الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهواية: التلصص

هشام بن الشاوي

2019 / 12 / 13
كتابات ساخرة


لم أحاول معرفة تفاصيل الجدل المصاحب للمادة 9، فكل صباح، أكتفي بقراءة العناوين فقط، بينما أحرص على قراءة ما يكتبه الصديق رشيد نيني، ويونس جنوحي، بفضلهم أستعيد صفة مواطن، نسي أنه كاتب ومبدع، لبضع دقائق، وأعرف ما يدور في هذا البلد الأمين، أرمي الجرائد جانبا، وعلى عجل، أحتسي قهوتي الإيطالية المرة، التي اعتدت على مرارتها، مثلما صادقت مرض السكري، بيد أنني لم أستسغ بعد مرارة طعم هذا الواقع المغربي، الذي يسحقنا تحت رحى إكراهات الحياة اليومية ومتطلباتها…
نبهني صديقي يوسف إلى أنني لم أعد أقرأ الجرائد كما كنت، من قبل، وسألني عن سبب توقفي عن الكتابة في الصحف، أجبته بأنه لم يعد لدي وقت حتى للكتابة في المجلات العربية، التي تقدر "عرق" الكتّاب، بينما، هنا، لا نتوصل حتى بكلمة شكرا، عند استلام المادة، فما جدوى أن تكتب رواية في سنة أو في شهر، إن كانت لن تسدد مصاريف تمدرس أبنائك لشهر واحد؟ لقد تركت الإبداع لهذه الحكومة السعيدة، التي تتفنن - دوما- في ابتكار كل ما يدخل البهجة إلى قلوبنا.. لمن أكتب؟!
أحيانا أغالب دمعي، وأكاتب الشاعر - الذي نفتقده- نيني إلكترونيا، حين تفلح جملة نوستالجية أو مقطع وصفي، موغل في بكارة الطفولة، في انتزاعي من بركة حياتي اليومية الآسنة. إن زبائن المقهى، وأغلبهم جيران، لا ينتبهون إلى ما أكتب، وأحيانا، ترفق موادي بصورتي؛ فكل همهم الكلمات المتقاطعة وأخبار الرياضة، في حين ثمة زبون، أحيل على التقاعد، بفنجان قهوة واحد، يضع على طاولته كل الجرائد اليومية، وحتى الأسبوعية، ليملأ وقته الثالث اللا منتهي، لقد "تواضعت أحلامي كثيرا"، ولتسمح لي الشاعرة سعدية مفرح، أن أستعير منها عنوان أضمومتها الشعرية، حتى أنني توقفت عن متابعة جديد السينما و الدراما التلفزيونية العربية، والفضل في ذلك لهذه الحكومة الميمونة، ذات الإنجاز الواحد، والوحيد : حولتنا إلى شعب كل همه متطلبات الحياة اليومية، هذه الحياة التي نحتملها ولا نعيشها…
قبل سنة تقريبا، كتبت هنا، والفضل الكبير لحكومتنا الغالية، التي تتحفنا دوما بالجديد، حتى بت أشك أننا مجرد كومبارس في مسرحية عبثية، لا تريد أن تنتهي. لكن مهلا، الواقع المغربي ليس رديئا إلى هذه الدرجة، من يستحق اللوم هو أنت، لولا إشارة جريدة الأخبار في ملحق "حب وتبن" الساخر إلى روتينهن اليومي، لبقيت في دار غفلون.. لا شيء يستحق المتابعة، لا يعقل هذا! من هنا، اسمحوا لي أن أوجه رسالة لوم وتوبيخ إلى يوتيوب، لأنه حرمني من نصيبي من الفرجة، وكنت أكتفي بالدخول إلى الموقع الأحمر من خلال مفضلة المتصفح، للبحث عن مقطع "تغريد ويداني" للحسون، أو المقنين، كما يدعونه في الجارة الشرقية، أو أبحث عن تغاريد طيور أخرى.
هكذا اختصرت حياتي في "ولاعة" تربية طيور الزينة؛ فالطائر حين تحسن إليه، لا ينسى ذلك أبدا، لا سيما إذا أهمله صاحبه، عن غير قصد، وتحول إلى مجرد "حمار كروسة"، كل همه مصاريف الكراء، المعيشة... إلخ. لقد اشتريت طائر بندوق، باعه صاحبه مكرها، وهذا الهجين أو النغل، وكلها مسميات لــ "الميستو"، عندما أفتح باب البيت، ويسمع صوتي، يبدأ في تغريده الذي يشبه الزغردة، فتقول ابنتي الصغيرة إنه كان صامتا قبل مجيئي. ألا يستحق هذا الطائر أن يكون صديقي الوحيد؟!
نعم، أنا عدمي، لقد نُعِتت، بمعية بعض الأصدقاء المبدعين، بهذه الصفة حين شاركنا في استطلاع رأي لعبد العالي بركات، قبيل انتخاب هذه الحكومة الإسلامية، فما الجديد بعد كل هذه السنوات العجاف؟ لا شيء، والله… لا شيء !!
سامح الله ربات بيوت، يشتكين من "شقا" رفاهيتهن، ونسين أن هناك من لا تملك حتى حصيرة، وتقضي حاجتها البيولوجية في دورة مياه مشتركة مع الجيران، لا أعرف ما جدوى أن يصورن روتينهن اليومي في المطبخ، في غرفة النوم.. وبعضهن يحرصن على ارتداء ثياب، تصرح بممتلكاتهن، فيسيل الكثير، الكثير من اللعاب الإلكتروني. كم كنت غبيا، وأنا أسأل صديقي "المولوع" عن طائر البسبوس الموزمبيقي، فأجابني بأنه لا يدخل إلى المغرب! كل هذه البهجة مسفوحة على ضفاف يوتيوب، وأنا أسأل أعضاء منتدى إن كان هجين طائر النعار الأخضر منتجا أم لا… حتى أتناسى أن رقم حسابي البنكي، منذ ثلاثة شهور، تعوي فيه الريح، مثل ضريح مهجور، تحت سفح جبل بعيد.
صديقي يوسف، صدقني لن يقرأ مقالي ذلك الزبون، الذي قلت لك إنه "يفلي" الجرائد، وأشك أنه يقرأ حتى رقم فاكس الجريدة، لأننا شعب تافه، الشيء الوحيد، الذي نجيده هو التطفل على خصوصيات الآخرين، وهذا ما جعل تفاهات ربات البيوت، ومجانين السوشيال ميديا تصنع "البوز"، شعب يقضم فائض وقته الثالث مثل جرذ، وهو يمارس هواية التلصص!

عن جريدة "الأخبار" المغربية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش