الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القلادة(1)
حسين علي الحمداني
2019 / 12 / 14الادب والفن
كانت تقف أمامه تحمل أوراقا رسمية،نظر إليها بعد أن رفع نظارته وتظاهر إنه لا يعرفها كما تظاهرت هي في بداية ألأمر.
حدق في الأوراق التي أمامه وابتسم وقال أتعرفين آخر مرة شاهدتك فيها؟ضحكت وقالت لا أدري ربما عندما كنت تنظر إلي وأنا أصعد السيارة في يوم عرسي.
ضحك وقال فعلا كانت تلك آخر مرة أشاهدك فيها منذ ربع قرن،والآن كيف حالك؟أجابته كما ترى أحمل أوراقي والصدفة تقودني لأكون معك في العمل.
أجابها لا لم أقصد هذا بل كيف حالك في الحياة؟قالت له أنا باقية هنا فترة طويلة يجب أكمال أوراقي الآن وسنتحدث طويلا إن شئت في مواضيع عديدة.
هي لم تكن امرأة عادية وقبلها لم تكن فتاة عادية،لكنها ليست متمردة في نفس الوقت،هكذا قال خالد في نفسه وهو يقول لها..حسنا تجمعنا الأيام يا سلمى.
خرجت سلمى تحمل أوراقها بيدها حيث ستبدأ العمل في هذا المكان وعرفت إن القدر وضعها مرة أخرى مع هذا الرجل الذي لم تكن تتصور إنها ستلتقيه ثانية بعد ربع قرن من الزمن.
خالد،الولد الوحيد لأم فقدت زوجها في حادث سير وفضلت أن لا تتزوج بعده وتتفرغ لتربية هذا الطفل الصغير وهي ورثت عن زوجها بيت متوسط الحال في حي شعبي ومعاش شهري يمنحها القدرة على العيش بدرجة متوسطة مضافا رعاية عائلة زوجها لها وللطفل الذي لم يرى والده كما بقية الصبيان.
لهذا نال خالد رعاية كبيرة من جميع ألأطراف سواء أمه أو عمامه وأخواله،وهذا ما جعله أحيانا كثيرة يتمرد في صباه لكن حالة التمرد غادرته في السنوات اللاحقة ربما لأنه وجد إن تمرده ليس في مكانه وإن الجميع يحتضه بقوة ويلبي طلباته بسرعة.
أما سلمى فكانت فتاة تسكن نفس الحي الشعبي مع عائلتها المكونة من ثلاث بنات أخريات وولد واحد وأم سليطة اللسان يخشاها الجميع،وأب يعمل طوال النهار في إدارة مقهى شعبي في السوق يعود ليلا ولا يخرج من البيت إلا مع آذان الفجر.
لهذا كانت أم سلمى اشهر من زوجها،إمرأة وإن بدت جميلة لكن جمالها هذا يتوارى أمام لسانها الطويل،لكن بناتها هادئات جدا، سلمى آخر العنقود يكبرها سليم الولد الوحيد لعائلتهم،سليم هذا في نفس عمر خالد،كلاهما كانا يلعبان معا،مرات تأتي سلمى الأصغر منهما بعامين تلعب معها،بمرور السنوات أنعزل خالد عن اللعب مع سليم الذي كان يرسب في المدرسة كثيرا أما خالد فواصل الدراسة بنجاح وترك سليم في الابتدائية والتحق هو بالمتوسطة.
سلمى هي ألأخرى واظبت في الدراسة وعندما أصبحت في المتوسطة كان خالد في الإعدادية ظلت السنتين فارق بينهما في العمر وفي مراحل الدراسة.
في هذه المرحلة هي بعمر خمسة عشر سنة وهو بعمر سبعة عشر سنة،من الطبيعي جدا أن يلتقيان سواء في الشارع أو في الطريق لمدرستيهما في طريق واحد،لم يكن ألأمر غريبا وهو أمر طبيعي في ألأحياء الشعبية.
أخوات سلمى الثلاث الأكبر منها تزوجن واحدة تلو ألأخرى،زواج من خارج الحي الشعبي والسبب إن أغلب أمهات الشباب في هذا الحي لا يحبن أن يتزوج أبنائهن من بنات هي المرأة السليطة اللسان رغم إنهن جميلات،أم خالد دائما تقول بنات أم سليم جميلات لهذا يتزوجن بسرعة وتضحك،وأم سليم نفسها تزوجت بعمر خمسة عشر سنة لكنها لم تمكث في زواجها سوى فترة قصيرة جدا وتطلقت لأنها تشاجرت مع أم زوجها وعادت لأهلها وبعد فترة تزوجت من صاحب المقهى أبو سليم الذي كان صبيا في مقهى والده وورثها عنه.
لم تكن أم سليم غبية لتكرر فعلتها الأولى وتتشاجر مع أم زوجها الجديد خاصة وإنها إمرأة كبيرة في السن لهذا تركت هذا الأسلوب وتفرغت لزوجها لتنجب له البنات وفي نهاية المطاف أنجبت له سليم الولد الوحيد.
سليم رسب كثيرا وترك المدرسة ولم ينجح في الابتدائية،أصبح عاملا في مقهى والده وهو الأمر الذي يتيح له أحيانا أن يدخن السجائر بعيدا عن عيون الأب الذي يذهب في الظهيرة ليرتاح قليلا ثم يعود للمقهى الذي يديره أبنه في غيابه.
خالد كان ينظر لسلمى وهي تكبر يوما بعد آخر لكن أيضا يعرف جيدا إن أمه لا تختلف كثيرا عن نسوة الحي الشعبي في تقييمهن لأم سليم وهذا ما يجعله يتردد كثيرا في طرح الأمر على والدته التي سترفض بالتأكيد هذا الطلب لعدة أسباب أولها أنه لازال طالبا في المدرسة وثانيا إنها بنت أم سليم وأشياء أخرى ستظهر دفعة واحدة.
بين الحين والآخر كانت سلمى تطل على أم خالد بحجج كثيرة غايتها أن ترى خالدا،خالد هو الآخر كان ينتهز هذه الفرص القليلة،لكن فرصته الكبيرة جاءت عندما كانت سلمى في الصف الثالث متوسط وتولى أمر مساعدتها في القراءة والاستعداد للامتحان كان هو قد نجح للسادس العلمي،في فترة مساعدته لسلمى تحت إشراف والدته حينا ووالدتها حينا آخر كان يلتقط أنفساه بالنظر إليها ولم يتردد مرات عديدة في مسك يدها أو يتقاسم وإياها قدح العصير،وكانت هي ألأخرى تبادله هذا.
وكان كل يوم امتحان يظل ينتظرها في باب المدرسة ويطمئن على إجابتها،في نهاية الإمتحان أنتظرا معا النتائج وجاءت سلمى مسرعة فرحة لبيت أم خالد لتزف لها بشرى نجاحها وتبحث بنظراتها عن خالد الذي خرج مسرعا من غرفته ليهنئها بالنجاح ويصافحها بقوة.
في المساء تم دعوة خالد وأمه لوليمة عشاء بمناسبة نجاح سلمى في بيتهم المجاور،شعر خالد حينها إنه نجح في أن يكون شخصا مهما في حياة سلمى وربما أمه تشعر الآن إن لسلمى مكانة عند أبنها.
كانت أم سليم تبدو هادئة وكلامها يختلف كثيرا عما كان شائعا عنها في السنوات الماضية حتى إن أم خالد في العودة قالت لأبنها هذه المرة تغيرت كثيرا عن السابق.
عندما وضع خالد رأسه على الوسادة ظل يحدق في المروحة السقفية التي كانت مهمتها تهوية الغرفة التي تسمى رسميا غرفة خالد،تفكيره كان منحصرا بسلمى التي يحبها جدا وهي أيضا تحبه على ألأقل هذه الليلة التي تعشيا معا لأول مرة.
فكر لو إنهما كانا لوحدهما في هذا العشاء،ضحك كثيرا وهو يسترسل في خياله الذي لم يسعفه كثيرا وغط في نوم عميق.
سلمى هي ألأخرى فكرت كثيرا بخالد وهي تمشط شعرها الذي بدأ أطول من ذي قبل،تمنت أن يكون الآن بجانبها كي تعبر له عن حبها،أنقطعت سلسلة أفكارها وهي تسمع صوت أمها تنادي عليها،ركضت مسرعة نحوها لتجدها غارقة في غسل الصحون وإزالة مخلفات وليمة نجاحها مساء هذا اليوم،لم تكن سلمى تكره شغل البيت بل كانت سعيدة جدا وهي تكمل غسل الصحون وتنظيف المطبخ وتعود مسرعة لغرفتها التي باتت تشغلها لوحدها.
تفكيرها مشغول بخالد الذي ربما الآن هو في نوم عميق كما تخيلت ذلك سلمى التي اعادت ترتيب شعرها الطويل،كانت المرآة التي أمامها كافية أن تشاهد من خلالها سلمى بعيون خالد الذي طالما أسمعها كلمات جميلة عن شعرها الذي عادة ما يصفها بالغجري المجنون.
انتبهت إلى إنه ذات مرة تسمر نظره عند حافات صدها،حاولت أن تلقي نظرة على هذا الصدر لكنها انتبهت للمرآة وعدلت عن فكرتها هذه ووضعت رأسها على وسادتها البيضاء.
في الغرفة المجاورة كان أبو سليم يشعر بالفرح بسبب نجاح سلمى،قال لزوجته وهي تعيد ترتيب السرير إن سلمى عوضته إخفاق سليم في المدرسة،قالت له سليم يساعدك في المقهى وسلمى مهما كانت ستتزوج وتذهب بعيدا عنا كما باقي البنات.
قال لها أتمنى أن تكمل سلمى دراستها وتدخل الجامعة،قالت له البنات مصيرهن الزواج مهما حصلن على شهادة في النهاية يأتي رجل ويأخذها هذا مصيرهن يا أبو سليم.
سليم في غرفته في الطابق الثاني كان يدخن آخر سيجارة قبل النوم،هو الآخر متعب من عمل يوم مرهق وجسمه يحتاج للراحة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نهال عنبر : المسرح جزء من الثقافة المصرية ونعمل على إعادة جم
.. إيمان رجائي: النسخة السابعة من مهرجان نقابة المهن التمثيلية
.. لقاء سويدان : خشبة المسرح الدافع الأول للتألق والإبداع الفني
.. نرمين زعزع : رعاية المتحدة للمهرجانات الفنية والثقافية يزيد
.. استعدوا للقائهم في كل مكان! تماثيل -بادينغتون- تزين المملكة