الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستحضر اسئلة العدالة في الذكرى الأولى للثورة السودانية أو فلنخرج في نزهة؟

إبراهيم الريح العوض

2019 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


...أن وضع اليد على الذاكرة ليس من اختصاص الأنظمة التوتاليتارية(الشمولية) وحدها، بل هو ميدان كل المتعطشين إلى المجد. تزفيتان تودورف


في كتابه صياد القصص يورد الروائي والصحفي الأروغوائي إدواردو غاليانو قصة كلأتي: في أواخر القرن التاسع عشر، كان كثيرون من أهالي مونتيفيديو يخصصون أيام الآحاد لنزهة مفضلة؛ زيارة السجن ومشفى المجانين.
ويتأملون السجناء والمجانين. وكان اولئك الزوار يشعرون أنهم احرار جداً وعاقلون جداً.
بعد اسبوع من هذا اليوم أي في يوم الخميس 19 ديسمبر 2019 يحتفل السودانيين بالذكرى الأولى للثورة(نستخدمها مجاز) التي اطاحت بنظام الإنقاذ الذي كان يترأسه الدكتاتور عمر البشير. وكان شعار الثورة حرية، سلام، وعدالة. ونتيجة للثورة تشكلت فترة دمقرطة مخنثة، تفاصيل عنوانها، الشراكة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، وكان من نصيب العسكر اجهزة الدولة القمعية(الدفاع والأمن والداخلية)، ومناصفة المجلس السيادي على أن تكون رئاسته الاطول ومدتها 21 شهر من نصيبهم أي من نصيب العسكر، والأجهزة الاخرى من نصيب الحرية والتغيير، حسب نص الوثيقة الدستورية. وبالتالي من كانوا جلادين أو مجرمين الأمس و اليد الباطشة التي يستخدمها النظام السابق في القمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبعد عزله لم تتوقف انتهاكاتهم والتي كان اخرها هو فض الاعتصام، بصورة وحشية واكثر دموية هم اليوم طُلَقَاء أو شُركاء في الحكم مع قوى الحرية والتغيير.
ويبقى السؤال في ذكرى الثورة كالأتي: هل ستحضر اسئلة الثورة المتولدة من شعارها حرية سلام وعدالة، اسئلة من جنس ما مصير العدالة الانتقالية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية؟ هل ستبقى على الورق لأنه ليس ثمة هنالك شيء على أرض الواقع يوحي بأنه توجد تحركات أو فعل نحو تهيئة وتأسيس مؤسسات لها؟ ما الذي يحدث الأن من محاكمات انتقائية هل هي مسرحية لامتصاص غضب الشارع أم هي صورة العدالة التي تنشدها الثورة ورفع شعارها الثوار في مساحة السودان الجديد؟ وتتوارد الأسئلة وتتقاطع واحيانا تصل مرحلة الصدام والمنازعة حول الفترة التاريخية التي من المفترض أن تغطيها العدالة الانتقالية مع نص الوثيقة الدستورية(قد يكون الذين صاغوها ووقعوا عليها كان هاجسهم أن تتم إزاحة الإنقاذ لا غير) الذي ينص على أن تبدأ فترة العدالة الانتقالية 1989 أي من تاريخ انقلاب حكومة البشير. والسؤال الذي لم يستصحبه من صاغوا الوثيقة بما انه العدالة مهمتها تنحصر في معالجة انتهاكات الماضي، هل ماضي انتهاكات حقوق الإنسان والفساد كانت بدايتها مع هذا التاريخ أم هي سابقة له منذ الاستقلال وكان انقلاب 1989م هو مرحلة التعفن لا غير؟ لماذا لم تكن ثمة جدية والتعامل بسطحية و انتقائية مع مطلب العدالة الانتقالية، هل لأن معظم الاحزاب السياسية والزعماء السياسيين متورطين تاريخيا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان سوا كانت حقوق اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لذا تحاشوا فترة التاريخ السابق 1989م وعدم تضمينه في الوثيقة الدستورية؟ كل هذه الاسئلة وغيرها في ما يختص بالعدالة تدور في اذهان كثير من السودانيين وإذ لم توضع في الاعتبار مع العمل على مطلب العدالة ستكون لها نتائج وخيمة ولا احد يتكهن بمألاتها، أو بلغة تزفتان تودورف إن الحفاظ على ذكرى الألم الذي لحق بنا قد يقودنا إلى ردود افعال إنتقامية؛ وكذلك النسيان يمكن أن يولد نتائج وخيمة. فمرحلة تأسيس العدالة هي المرحلة التي تبدأ منها ملامح دولة الحق والاعتراف. لأن في مرحلة العدالة يتم ترميم للذاكرة وإعادة الذاكرة المختطفة ومعالجة الجراح التاريخية التي تسببت فيها الأنظمة المتعاقبة (مدنية/عسكرية).ولكي يتم إصلاح العلاقة بين الدولة والمواطن/ة يجب أن يتم الشروع بإصلاح المؤسسات تمهيداً لكشف الحقيقة وجبر الضرر وإعادة التأهيل ورد الاعتبار وغيرها من مهام العدالة، وإلا سنظل في نفس الدائرة الشريرة. فلا ضمان للانتقال من الدمقرطة إلى الديمقراطية وإن جاز الانتقال ليس ثمة ضمانات إلى فترة الترسيخ الديمقراطي، طالما يحرك الفاعلين السياسيين هو تصفية الحسابات والمكايدات وتقاطع المصالح أو كما قال بول ريكور الاحداث تعني للبعض المجد في حين انها تعني للبعض الآخر المذلة، الاحتفال من جهة تقابله الكراهية من الجهة الاخرى، وهكذا تخزن في ارشيف الذاكرة الجماعية جروح حقيقية ورمزية.فمطلب العدالة هو ترياق وليس انتقام و عندما يوضع في الاعتبار والكل يعمل من اجله، بعد ذلك من الممكن أن نقول ثمة أمل لمعانقة المستقبل و من غير ذلك تبقى ثورة ملامحها مثل قصة الخروج في نزهة غاليانو.

ود الريح إبراهيم
كاتب سوداني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | تجربة طيران مثيرة لقيادة الذكاء الاصطناعي لط


.. تفاعلكم | مقتطفات من أجمل أعمال الأمير الراحل بدر بن عبد الم




.. العالم الليلة | تجربة مثيرة لكمبيوتر -عملاق- تكشف عن ضربة ثل


.. إسرائيل أسقطت عن طريق الخطأ 40 بالمئة من مسيراتها في سماء غز




.. العالم الليلة | محادثات الهدنة تقترب من الانهيار.. وترمب يته