الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغضب المتحضر

جعفر المظفر

2019 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


من الصعوبة بمكان نفي وجود صلة للمتظاهرين بمقتل الشاب الذي علقت جثته على عامود الكهرباء.
لكن هل سيكون من باب اللجوء إلى نظرية المؤامرة التنويه لإمكانية أن تكون الحادثة البشعة من صنع الميليشيات العميلة لإيران, ذلك أن تعليق الخصوم على أعمدة الكهرباء وبواسطة الرافعات هي أيضا صناعة إيرانية عالية الجودة.
ويوم نتذكر القاضي المعمم (خلخالي) رئيس المحكمة الخمينية الخاصة لمحاكمة رجالات الشاه نتذكر من خلال صورته منظر المئات من الإيرانيين الذي شنقوا بتلك الطريقة البشعة. وهل يمكن لصورة الأسير العراقي الذي شطروه إلى نصفين أن تغيب عن أذهاننا, ومنها نتعرف على طبيعة الإجرام الذي تدربت عليه هذه الميليشيات الخائنة لوطنها إلى حد التفاخر والتباهي.
خميني وخلخاله لم يعلقا الخصوم وهما في لحظة غضب دامية ولم يفعلاها وهما في حالةٍ بينةٍ لإنفلات الأعصاب بل فعلاها وهما في كامل وعيهما, وفعلاها وهما في لحظة تجلي وشاعرية ثورية دموية وحشية وسادية من الصعب منازعتهما عليها.
فإن نحن تذكرنا ذلك فليس لغرض أن نبرر للقتلة فعلتهم الشنيعة وإنما لكي يتذكر الجميع أن الميليشيات العميلة لنظام خميني ووريثه خامنئي هي أسوء خلف لأسوء سلف.
وقد يكون من باب أولى التأكيد على أن المعني بالإجرام هنا الحكومات قبل الشعوب, أي أن الشعوب ذاتها ليست بريئة أيضا عن هذه الممارسة الهمجية. بل أن مناسبة كهذه تجعلنا نتذكر كيف أمر النظام البعثي, في أول أيامه نهاية الستينات, بتعليق جثث المتهمين بالتجسس في ساحة التحرير في مشهد بتنا نخجل حتى من إستعادة ذكراه.
أما الشيوعيون العراقيون فكانوا هم الذين رفعوا في زمن عبدالكريم قاسم شعار (ماكو مؤامرة إتصير والحبال موجودة) وكانت نتيجتها سحل العشرات من المناوئين وحتى تعليق جثثهم على أعمدة الكهرباء.
لذا لن يكون عيبا الوقوف هنا لنقد الماضي لأجل التخلي عن الممارسات الإجرامية, بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها, إيرانية كانت أم عراقية, شيوعية كانت أم بعثية أم دينية, وبغض النظر عن مَن سبق مَن في سباق التوحش ذاك.
وسأقول إنني لم أطرح أبدا فكرة أن إيران هي التي علمتنا فن السحل وتعليق الجثث وإنما كنت في بصدد التأكيد على أن من يهول هذه الجريمة من جماعة الميليشيات عليه أن لا ينسى أن تعليق الجثث هو فن إيراني (أيضا) ولذلك فإن إحتمال أن تكون هناك بصمة إيرانية هو إحتمال وارد. والأكثر هو تأكيدي على أن (الحكومة) على الجانب الإيراني هي التي فعلتها في لحظة هدوء أعصاب تحسد عليها, أي أن الجريمة هناك كانت ممنهجة وجزء من سلوك النظام نفسه, في حين أن القتيل على الجانب العراقي ذهب في ساحة غضب عنيفة, وفي ساعات كهذه وأمام ما يتعرض له المتظاهرون من قمع شديد, وما قامت به الضحية تحديدا فإن إنفلات الأعصاب يصبح واردا.
لست في موضع من يقدم النصح لشبابنا العراقي الثائر فمنهم نحن الذين نتعلم. وما تعلمناه منهم في شهرين يفوق كثيرا ما تعلمناه طيلة حياتنا نحن الشيوخ الذين بلغنا من العمر عتيا, فهم بقية سيف, وبقية السيف أفضل. وأقصد ببقية السيف هنا المجموعة التي تتعلم كثيرا من تاريخها لكي تصنع لها حاضرا متحضرا ومستقبلا مشرقا.
لكني مع ذلك أرى أن من الضروري أن يكون هناك تحرك فعال على المحافل الدولية وفي مقدمتها ممثلية الأمم المتحدة في العراق لكي لا يجري تهويل الجريمة لنية إستخدامها لغرض تصعيد وتيرة الهجوم على الإنتفاضة أو تشويه مسيرتها السلمية.
إن العالم كله ما زال يتعلم من شبابنا العراقي الثائر كيف يكون الغضب المتحضر وكيف ينتصر الدم على السيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا تعلمت؟؟
طلال السوري ( 2019 / 12 / 13 - 21:08 )

وما تعلمناه منهم في شهرين يفوق كثيرا ما تعلمناه طيلة حياتنا نحن الشيوخ الذين بلغنا من العمر عتيا,

اخر الافلام

.. عواقب كبيرة.. ست مواقع بحرية عبر العالم يهددها خطر الاختناق


.. تعيش فيه لبؤة وأشبالها.. ملعب غولف -صحراوي- بإطلالات خلابة و




.. بالتزامن مع زيارة هوكشتاين.. إسرائيل تهيّئ واشنطن للحرب وحزب


.. بعد حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف سيتعامل نتنياهو مع ملف ال




.. خطر بدء حرب عالمية ثالثة.. بوتين في زيارة تاريخية إلى كوريا