الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلادة (4)

حسين علي الحمداني

2019 / 12 / 14
الادب والفن


أوقف خالد سيارته في ساحة أمام بيت عمه ونزل يفتح بابها لأمه التي بدت كبيرة وهي تنزل من السيارة وقد أحاطت بها مجموعة من النسوة والفتيات اللواتي اعتدن على استقبالها بهذه الحفاوة فيما تولى الصبيان حمل الأكياس الكثيرة التي تكدست في المقعد الخلفي للسيارة وحرصت أم خالد على متابعة ذلك بنفسها.
خالد هو الآخر كان يلقى ذات الترحيب من النسوة والفتيات فهن ما بين زوجات أعمامه وبناتهن أو حفيداتهن، كان البيت مملوء بالناس خاصة وإنه يوم عرس وهنالك وليمة عشاء كبيرة يتم إعدادها لعدد كبير من الناس.
فضلت أم خالد أن توزع الهدايا بنفسها على النساء والفتيات،وحرصت أكثر أن تضع هديتها في غرفة العريس، الجميع هنا يحب هذه المرأة،والجميع يتمنى مجالستها والحديث معها.
سلمى وصلت بعد الظهر،عندما طرقت الباب كان تنظر لتجمهر الناس عند بيت أبو حمزة عم خالد،عرفت من أمها إن هنالك عرس مساء اليوم لأبنهم،أم سليم كبرت كثيرا لدرجة إن نظرها لم يعد يساعدها على الرؤية لمسافة لا تتعدى مترين،حتى سليم بدأ شعره أبيض وظهره منحني وأولاده كبروا،تناولت الغداء بمفردها لأن الجميع سبقها منذ ساعتين بتناول الغداء.
كانت زوجة سليم هي من تدير شؤون البيت دون كلل أو ملل، أشفقت سلمى عليها وهمت بمساعدتها لكنها رفضت لكن إصرار سلمى كان أقوى،لم تكن زوجة سليم تشتكي من شيء حتى سليم تغير كثيرا وبدأ يهتم بالبيت والأولاد وزوجته.
قالت سلمى نعم سليم تغير كثيرا منذ وفاة أبي وشعوره إنه أصبح المسؤول الأول عن البيت ومن فيه،سمعت صوت أمها يناديها اقتربت منها وقالت لها هل تذهبين معي لبيت أبو حمزة نبارك لهم، قالت لها سلمى نعم اذهب فقط أغير ملابسي يا أمي.
أرشدتها زوجة سليم أن تغير ملابسها في غرفتها،الغرفة جميلة ويبدو إن سليم فعلا تغير كثيرا،هنالك مرآة كبيرة وأكثر وضوحا،خلعت ثيابها وألقت نظرة على حافات صدرها وضحكت وقالت عليك اللعنة يا خالد.
ارتدت ثيابها وجهزت نفسها للذهاب مع أمها لبيت أبو حمزة،المسافة لا تتعدى بضعة أمتار ومجرى ماء ربع متر يحمل مياه البيوت إلى المجاري الرئيسية في نهاية الشارع،كان أحد الصبيان ينظفه لكنه توقف عندما مرت سلمى وأمها صوب البيت.
كانت الزغاريد تنطلق مع قدوم كل امرأة مهنئة،لم تكن كل الموجودات يعرفن سلمى لكن الجميع يعرف أمها،سمعت أحداهن تقول لأم سليم من هذه التي معك؟ قالت لها هذه سلمى ،جاء صوت من الجهة الأمامية أهلا أم سليم تعالي هنا بجانبي،الصوت كان لأم خالد،ظلت سلمى واقفة فيما صحبت أحد الفتيات أم سليم صوب جارتها القديمة،فضلت سلمى مغادرة المكان والعودة إلى البيت فهنالك من ستجلب أمها عندما تعود.
احتفت أم خالد كثيرا بأم سليم وسألتها عن سلمى التي سمعت إنها هنا،تفطنت أم سليم وقالت ربما عادت للبيت،أصرت أم خالد أن تزورها فهي تحبها كثيرا،حاولت أن تخرج إليها لكن أم سليم قالت لها اليوم عرس وهي ستظل حتى الغد ستأتي إليك هي لا تتعبي نفسك.
دخلت سلمى غرفتها القديمة التي ظلت فيها لوحدها بعد زواج أخواتها،وباتت اليوم مشغولة من قبل أولاد سليم الذين هم الآن خارج البيت يمرحون مع الصبيان في العرس المرتقب،كانت بحاجة للحديث مع أم خالد التي تناديها خالتي،وفكرت ربما خالد هو الآخر موجودا في العرس بل أكيد هو موجود لأنه أخذ إجازة هذا اليوم.
ربما تلتقي به يراها أو تراه لا فرق في ذلك،خرجت من الغرفة وسالت زوجة أخيها إن كانت ستساعدها في المطبخ قالت لها لا الجميع سيتناول العشاء في العرس سليم والأولاد وحتى أنت وضحكت.
عرفت إنها يجب أن تذهب للعرس وقررت الذهاب بحجة جلب أمها،كانت بعد لحظات تحتضن أم خالد التي قالت لها سمعت إنك هنا،قالت لها إي خالتي من زمان لم أزر أمي قلت أزورها واقضي يوم أو يومين وأعود.
طال الحديث بينهما ولم يقطعه إلا صوت الزغاريد بقدوم موكب العروسين انشغلت كل منهما بالنظر للعروسة التي جلست وسط عشرات النسوة .
سحبت سلمى نفسها بهدوء وعادت للبيت الذي تركه الجميع واتجهوا صوب العرس،دخلت غرفتها القديمة وشعرت إنها بحاجة ماسة للبكاء في هذا الوقت الذي ذكرها بلحظة زفافها قبل ربع قرن،هذا الزواج الذي قاومته لكنها فشلت في ذلك.
حاولت تمالك نفسها،مسحت دموعها وغسلت وجهها ورتبت شعرها مجددا وخرجت لتقف في باب دارهم تنظر للعرس من بعد بضعة أمتار،كان خالد يقف مع مجموعة من الرجال يتحدثون مع بعض،حاولت تجاهل النظر إليه،لم تمكث طويلا في وقفتها ودخلت داخل البيت.
افتقدت أم خالد سلمى وعندما سالت عنها قالوا إنها ذهبت للبيت،حاولت أن تستدعيها لتناول العشاء لكنها فضلت أن يحملون لها العشاء لبيتها وهي معهم.
عندما طرقت الباب وفتحتها سلمى وجدت أم خالد ومعها فتاتين يحملان الأكل،ابتسمت وقالت لماذا يا خالتي كنت في طريقي إليكم،قالت لها افتحي الباب أريد أن أتعشى معك يا سلمى.
فتحت الباب وتم وضع ألأكل على طاولة صغيرة في المطبخ وجلست أم خالد وجلست سلمى وتناولا العشاء بشهية مفتوحة.
كان الحديث بينهما عادي جدا لا يتعدى حدود الأشواق ومعرفة الأحوال،كانت أم خالد حريصة على أن لا تزعجها بالماضي لكنها عندما سألتها هل لديها أولاد،قالت لها سلمى لا ليس لدينا أولاد ولا بنات،سألتها والسبب منك أم منه؟ضحكت وقالت لم نفحص ونحن مرتاحين لذلك يا خالتي .
هذه الإجابة تعني لا حاجة للسؤال مجددا عن مسألة الإنجاب،لكنها راحت تسهب لأم خالد عن زوجها الذي يعمل في سيارة أجرة ولم تلمح على إنها موظفة حتى لا تسألها عن مكان عملها،وكانت تؤكد دائما إنها سعيدة مع عبد الحكيم.
