلاح الأنظمة الانتخابية والتقسيم وتعتبر أن تعديل قوانينها الحالية "نمط الاقتراع - التقطيع والتقسيم - تنظيم الحملات ..." محفزات أساسية لخلق شروط جديدة لصراع انتخابي نزيه، فهذه المراجعة حسب نظرتهم ستدفع باتجاه خلق علائق انتخابوية من نوع آخر بمقدورها تشكيل تفاعل حقيقي في محيط التمثيل الانتخابي. وحسب المروجين لهذه القناعة فهم متأكدون أن تفعيل هذه التعديلات سيضع حدا للمتاجرين بالعمل السياسي، ويوقف نزيف استعمال المال وشراء الذمم وبالتالي تعطيل العناصر الوصولية والانتهازية التي تجعل من الفعل الانتخابي والعمل الحزبي حصان طروادة لبلقنة المشهد الحزبي وتسخير قنواته قصد الوصول للأغراض الذاتية الضيقة. إن المتشبثين بقشة إصلاح منظومة التنافس الانتخابي، يتطلعون من وراء ذلك إلى القذف بأغلب أو ربما بكل العناصر المتسلطة التي فرضها زمن الإملاءات من الخريطة السياسية. إن هذه المبررات التي يسوقها دعاة المراجعة يتصورون أن هذه الجوانب الإجرائية لها مفعول إيجابي في النتائج، وبالتالي فهم يعلقون أحلامهم وأحلامنا في أن نعيش حالة انتخابية نزيهة، استنادا إلى هذه المتغيرات الإجرائية ذات الطبيعة المعيارية والقانونية الصرفة.
صحيح أن أي إصلاح للقوانين الانتخابية سواء على مستوى اللوائح وأنماط الاقتراع والتقسيم بشقيه الإداري والانتخابي يساهم منطقيا في تطهير الممارسة الانتخابية من بعض مظاهر تزوير إرادات الناخبين، غير أنه إذا كانت هذه المعادلة من الناحية النظرية مقبولة لدى أي عقل سياسي سليم، فهل معادلة (إصلاح نظام اللعبة يؤثر على حتمية النتائج) صحيحة في حال الانتخابات بالمغرب؟
سبق وأن سلمنا فيما سبق ذكره أن أي مستجدات تطرأ على قواعد اللعبة الانتخابية في أي نظام سياسي معين لابد أن تتبعها آثار منطقية في الخرائط السياسية السابقة، غير أن التفاعل بين هذين العنصرين لا يتم على أرض الواقع إلا إذا كان الصراع الانتخابي صراعا سياسيا أي أن التنافس تحكمه البرامج والأفكار. وأن التصويت عملية تفاعلية بين الناخبين ونوعية العرض السياسي في تصوره للحلول المقترحة لأهم القضايا والإشكاليات العامة.
إلا أن هذه المعطيات إذا ما نحن أجريناها على واقعنا السياسي والانتخابي يأتي ترتيبها مختلا وغير متوازن. فقبيل انتخابات 2002 تناثرت الألسن في جدل سياسي محموم صب في اتجاه العملية الانتخابية مما أثار نفس المخاوف التي كانت ولازالت محور النقاش الدائر حول مسيرة إصلاح الآليات الانتخابوية، غير أنه مباشرة بعد الإعلان النتائج عاد الحديث من جديد عن مظاهر التدليس الانتخابي بكل أصنافه وتشعباته.
وهو الوضع الذي يستدعي إعادة التدقيق في مفهوم تزوير المشهد الانتخابي برمته، ذلك أن التزوير في حد ذاته لم يعد مجرد خرق لنظام اللعبة، إنما هو تراكم لأسباب ومسببات أخرى تتعلق بمظاهر التسفيه والتشكيك في الحياة السياسية ككل، هكذا تمت تصفية العمل الحزبي في حالة الصراع الانتخابي بالمغرب، أما أنواع الدعاية الحزبية في الحملات الانتخابية ليست سوى إطار سياسي شكلي لا فعل له في أذهان الناخبين. في ظل هذا الفراغ دخلت على الخط محفزات جديدة استغلت فيها عقلية الناخب المحنطة بالأفكار المسبقة والقبلية ضد مصداقية العمل الحزبي، وانتصبت كسلطة مادية أو رمزية قادرة على استمالة الناخب، ويمكن حصرها على وجه تقريب صورة للقراء فيما يلي:
- المحفز النفعي البراغماتي : إن أي متتبع عادي لن يجد صعوبة في اكتشاف الحقيقة المرة التي مفادها أن الانتخابات بالمغرب تكاد تكون مجرد سوق رسمي، يشكل الصوت الانتخابي السلعة للبيع، الناخب = صاحب العرض، المرشح= صاحب الطلب، مظهرا من مظاهر التسوق الهامشية التي يعمل فيها شبابنا في الدعاية للمرشحين كأجراء مؤقتين. وبذلك أصبحت طبيعة العلاقة بين المرشح والناخب فرصة مادية أو معنوية آنية أو مستقبلية، أما ميثاق الشرف في هذه السوق السياسوية ليست بنوده أهداف عامة إنما هي أغراض شخصية.
- المحفز العرقي القبلي الإثني: تتفاوت حدة الفعالية لهذا المحفز من الانتخابات النيابية إلى الانتخابات الجماعية، إلا أن هذه العلائق والمكونات القبيلة والعرقية والاثنية أصبحت في واقعنا السياسي إحدى أهم الوسائل الناجعة في تهييج النسيج الانتخابي، لما لها من أبعاد سوسيو نفسية لذا الناخبين.
- المحفز السياسي: إن العامل الحزبي والسياسي قناعة لدى أقلية من الناخبين الذين قدر لهم استيعاب أبعاد المرحلة، غير أن الأصوات السياسية للأسف ليس لها أي تغيير قوي في تحديد طبيعة النتائج.
إن هذه الحقائق رغم بساطتها لازالت بعيدة عن الكثير من الأذهان لدى العاملين في الحقل السياسي المتشبثين بفتح ورش جديدة لإصلاح الأنظمة الانتخابية، معتقدين أن هذه الأجرأة الشكلية قد تحقق النقاء المطلوب، متناسين أن بنية التكريس للأخطبوط الانتخابي التقليدي في المؤسسات التمثيلية أعمق بكثير من هذه الطروحات التبسيطية وأصلب من أن يتأثر بمرسوم انتخابي جديد أو تقسيم أو تقطيع في صورة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة