الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلادة (2)

حسين علي الحمداني

2019 / 12 / 14
الادب والفن


قبل الظهر كانت سلمى قد أنجزت أوراقها وعندما أرادت أن تقابل المدير وهو خالد،كان الساعي يقف عند الباب ليؤكد لكل من يريد مقابلته إن مشغول باجتماع مهم جدا،فضلت أن تؤجل ذلك للقادم من ألأيام.
لم يكن أمامها خيارا آخر سوى هذا،تسلمت عملها ومكتبها الصغير في الطابق الثاني بعيدا عن مكتب المدير الذي ظل حتى نهاية الدوام مشغولا.
لم تحاول أن تسأل الموظفة التي بجوارها عن المدير حتى لا تبدو فضولية منذ يومها الأول،لكن زميلتها سألتها عن سبب نقلها إلى هنا،فقالت لها الظروف أجبرتها على ذلك.
كان هذا الجواب كافيا لأن تصمت زميلتها عن طرح أسئلة أخرى ربما هي ألأخرى تنتظر الأيام القادمة كي تعرف المزيد عنها.
في نهاية الدوام حملت سلمى حقيبتها اليدوية الصغيرة وغادرت مكان العمل لتسلك الطريق صوب بيتها الذي لا يبعد سوى بضعة دقائق سيرا على الأقدام مرورا بزقاق فرعي ضيق حيث تسكن في بيت صغير مع رجل في نهاية منتصف عقده الخامس إنه عبد الحكيم ذلك الرجل الذي أمتهن أكثر من مهنة في حياته وانتهى به ألأمر أن يتنقل من مدينة لأخرى تاركا ديونا في ذمته لا أحد يعرف كيف يستحصلها منه والكثير من الدائنين فضلوا عدم ملاحقته.
عبد الحكيم هو زوج سلمى منذ أكثر من عشرين عاما لم ينجبا ولا أحدا منهم فكر بإلقاء اللوم على الطرف الثاني،نوع من القناعة تولدت لديهما،وفي أحيانا كثيرة كانت سلمى تحمد الله على نعمة عدم الإنجاب من هذا الرجل الذي تنقلت معه من بيت لآخر ومن مدينة لأخرى هربا من سلوكيات عبد الحكيم الذي يتهرب من سداد الديون حتى وإن كانت بسيطة،ويبدل مهنته من وقت لآخر رغم إنه يجيد مهن كثيرة لكنه لا يستقر في أية مهنة حتى وإن كانت مربحة.
سلمى لم تكن قادرة على فعل شيء سوى أن تنقل عملها الوظيفي كلما إنتقلوا لمدينة جديدة وطالما صادفتها مشاكل كثيرة في الحصول على الموافقات المطلوبة لنقلها الوظيفي وعادة ما كانت تتجاوز هذه العقبات بشيء من الغنج والكلام الأنثوي الذي يجلب لها كلمة موافق التي تبحث عنها،لكنها لم تكن تتعدى حدود ذلك أبدا.
عبد الحكيم ترك مهنة السياقة بعد أن باع سيارته وتحول إلى نجار في المنطقة،وهذه المهنة تركها فيما بعد ليعمل كهربائي بقي في هذه المهنة فترة طويلة ليتركها ويتحول مرة ثانية إلى سائق في سيارة تعود لأحد الأشخاص الميسورين مقابل أجر حسب الشغل.
إستقر به الأمر في هذه المهنة في المدينة الجديدة عليه وعلى سلمى التي إعتادت هذه الحياة وأحيانا كثيرة تشفق على عبد الحكيم الذي لا يعرف يدير حياته ولا يسمح لها بأن تدير ذلك،كانت تكتفي أحيانا كثيرة بمعاقبته من لمسها أياما عديدة وأحيانا كثيرة تصل إلى أكثر من شهر،كانت تشعر بتوسلاته لكنها تصر على معاقبته وفي نهاية المطاف تشفق عليه أو ربما تشفق على نفسها وهي ترى أنوثتها تحتاجه بقوة.
عندما أعدت الغداء وأكملته كان عبد الحكيم ينتظر الوجبة وسألها عن عملها اليوم أوجزت له ما جرى دون ذكر للمدير الذي يعرفها وتعرفه، تناولا الغداء دون كلام جديد.
فكرت في خالد الذي عاد هو الآخر لبيته الآن وربما يجلس لتناول الغداء مع زوجته وأولاده ربما أمه لا زالت على قيد الحياة،وفكرت أيضا انه ربما يسكن بيتا واسعا فيه حديقة وكراج للسيارة،ضحكت كثيرا وقالت في سرها لكنه أهتم بي اليوم كانت نظرته لي توحي بذلك خاصة وإن نظرته الأولى لي كانت تحمل الشوق لي، لا لا لا يا سلمى أنت واهمة هكذا قالت لنفسها وهي تعيد ترتيب شعرها الذي قصته من زمان،كانت المرآة التي أمامها كبيرة هي جزء مما تبقى من أثاث اعتاد التنقل من بيت لآخر ومدينة لأخرى.
تذكرت قبل ربع قرن إن خالدا القى نظرة إلى حافات صدرها،فتحت أزرار قميصها هذه المرة لم تخف من المرآة نظرت إلى صدرها الأبيض المنتفض مسحته بيدها ورمت القميص جانبا وارتدت ثياب البيت وضحكت في سرها وقالت عليك اللعنة يا خالد نظرتك القديمة لازالت آثارها موجودة.