عادت أم سليم صحبة أحد أحفادها لتجد أم خالد مع سلمى أكملت الجلوس على المقعد الثالث وشاركت الحديث معهما،كانت سلمى قد أعدت الشاي الذي قدمته وأخذ الحديث جوانب عديدة وذكريات قديمة،انضمت إليهم زوجة سليم وسليم أيضا فيما ظلت سلمى صامتة تدور في رأسها أسئلة كثيرة أبرزها ماذا لو كانت هذه الجلسة قبل ربع قرن؟كل شيء سيتغير هي ستكون زوجة خالد الذي ربما سيكون جالسا على هذا الكرسي،وعندما يأتون في زيارة ربما ينامون في غرفتها القديمة،كانت سارحة في أفكارها التي جعلتها تعيد التفكير بخالد.
عندما غادرت أم خالد المكان فضل الجميع الخلود للنوم بعد يوم متعب لهم،سلمى لم يكن أمامها خيار سوى النوم مع أمها،عندما وضعت رأسها على الوسادة حاولت جاهدة طرد الأفكار والأسئلة لكنها فشلت وظلت تفكر أكثر من ساعة قبل أن تغطي وجهها بالشرشف الأبيض.
كان الليل طويلا جدا على سلمى التي استيقظت أكثر من مرة لدرجة نهضت مبكرة جدا وأعدت الفطور للعائلة بأكملها قبل أن تستيقظ زوجة سليم التي اعتادت عمل كل شيء في البيت،عندما صحت وجدت سلمى أكملت كل شيء شكرتها،فضحكت سلمى وقالت لها الله يساعدك يا زوجة أخي البيت والأولاد وسليم، قالت لها والله يا سلمى ليس لنا سوى البيت والأولاد وسليم وخالتي،زوجة سليم أسمها كوثر هي ابنة خالته أنجبت أربعة صبيان وقررت التوقف عن ذلك،كانت تتمنى أن تلد بنتا لكنها لم ترزق بذلك.
هنالك كان خالد يتناول فطوره مع عمه وأولاده بما فيهم العريس والحديث معه دائما لماذا لا تتزوج يضحك خالد ويقول لهم هذا السؤال ترك. يضحك الجميع والبعض يقول له ظل عانس للأبد.
في بيت أم سليم لم يكن الفطور جماعي،سليم يخرج مبكرا للمقهى،الأولاد بعضهم لا يصحى مبكرا،أقتصر الفطور على سلمى وكوثر وأم سليم،لم يكن هنالك حديثا سوى عن عرس الأمس كوثر قالت إن العروسة جميلة ردت خالتها هذا المكياج يا كوثر حتى القبيحة يجعلها جميلة.
قالت سلمى لكن يبدو إنها جميلة،انبرت أمها وقالت قلنا لكم المكياج يصنع كل شيء وضحك الجميع.
بعد إكمال الفطور قالت سلمى إنها ستعود لمدينتها فغدا لديها دوام،حاولت أمها أن تجعلها تبقى وتذهب بعد الظهر فقالت لها لا يا أمي عبد الحكيم وحده ولا يمكن أن أظل حتى الظهر.سأستحم وأغادر،قالت هذه الكلمات وهي تغادر المطبخ صوت الحمام.
ما أن خلعت ملابسها حتى تذكرت نظرة خالد القديمة لحافات صدرها فتحت الدوش وتركت الماء ينساب بهدوء على رأسها ويمر على حافات صدرها وهي تنظر الى تلك النظرة التي تركت بصماتها هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل انطلاق مهرجان الموسيقى العربيةفى دروته الـ 32 الحدث


.. مهرجان الموسيقى العربية.. 14 ليلة غنائية وموسيقية على مسارح




.. تذكرتي تتيح حجز تذاكر حفلات وفعاليات مهرجان الموسيقى العربية


.. ابنة ثريا ا?براهيم: محمد سعد عمل لها نقلة فنية في فيلم «كتكو




.. بسمة الحسيني: أولويات الإغاثة الثقافية في المناطق المنكوبة •