وضعت ملابسها في دولاب صغير وهي تسمع عبد الحكيم يناديها سأخرج للعمل وأعود ليلا هل تحتاجين شيئا ما؟ خرجت من الغرفة ترتب ثيابها وقالت له لا تتأخر كثيرا يا حكيم.
سلمى كانت بحاجة لأن تعيد بعض أشرطة الماضي مع خالد،لكن هذا اليوم متعبا مما جعلها ترمي جسدها على السرير لتريحه وتغفو بهدوء.
في الطرف الثاني كان خالد هادئا وهو يدخل البيت بعد يوم عمل طويل،كانت أمه قد هيأت وجبة الغداء ليجلس أمامها يأكل بهدوء،قالت له تبدو متعبا اليوم،ابتسم وقال لا أبدا يا أمي هو يوم عمل يشبه باقي الأيام.
استدرك قائلا لها ربما ألأسبوع القادم لدي سفرة عمل لمدة إسبوع،قالت له أذن سابقى وحدي كالمعتاد،ضحك وقال لها لماذا وحدك ياأمي؟قالت له منذ أن انتقلنا لهذا البيت منذ عشر سنوات كلما تغيب عن البيت أبقى وحدي لأنك رجل عنيد ترفض الزواج من هم بعمرك الآن أولادهم كبار وبناتهم متزوجات،ضحك وقال لها أنت رفضتي زواجي.
دخل غرفته الهادئة هي ألأخرى وحاول اعادة شريط ما حدث اليوم وهو يرى سلمى للمرة الأولى منذ ربع قرن،لم تتغير كثيرا سوى إنها قصت شعرها،سمع طرق على الباب وصوت أمه،فتح الباب وجدها تتحدث له مباشرة وهي تقول له أنا لم أرفض زواجك منها بل أعمامك رفضوا ذلك،ضحك وقال لها أمزح معك يا أمي أعرف ذلك وأذا تحبين أبحثي لي عن زوجة وأنا موافق،قالها وهو يضحك بقوة ويمسك يد أمه ويخرجا إلى صالة البيت ويطلب منها قدح شاي وهمس لها بإنها كل حياته.
وهما يتناولان الشاي قالت له إبن عمك سيتزوج يوم الخميس القادم وعلينا الذهاب قال لها نعم سنذهب بعد الظهر وسنقضي نهار الجمعة هناك في حينا القديم ونعود في المساء.
قالت له إذن لا تنسى أن تشتري هدية له على ذوقك،ضحك وقال أنا لا أعرف أنت تولي هذا ألأمر.
ظلت أم خالد وحيدة في البيت فيما غادر هو إلى مقهى يلتقي به مع مجموعة من أصدقائه،فكرت بما قاله لها حول رفضها لزواجه،أخذت تحدث نفسها أنا لم أعارض لكن أعمامه رفضوا ذلك وحقهم فإن أم سليم إمرأة سليطة اللسان لكن الشهادة لله بناتها يختلفن عنها خاصة سلمى التي طالما كانت تساعدني في البيت عندما كنا جار لهم.
اعادة ترتيب أفكارها من جديد وقالت هو كان صغيرا ويدرس في المدرسة ولا يمكن أن يتزوج وهو طالب،كانت تنقل حاجيات البيت بعشوائية وتكلم نفسها أو تحاول إشغالها بحوار متكرر عادة ما يحدث معها عندما تكون وحيدة في البيت.
المقهى الذي يرتاده خالد لم يكن بعيدا عن بيته ويلتقي بمجموعة أصدقاء بعضهم يعمل معه والبعض الآخر زملاء دراسة في كلية الهندسة التي دخلها في ذات اليوم الذي تزوجت فيه سلمى كان ينظر إليها وهي تصعد ببدلة الزفاف البيضاء تلك السيارة التي تزينت وجلس بجانبها رجلا أكبر منها لكنه وسيما أو يبدو هكذا.
ليلتها شعر بالضياع،لم ينم وفي الفجر وجد نفسه يستقل أول سيارة تخرج من مدينته إلى العاصمة ليلتحق بكلية الهندسة التي قضى فيها فترة هروبه من سلمى التي حاول نسيانها نجح مرات عديدة في ذلك لكنه فشل مرات أخرى.
لم يحاول أن يسأل عنها أبدا،حتى سليم لم يعد يقترب منه كي لا يتذكرها،حتى في حفلة زواج سليم كان يجلس كديكور دون تفاعل وحاول جاهدا أن لا تبدو عليه ملامح توحي بذلك.
عندما عادت أمه من حفلة زواج سليم لم يسألها إن رأت سلمى أم لا؟وهي أيضا تجاهلت الحديث عنها وأكتفت بالقول إن زوجة سليم حلوة وصغيرة.
ذات مرة زارتهم أم سليم عندما تخرج من الكلية للتهنئة،سمعها تقول لأمه أصبح بحاجة لمرأة هيا استعجلي بزواجه،ضحك وقال لها لما الإستعجال يا خالة أم سليم،هكذا كان يناديها.
عندما إستيقظت سلمى من غفوتها كانت الشمس في طريقها للزوال،لم تنم من قبل هكذا، ضحكت وقالت اللعنة عليك يا خالد وألقت نظرة على مرآتها،كان شعرها متأثرا بالنوم حملت نفسها متكاسلة للمرآة رتبت شعرها وقررت أن تجعله طويلا ولا تقصه بعد اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم